كشفت صور تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، عن ممارسات استهلاكية خاطئة في عز الأزمة الصحية ،  بلغت حد رمي كميات معتبرة  من الوجبات ومواد غذائية أخرى  كالخبز المنزلي و الحلويات وحتى السميد،  ما  أثار استهجان  الكثيرين و حرك حملة ضد التبذير و دعوات لترشيد الاستهلاك خصوصا و أننا على اعتاب شهر رمضان.
 التهافت و الاحتكار شجعا التحايل
بعد أيام من إعلان الدولة لإجراء الحجر الصحي كسبيل لمواجهة عدوى فيروس كورونا، استغلت أطراف الأوضاع لنشر إشاعات بخصوص وجود ندرة في السميد تزامنا مع تقييد نشاط العديد مع المحلات التجارية، وهو ما ضاعف الخوف و حول هذه المادة إلى موضوع الساعة حتى أن الحديث عنها تجاوز الحديث عن كورونا، وبات الحصول عليها أهم من الحفاظ على الصحة، وهو وضع استغله المضاربون لرفع الأسعار التي وصلت لـ 2000 دج لكيس 25 كلغ، كما أن التهافت دفع بالبعض إلى احتكار كميات مضاعفة تزيد عن الحاجة، رغم تطمينات وزارة التجارة و كذا الجمعية الوطنية للتجار و الحرفيين، بخصوص وفرة المخزون و كفايته لما يزيد عن 6 أشهر كاملة، غير أن الوضع استمر في التفاقم و انجرت عنه مظاهر غير مقبولة لتجمعات كبيرة و لتدافع و شجارات، ما استدعى تدخل مصالح الأمن و الدرك لتنظيم علمية توزيع المادة على مستوى الأحياء، وقد تداول رواد التواصل الاجتماعي صورا صادمة لفوضى السميد كما وصفوها، و علق الكثيرون بالقول بأن ما سيقتلنا هو السميد وليس الفيروس، فيما حول آخرون القضية إلى موضوع للسخرية، قبل أن تنتشر
مؤخرا صور لأكياس كاملة من هذه المادة مرمية في المزابل، في مفارقة صادمة حولت المشهد إلى كوميديا سوداء، بعدما اتضح لمن كانوا يخزنونها بأنها فاسدة أو قديمة، وهو ما دفعهم للتخلص منها، بحسب ما  اعترف به البعض، ممن تحدثوا عن تعرضهم للتحايل من قبل تجار استغلوا حاجتهم للحصول على المنتج لبيعهم كميات منتهية الصلاحية كانت مخزنة منذ مدة، وذكرت سيدات عبر صفحات الفيسبوك، بأنهن صدمن لمنظر « السوس» داخل أكياس السميد.
هوس الطبخ يتخم المزابل
مظهر آخر من مظاهر التبذير، عكسته صور كميات من الأطعمة و الخبز المنزلي و حتى الحلويات المرمية في المزابل، و التي يبدو بأن بعضها لم يستهلك من الأساس، وهي في الحقيقة نتيجة أفرزها هوس الطبخ الذي تملك الكثير من الجزائريين رجالا و نساء منذ بداية الحجر المنزلي، فقد تحولت مواقع التواصل خلال الأيام القليلة الماضية، إلى مطبخ مفتوح  لتبادل الوصفات  و نشر صور الأطباق المختلفة، في محاولة لكسر الملل.
هذه الصور حركت مشاعر الكثيرين ممن حذروا من مغبة التبذير خصوصا و أن هنالك من حرموا من كيس سميد و قارورة زيت بسبب التهافت الكبير عليها و تخزينها، كما قال آخرون، بأننا فشلنا في اختبار الإنسانية الذي وضعنا أمامه هذا الفيروس،  و لم نتعلم من الدرس شيئا مع أن العالم ككل متخوف من التبعات الاقتصادية للأزمة، بدليل أن السعي وراء البطون حولنا إلى مسرفين و مبذرين نرمي الطعام دون شعور بالذنب، فيما أطلقت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، حملة عبر صفحتها على مواقع التواصل للتوعية بأهمية تنظيم العادات الاستهلاكية السيئة التي زادت منذ بداية الحجر.

uفارس بن نعيجة ممثل منظمة حماية المستهلك :  السلوكيات التي أفرزها الحجر تستوجب إنشاء مرصد وطني للعادات الاستهلاكية

يرجع فارس بن نعيجة رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك بقسنطينة، هذا الوضع إلى طبيعة السلوك الاستهلاكي للفرد الجزائري، وهو سلوك قال، بأنه غير سليم فالتخزين و اللهفة ظاهرة قديمة لم تفرزها الأوضاع الحالية، بل هو مشهد يتكرر دائما مع اقتراب شهر رمضان مشيرا إلى أن الأمر يتطلب دراسة سوسيولجية معمقة.
 و أوضح المتحدث، بأن التهافت الكبير على اقتناء مادة السميد بسبب ما أثارته الشائعات، انحدر أكثر بوعي المواطن الذي كان جل تركيزه منصبا على اقتناء هذه المادة وبكميات كبيرة، ما استغله انتهازيون لتسويق منتجات قديمة و منتهية الصلاحية، إذ تعرض أناس كثر للتحايل و اشتروا سميدا فاسدا أو قديما دون أن ينتبهوا لتاريخ صلاحيته، خصوصا من اقتنوا هذه المادة من نقاط البيع العشوائية، لينتهي بهم الأمر إلى رميها في المزابل.و أضاف ممثل منظمة حماية المستهلك، بأن هيئته أطلقت دعوات لتوعية المواطنين  بأهمية تجنب مثل هذه السلوكيات و ترشيد عمليات اقتناء المواد الأساسية و التحلي بالثقة تجاه خطاب المسؤولين و الأطراف الفاعلية في العملية التجارية، إلا أن غالبية الأشخاص يرفضون قبول هذا المنطق و ينساقون وراء الإشاعات المغرضة ذات الأهداف الربحية، مشيرا إلى أن توقف العمل الجواري بسبب الحجر، لم يلغ  عملية التحسيس ككل، حيث تقوم منظمته بنشاط مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الوعي و ضبط السلوك الاستهلاكي، خصوصا و نحن مقبلون على شهر رمضان كما قال، مطالبا المواطنين بالتحلي بعقلانية أكثر و إعادة ترتيب سلم الأولويات بحيث تسبق الصحة الغذاء، على اعتبار أن فترة الحجر حسبه،  ليست فرصة للتبذير كما يقوم به الكثيرون و تعكسه شبكات التواصل،  التي تحولت مؤخرا إلى صفحات مفتوحة على المطابخ بحجة تمضية الوقت و القضاء على الملل.
 المتحدث، أكد من ناحية أخرى، بأن  مظاهر التبذير التي أفرزها الحجر، بينت أهمية الإسراع بإنشاء مرصد وطني للعادات الاستهلاكية على غرار ما هو معمول به في كل دول العالم، خصوصا و أن الأرقام التي يتم تداولها عادة سواء من قبل الجمعيات و المنظمات و الهيئات الرسمية، لا تعد دقيقه و ليست وليدة دراسة ميدانية، مؤكدا أن هذه المؤسسة إن أسست فعليا بالاشتراك مع نفسانيين و مختصين في الاقتصاد و علم الاجتماع و التغذية و  غيرهم، يمكنها أن تكون قوة تأثير قد تنجح في توجيه سلوك المواطن و تضبطه من خلال دراسات عملية، فكما يقال « ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته».

uياسين  بن مخلوف سوالمي إمام مسجد الاستقلال بقسنطينة : الإسلام حرم الاحتكار و التبذير


يقول إمام مسجد الاستقلال بقسنطينة الشيخ ياسين  بن مخلوف سوالمي، بأن ما شهده المجتمع الجزائري في هذه الفترة من سلوكيات غذائية و تجارية مرفوض جملة و تفصيلا، مشيرا إلى أننا بدأنا بالاحتكار ثم انتقلنا إلى التبذير، وهما أمران حرمها الشرع، فالكثيرون احتكروا المواد الاستهلاكية الأساسية وبخصوص مادة السميد و حرموا منها غيرهم، وهو سلوك نهانا عنه الرسول الكريم في قولة» لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، فلا يحق حسبه، للإنسان ان يحتكر كيسين  من السميد و لا يترك لأخيه شيئا، كما أن فلسفة ديننا تحثنا على القناعة، و عليه يتعين على الفرد أن لا يستبق الأمور لأنه ليس ضامنا لحياته فقد يموت اليوم أو غدا، كما أن قوته و رزقه اليومي على الله، و الاحتكار فيه إضرار بالناس و استغلال لحاجياتهم و تكريس لممارسات أسوء كالمضاربة، كما أن هذا السلوك يبث الحقد و البغضاء بين المسلمين بسبب غياب العدالة في التوزيع.
 كما أن حكم التبذير و الافراط معروف في شريعتنا، وهو التحريم المطلق حسبه، لأن فيهما تجاوزا للحد المعقول للشيء، و قد بين الله عزل و جل ذلك في سورة الإسراء، في قوله « ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا» كما يقول في محكم التنزيل « ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا»، كما جاء في حديث للنبي الكريم « كلوا و تصدقوا و البسوا من غير إسراف و لا مخيلة» كما نهانا في أحاديثه عن إضاعة المال»، و ما نلاحظه اليوم من رمي لأطنان من السميد و الأطعمة و الخبز في المزابل، فيه إضاعة للمال كما عبر، وقد شبه الله المبذرين بالشياطين، فلا يجوز أن نحتكر الطعام و نترك الآخرين جوعى ثم نبذر و نرمي النعم في القمامة.  
               هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى