يشرح أطباء ومختصون في أمراض الحساسية والأمراض الصدرية والجلدية أسباب إزالة الممرات المعقمة التي تم وضعها في المستشفيات والمرافق العمومية بالتأكيد على أنها تحتوي على مواد تتسبب في مضاعفات صحية، خاصة وأن الكثير من مستعمليها يلجؤون إلى وضع مواد مطهرة غير مطابقة للمعايير، كماء جافيل وبعض المواد الكيميائية التي تحدث تهيجات جلدية وتؤثر على الجهاز التنفسي.
هيبة عزيون
مثمنين التعليمة التي أصدرتها وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات يوم 7 جوان الجاري، إلى كل مدراء الصحة بمختلف الولايات لمنع استخدام مختلف الممرات التي وضعت في بداية الجائحة، وإزالة الممرات التي تم نصبها في مداخل المؤسسات الاستشفائية وغيرها، بناء على مراسلة للجنة الوطنية لمكافحة الأمراض المتنقلة في الوسط الاستشفائي والوقاية منها، التي أكدت خطورتها، بالاستناد إلى قرارات المنظمة العالمية للصحة التي كانت سباقة لمنع هذه الأروقة.
ممرات التعقيم من حل لمنع العدوى إلى خطر على المواطن
انتشرت وانتعشت فكرة صناعة و استخدام ممرات التعقيم في مختلف دول العالم، كوسيلة لمواجهة الجائحة و كسر انتشار الفيروس القاتل، حيث شهدت مختلف الدول صناعة هذه الأروقة من قبل شباب متطوعين و حتى مؤسسات، لاستخدامها خاصة في المؤسسات الاستشفائية و المساحات العمومية، باعتبارها طريقة من بين طرق التعقيم لمجابهة الفيروس القاتل.
و في الجزائر عرفت هذه الصناعة انتعاشا كبيرا خلال الفترة الماضية، و جذبت إليها عشرات الشباب المخترع الذي وجد فيها فرصة مناسبة لتفجير طاقاتهم الفكرية و التطوع للمساهمة للحد من تفاقم الأزمة الصحية، و قامت العشرات من المستشفيات و بعض المؤسسات، بوضع هذه المداخل لحماية موظفيها و ضمان التعقيم بشكل دوري ، و  زاد الطلب عليها في  المساحات التجارية الكبرى و الأسواق في ظل قرارات الرفع الجزئي و التدريجي للحجر من أجل العودة تدريجيا للحياة العادية.
في حين أصدرت منظمة الصحة العالمية قرارا قبل أسابيع، يمنع استخدام هذه الممرات، لأن لها انعكاسات خطيرة على صحة و سلامة الإنسان بسبب مواد التعقيم المستعملة، و سارت وزارة الصحة الجزائرية في نفس المنهاج، و أصدرت قرارا بمنع و سحب  كل الممرات الموجودة، حيث أكد البروفيسور جمال فورار، رئيس اللجنة العلمية المكلفة بمتابعة أزمة وباء كورونا، أن هذه الأروقة تم وضعها في المستشفيات و غيرها، دون الحصول على تراخيص أو إخطار مسبق للجنة العلمية، في حين تضم أجهزة لرش جسم الإنسان بمواد مطهرة، و قد تؤدي إلى ظهور مشاكل جلدية و حساسيات من بعض التركيبات الكميائية  الممنوع رشها مباشرة على الجلد.

سامية كرميش مختصة في الأمراض التنفسية والحساسية وأمرض النوم
المواد المستخدمة تقضي على السائل المخاطي للأنف وغشاء العين
أكدت المختصة في الأمراض التنفسية و الحساسية و أمراض النوم الدكتورة سامية كرميش للنصر، أن مواد التطهير المستخدمة في أروقة التعقيم تشكل خطورة كبيرة على الجهاز التنفسي و استخدامها باستمرار قد يقضي بنسب متفاوتة على مخاط المجاري التنفسية، خاصة الأنف، إضافة إلى الغشاء الذي يحمي العين، بسبب البخار الذي يلامس كل الجسم، و تحديدا الوجه.
وأضافت المتحدثة أنها حذرت منذ البداية من خطورة استخدام هذه التجهيزات التي ولدتها موجة الاختراعات التي تزامنت و انتشار فيروس كورونا، في ظل غياب شبه كلي لأجهزة لمتابعتها و مراقبتها، مضيفة أن كل الدراسات في العالم أثبتت أن فيروس كورونا ينتقل عن طريق العين و الأنف و الأذن.
وأنجع طرق كسر العدوى، ومنع انتشار الفيروس، كما أكدت، هو الحفاظ على نظافة اليدين بغسلهما بالماء و الصابون أو استعمال الهلام المعقم، إلى جانب التزام التباعد الإجتماعي، بينما لم تتم الإشارة إلى ممرات التعقيم كوسيلة للحماية من خطر العدوى، مضيفة أن هذه الأروقة حتى و إن كانت المواد المستخدمة بها تقضي على الفيروس، فهي تمنح للأشخاص حماية زائفة و إحساس بالأمان عند كل استخدام لها، فيتخلون آليا عن طرق التعقيم الأخرى التي تعتبر أكثر أهمية، مع كسر قواعد التباعد الإجتماعي.
 تابعت الطبيبة أن المواد التي ترش على الممرات بهدف القضاء على الفيروس، قد تقضي على السائل المخاطي، و تسبب أزمات صحية، خاصة بالنسبة لأصحاب الأمراض التنفسية و الصدرية، كما أن الاستعمال اليومي لها من قبل العمال و الموظفين، يزيد من نسب حدوث هذه التعقيدات إلى جانب إتلاف الملابس، لأن المواد و السوائل المستخدمة، تكون مجهولة في الغالب، فيما لم يثبت العلم نجاعة الجهاز الذي قد يكون ناقلا للفيروس في بيئة تنتعش فيها فيروسات أخرى، جراء استخدامه اليومي، دون خضوعه للمراقبة، إضافة إلى تكاليفه الباهظة.

محمد الحبيب بلماحي رئيس مخبر السموم بالمستشفى الجامعي بن باديس في قسنطينة
الترخيص لهذا النوع من الوقاية يتطلب المزيد من الدراسات المخبرية
قال رئيس مخبر السموم بالمستشفى الجامعي الحكيم ابن باديس في قسنطينة، البروفيسور محمد الحبيب بلماحي، أن الترخيص باستخدام ممرات التعقيم مستقبلا، يتطلب إجراء المزيد من الدراسات المخبرية المعمقة حولها، و بالأخص على المواد المستخدمة في التعقيم و الرش.
و أوضح البروفيسور بلماحي للنصر أن  المطهرات  أو السوائل التي يتم تحويلها إلى بخار لرش المواطنين بها، يجب أن تتوفر بها عدة خصائص كيميائية، من بينها ألا تتسبب في حدوث تهيجات أو حساسيات و ألا تكون في شكل سموم، تضر بالبيئة  و المواد العضوية، لكن ما حدث في الواقع مخالف تماما لهذه الشروط، و هو ما أكدته مذكرة  وزارة الصحة بخصوص الأنفاق  التي اعتمد في  تشغيلها على رش منتجات مطهرة سامة للغاية، و شدد  المتحدث أن المواد المستخدمة بشكل عام هي مواد كيميائية،  تعتمد على الكحول و الفينولات و الكلورهيكسيدين و هو مادة سامة ، إلى جانب مادة الكلور وغاز الأوزون و البيروكسيد التي لها تأثيرات في عملية الأكسدة.
و أضاف أن المعروف عن غاز الأوزون 3، أنه يتكون من 3 ذرات مرتبطة ببعضها البعض، و هو مركب مؤكسد للغاية، و هذا يعني أنه يتفاعل مع كل شيء، و من بينها المعادن و المواد العضوية و الفيروسات و البكتيريا، و مهما كانت المياه المعالجة بالأوزون مبيدة للجراثيم، لا يمكن أن ننسى خصائصها الضارة الأخرى ، و من هنا يمكن القول إنها غير صالحة للاستعمال، و قد تكون مسرطنة من خلال قدرتها على إنتاج الجذور الحرة.

فؤاد بوالنصر أخصائي في أمراض الجلد
البخار المستخدم يسبب الإكزيما والالتهابات الجلدية
 من جهته حذر أخصائي الأمراض الجلدية فؤاد بالنصر في حديثه للنصر، من المواد المستخدمة في ممرات التعقيم و التي تلامس الجلد مباشرة، خاصة الوجه و اليدين، و قد تسبب مشاكل جلدية خطيرة، منها تهيج الإكزيما و ظهور الالتهابات على الجلد التي تسبب مع الوقت زوال الطبقة الميتة التي تحمي البشرة، كما أن هذه السوائل، التي تكون غالبا مجهولة المصدر، تسبب سيلان خلايا البشرة و حدوث تعفنات، بالتالي سهولة اختراق الجراثيم للجسم، عن طريق الجلد و من بينها فيروس كورونا.
و أضاف المختص أن غالبية السوائل المستخدمة في هذه الممرات، مجهولة و هناك من يستعمل مواد أخطر كالجافيل و بعض المواد المطهرة ، و يتم اقتناؤها من أماكن مجهولة و غير مراقبة ، و تكون خطورة هذه المواد مضاعفة،  فإلى  جانب كونها مواد كميائية،  فإن عملية ضغطها و تحويلها إلى  بخار لرشها، يشكل خطرا حقيقيا ، لأنه يلتصق  بالجسم و يبقى فوقه لمدة طويلة ، إضافة إلى سهولة انتشاره في الهواء و انتقاله إلى مسافات أبعد، حيث يمكن استنشاقه أو التقاطه عن طريق البشرة.
 بالنسبة للعاملين في المستشفيات و المؤسسات التي استفادت من هذه الأروقة، هم أكثر عرضة لهذه المخاطر، و بخصوص منع استعمال هذه الممرات، أكد محدثنا أن الكثير من الأطباء نادوا بمنع استعمالها منذ البداية، أو إخضاعها لشروط دقيقة، من بينها معرفة طبيعة المواد المستخدمة.

الرجوع إلى الأعلى