تحوّلت مناطق «سيدي محفوظ، عقلة أحمد، المزارة، بتيتة»، بإقليم بلدية بئر العاتر بولاية تبسة، في السنوات الأخيرة، خلال فترة وجيزة، إلى مناطق منتجة لأجود أنواع الخضروات والفواكه المختلفة، محققة مكانة هامة على المستوى الولائي وباتت تنافس بها منتجات بعض الولايات في عقر دارها.
من صحراء قاحلة إلى جنة للفواكه و الخضراوات
كانت بلدية بئر العاتر تتميّز بزراعة القمح و الشعير و بعض المزروعات المعاشية لتلبية الحاجيات العائلية فقط و تربية الماشية و لم يكن أحد يتصوّر نجاح التجربة الزراعية في منطقة بدأت تغزوها الكثبان الرملية من كل جهة و تلفحها حرارة شمس حارقة صيفا و برودة شديدة شتاء وكان الجميع يجمع على أنها منطقة صحراوية قاحلة وأرضها غير صالحة للزراعة، غير أن سكان أرياف بئر العاتر، أثبتوا خطأ هذه المقولة و حوّلوا مساحات شاسعة من الأراضي الجرداء إلى واحات تنبض بالحياة و الاخضرار يذهلك مظهرها، بعد أن أصبحت اليوم بفضل إرادة لا تقهر حاضنة لمختلف أنواع المزروعات من حبوب، طماطم، فلفل، بصل، بازلاء، فول، بطيخ، مشمش و حتى الزيتون الذي تكيّف مع أرضها و مناخها الجاف، بات يعطي مردودا يضاهي ذلك القادم من الولايات الشمالية المختصة في إنتاجه، بل و أصبح يسوق بقوة في أغلب ولايات الوطن لجودته العالية.
في الطريق إلى منطقة « سيدي محفوظ» الفلاحية، انطلاقا من مدينة بئر العاتر، كنا نرسم صورا عنها في مخيلتنا، فقد سمعنا الكثير عن هذه المنطقة و عن التحدي الذي رفعه أبناؤها و استطاعوا تحقيقه في ظرف زمني قصير بفضل إرادة حولت أراض قاحلة جرداء إلى مروج و واحات تنبض اخضرارا مثلما تناهى إلى أسماعنا دون أن نراها بالعين المجردة و هو ما كان يحرك الرغبة فينا لزيارتها للبحث في أسباب نجاحها و تفوقها.
الطريق إلى فاكهة كعب الغزال أو ما يعرف بـ» بوطبقاية أو بوطبيقة»، يمر عبر المسالك الريفية الوعرة، المنتفخة أوداجها و الممتلئة حوافها و بها السواتر الترابية، ففي رحلتنا إلى منطقة سيدي محفوظ الحدودية بإقليم بلدية بئر العاتر بولاية تبسة و التي لا تبعد سوى ببضع كيلومترات عن الجارة الشرقية تونس، تشدك مناظر الجنان الخلابة المختلفة أكلها و يلقاك عبق مزارعها التي قارب عددها المائتين، تنتج ما لذّ و طاب من مختلف الفواكه و الخضر.
و في مزرعة الشاب “منير حامد”، هذا المستثمر الشاب، حيث تنتج مزرعته فاكهة كعب الغزال، هي نوع شبيه بفاكهة “ الخوخ” و تعتبر من أجود أنواع الفواكه و أطيبها بشكلها المتميز و حلاوة مذاقها الرائع و قد أثبت نجاعته وسط مزرعة الشاب “منير”.
مردود الهكتار يصل إلى قرابة 100 قنطار
محدثنا و هو يسرد لنا تجربته مع الفلاحة، تدرك أنه انطلق من حبه للأرض و تعلقه بها رغم يقينه أنه ليس من السهل أن تجسد ما في فكرك على أرض الواقع، في ظل إمكانات بسيطة ولكن إرادته الصلبة والفولاذية، مكنته من الانتصار على كل العوائق و العراقيل، فبعد أن كانت هذه الأراضي قاحلة، ميتة، عكف صاحبها بعد شرائها من  أحد الفلاحين في سنة 2016، على إعادة تهيئتها و استثمارها و بث فيها حكاية تجربة جديدة، إلى أن وصلت مردودية إنتاج ثمرة «البوطبقاية» إلى قرابة 100 قنطار في الهكتار الواحد، لتكون بذلك منافسا قويا و ربما بديلة لفواكه عرفت بها منطقة بئر العاتر.
هذه المردوية، لا تقل حسب المتحدث، عن مردودية بقية الأشجار الأخرى المتواجدة بالجهة، على غرار أشجار التين و الزيتون و الفستق و الرمان و فواكه أخرى و اللوز،  فضلا عن التين الشوكي الشتوي و ليس الصيفي (منتوج في الشتاء) و هو تونسي الأصل و يمتاز بجودة عالية.
و قد برهنت هذه الفاكهة على نجاحها و تربعها على عرش الفواكه بفضل مقاومتها للعوامل المناخية، سيما الرياح و هو ما يرغب فيه الفلاح من أجل الاستقرار في مزرعته و العمل على زيادة كميات الإنتاج و البحث عن أسواق لهذا المنتوج لتغطية المصاريف، خاصة و أنها تلقى رواجا كبيرا، بفضل أسعارها المغرية التي لا تتجاوز 150 دج للكلغ الواحد، بعد أن كانت تسوق بسعر 500 دج في السنوات الماضية، عندما كانت تهرب من تونس إلى الجزائر، لتظل فاكهة كعب الغزال منتوجا و تجربة جديدة، جاءت لتضاف إلى نجاحات الفلاح في جنوب الولاية، الذي يبرهن في كل مرة على تحدي الطبيعة و قساوتها، في انتظار الدعم الحقيقي الذي يشجع على الاستمرار في العطاء.
التسويق الرهان الصعب
لكن و رغم هذه الخيرات الحسان، يبقى الشاب منير حامد كغيره من  الفلاحين في هذه الأراضي المعطاءة، يعاني و ينتظر من المصالح المختصة في الولاية الالتفات إلى مشاكله لإيجاد حلول لها، فلا تكاد تجد مسلكا هيّنا ليّنا و لا ما يشبه الطريق هنا، ناهيك عن ضعف التيار الكهربائي لسقي الأشجار و غياب الدعم الفلاحي و صعوبة تسويق محاصيله خاصة الموسمية منها و نقص الأدوية و نقص الخبراء و المرشدين الفلاحيين و لعل الأشد مرارة في نفسه، ما يجده من صعوبة في تسويق الخوخ بوطبقاية(كعب الغزال) على أساس أنه منتوج تونسي، بينما هو منتوج جزائري 100 بالمائة.
و نحن نغادر المزرعة، خرجنا بانطباع واحد، هو أننا وجدنا نوعا من الإرادة القوية و الرغبة في تحدي المستحيل لدى هذا الشاب و رجال المنطقة، كل واحد يحاول أن يقوم بالتجربة و لا يهمه إن فشل، لأنه سيعيد الكرة لا محالة إلى غاية أن ينجح و يتفوق، فالسالب إذا ما اجتمع بالسالب يعطي الموجب و هي قاعدة رياضية يحبها الشاب منير و أمثاله.
و مثل هذه المشاريع، تحتاج إلى تشجيع و تحفيز لدفع الشباب الذين يستغلون قطعا أرضية إلى منافسة الشاب منير الذي نجح في الاستصلاح و حصل على خبرة ميدانية معتبرة في زراعة الأشجار المثمرة التي تعتبر من الزراعات الإستراتيجية.
ربورتاج: عبد العزيز نصيب

الرجوع إلى الأعلى