يعتبر ابن منطقة ابن باديس، علي معلم، من أشهر مصلحي ساعات المعصم الميكانيكية، في الأسواق الأسبوعية بولاية قسنطينة، و ينتظره هواة هذه التحف الفنية بشغف، ليعيد ربطهم بذكرى عزيزة عليهم، أو مناسبة كانت سببا في تزيين معصمهم بها، فكل عطب يحل بها يقطع حبال الحنين إلى  ذكراها، و توقف عقاربها، يقطع حبل الود بمن أهداها.
عمي علي، كما يحلو للأغلبية أن ينادونه تقديرا له، ينتظره هواة هذه الساعات، كل يوم ثلاثاء في عين عبيد، و هو موعدهم الأسبوعي به تحت شجرة، و بمجرد وصوله مع ساعات الصباح الأولى، تتكدس على طاولته، كومة من ساعات اليد على اختلاف أحجامها، و أشكالها وأنواعها وعلاماتها بين الفاخرة و البسيطة زهيدة الثمن، إضافة إلى ساعات الحائط، ذات الأحجام المختلفة العادية و الخشبية العتيقة، التي يحتفظ بها أصحابها لارتباطها بذكرى عزيزة عليهم، أو بإنسان ترك أثرا في قلوبهم، قد يكون أبا أو أخا أو صديقا.
يصلح كل الأعطاب و يمتلك كل قطع الغيار
عمي علي يبدأ عمله بتفحصها، و معرفة أسباب توقف عقاربها، فيصنفها، بين التي تحتاج إلى عملية تنظيف بسيطة، لتعود إليها الحياة، ومن تحتاج إلى تغيير أحد أجزائها، فيبرمج في ذهنه موعد تصليحها، فيطلب من البعض الانتظار لبساطة العطب، و يضرب للبعض الآخر موعدا لاستلامها.
أثناء ممارسة الحرفي لعمله اليدوي الدقيق، لا يتوقف عن الحديث و تبادل الآراء مع زبائنه الذين يعرفهم و يعرف حتى ساعاتهم التي تعود على تصليحها عدة مرات،  و يرجح أنه يعرف حتى أسباب ارتباطهم بها، و قصة وصولها إلى معاصمهم، من خلال حديثه معهم.
عمي علي الذي لا يتأخر على زبائنه، على مدار الفصول الأربعة، التي يتأقلم معها بلباسه، جراء عمله في الهواء الطلق، تحت أغصان شجرة وسط المدينة، خبير في الساعات يعرف قيمتها وسعرها و يحوز على كل قطع غيارها، قال للنصر، أنه يجوب كل الأسواق الأسبوعية عبر ولاية قسنطينة و له في كل سوق زبائن و مواعيد، و أعرب عن أسفه لأن حرفته تتجه نحو الزوال و الانقراض، جراء نفور شباب اليوم، من تعلم أسرارها و اتخاذ من تصليحها مهنة لهم، ففي ولاية قسنطينة ، عدد مصلحي الساعات لا يكاد يذكر، على الرغم من أهمية الحرفة و حاجة الناس إليها، كما أن إتقانها يمكن أن يفتح بيتا و يعيل أسرة،حسب عمي علي.
لكل تحفة قصة..
لاحظنا أن أحد زبائن عمي علي كانت في يده ساعة حائط ميكانيكية مصنوعة من الخشب، و قال لنا إن ارتباطه بها يعود إلى صغره، فقد ترعرع على سمفونية رنين عقاربها، خلال دورانها الذي لا يتوقف، فلا يحلو له  الجلوس في البيت، دون أن يسمع عزف دقات قلبها و هي تعد الدقائق و الساعات، لذا يحرص على أن يعيد لها نشاطها متى عجزت عقاربها عن السير إلى الأمام، مؤكدا أن ما ينفقه في تصليحها كل مرة، يمكنه من اقتناء أخرى جديدة، لكن تعلقه بها جعله يحتفظ بها، رغم مصاريفها، فيما قال آخرون إن ساعاتهم و رثوها عن آبائهم وإخوانهم و لكل تحفة قصة.
عمي علي يقضي يوم الثلاثاء في سوق عين عبيد الأسبوعي، يضرب لزبائنه، في كل أسبوع موعدا، ويعتز بحرفته التي جعلت له أصدقاء في كل بلديات الولاية، وزبائن أوفياء لا يتحملون تأخره، وإذا حدث و  أن غاب يوما يسأل عنه الجميع، و يطمئنون عن حاله، متى عاد، مستفسرين عن سبب غيابه، الذي يتمنون أن يكون خيرا، على حد تعبيرهم.
ص. رضوان           

الرجوع إلى الأعلى