انتشرت في الفترة الأخيرة عبر عدد من بلديات قسنطينة، محلات و شقق يستغلها أساتذة في تقديم دروس دعم مكثفة، تحت تسمية «المراجعة العامة» لطلبة البكالوريا في جميع المواد، و ذلك مقابل مبالغ تصل حتى  1000 دج للساعة الواحدة، مستحدثين ما يشبه مدارس خاصة، لكن ضمن إطار مختلف و مبهم، يفتقر للتنظيم و للظروف الصحية المناسبة، إذ ينشط الأغلبية بناء على تراخيص تمنح  للجمعيات الثقافية و التربوية، مستغلين ظاهرة تسرب التلاميذ
من المدارس خلال الفصل النهائي، و تأثرهم بموضة المراجعة الجماعية أو المراجعة العامة.
مدير التجارة بولاية قسنطينة عزوز قوميدة، أوضح بأن هذه الأقسام ليست مسجلة كمدارس خاصة، أي أنها رغم طابعها التعليمي الربحي، فأغلب ملاكها يحصلون على تراخيصهم إما من مصالح السجل التجاري في إطار ممارسة نشاط تجاري، ضمن إطار تحدده القوانين والتصنيفات،  أو يرخص لهم بالنشاط من قبل مديرية النشاط الاجتماعي أو مصلحة التنظيم و الشؤون العامة، وذلك كجمعيات ثقافية تربوية، يندرج جانب المراجعة و تقديم دروس الدعم ضمن قانونها الداخلي، علما أن هذا النوع من الأنشطة يتوجب أن يكون مجانيا عادة.
من مجموعات فايسبوكية إلى أقسام  داخل مرائب و شقق
فكرة المراجعة الجماعية عن طريق التلقين، أو حل التمارين المشتركة، كانت قد بدأت قبل سنتين على مواقع التواصل الاجتماعي، و بالأخص فايسبوك أين استحدث أساتذة بأسمائهم و صورهم مجموعات افتراضية، تضم في مجملها ما يزيد عن  3 آلاف متابع جلهم تلاميذ، لكنها مع ذلك انتشرت بقوة بعد تبعات فيروس كورونا و فرض الحجر المنزلي الصحي، و الإرباك الذي رافق ذلك، وهو ما شجع هؤلاء الأساتذة على الانتقال للعمل ميدانيا و فتح ما يشبه مدارس خاصة لاستقطاب الراغبين في الحصول على دروس مباشرة.
إن ظاهرة الدروس الخصوصية قديمة، إلا أن أقسام المراجعة الجماعية تعد جديدة نوعا ما، على اعتبار أنها موازية لأقسام الثانويات، تقدم فيها دروس مكثفة صباحا و مساء، خلال مواقيت الدوام الرسمي للتلاميذ في جميع المواد، تجمع ثمانية متمدرسين دفعة واحدة و تحدد تكلفة خدماتها، حسب عدد الساعات و طبيعة المادة المدرسة، وهو تحديدا ما دفع بالكثير من المقبلين على اجتياز شهادة الباكالوريا إلى مغادرة الثانويات مع بداية الثلاثي الأخير من الموسم الدراسي للالتحاق بها، حيث يؤكد أساتذة في مختلف المواد بأن العديد من تلاميذهم غادروا المدارس مبكرا جدا هذه السنة، خصوصا مع تزايد عدد الأقسام الموازية التي تنتشر في كل البلديات و بالأخص بعلي منجلي.
8 آلاف دج للمادة و ألف دج تكلفة المراجعة الفردية
حسب أستاذة اللغة الإنجليزية صليحة نعيجة، هناك تلاميذ فضلوا عدم اجتياز البكالوريا البيضاء بصفة عادية، و اكتفوا بالحصول على الاختبارات الورقية لحلها لاحقا مع الأستاذ المراجع، مضيفة أن هذا النوع من المراجعة يشتت ذهن المراهق و لا يقدم له الكثير، خصوصا وأنه يحتكم كذلك لحجم ساعي محدد يزيد بزيادة قدرة التلميذ على تحمل الأعباء المالية و يقل بالعودة إلى ذلك أيضا، فتكلفة ساعات المراجعة للمادة الواحدة قد تصل إلى 8 آلاف دج ، فالأمر لا يتعلق ،  حسبها، بدروس مكثفة و تمارين تطبيقية في كثير من الأحيان، بقدر ما يشمل التحفيظ و إعداد مقالات بسيطة في مواد مثل اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، وهو ما يعود التلميذ على الاتكالية و يضعف قدرته على الاعتماد على النفس واستغلال طاقته و ذكائه في الفهم والمبادرة.
 محدثتنا أضافت ،  بأنها حاولت التحري عن هذا النشاط من زملاء لها مهتمين بالموضوع، و اتضح بأنها عملية يشرف عليها أساتذة أغلبهم عينوا حديثا بمدارس خاصة، وهي عينة منتشرة جدا،  كما قالت، مضيفة بأن هنالك أيضا من استغلوا فرصة المراجعة لأبنائهم المقبلين على اجتياز الشهادة، لتعميم الأمر على زملائهم، مقابل مبالغ  تحدد حسب الحجم الساعي المتفق عليه.
و أكدت الأستاذة نعيجة بأن هناك من حولوا سكنات اجتماعية، إلى أقسام مراجعة، كما أن هناك ملاك مدارس من هذا النوع، إن صح الوصف، يطوفون بالمؤسسات التعليمية للاتفاق مع الأساتذة على تقديم دروس مراجعة جماعية أو فردية للتلاميذ، و ذلك مقابل نسبة معينة من الأرباح.
هجرة جماعية من الثانويات بحثا عن التطبيق
خلال جولة بالتوسعتين الحضريتين عين سمارة و علي منجلي، لاحظنا إقبالا قياسيا للتلاميذ على المراجعة الجماعية بعدد من المدارس المنتشرة هناك بشكل كبير، ولدى سؤالنا لهم عن الأمر، أكدوا بأنها طريقة أنجع و أفضل بعيدا عن ضغط الثانويات و ضيق الوقت المرتبط بالأحجام الساعية اليومية، فأقسام المراجعة تسمح لهم، كما قالوا، بتركيز الجهد والوقت على المواد الأساسية لتقوية نقاط ضعفهم، إضافة إلى أن المدرسين الذين يشرفون عليها، يعتمدون أكثر على الجانب التطبيقي و حل التمارين و النماذج القريبة للنموذج المتوقع خلال البكالوريا، خلافا للأقسام العادية أين تكون الدراسة مفتوحة و يأخذ الجانب النظري حصة الأسد من الوقت و المنهاج.
قصدنا أستاذة تقدم مراجعة عامة جماعية و فردية في مادتي الفيزياء و الرياضيات، و سألناها عن طبيعة نشاطها، فأوضحت بأنها تملك ترخيصا للعمل من مصالح السجل التجاري، و أنها تقسم المراجعة إلى عدة ساعات، حسب قدرة التلميذ على تحمل التكلفة، فالمراجعة الجماعية في المادة الواحدة لثمانية تلاميذ خلال ثماني ساعات، تكلف مبلغ 3000دج للتلميذ، أما المراجعة الفردية لذات المادة فتكلف 1000دج للساعة الواحدة، و يتعلق الأمر بمراجعة الدروس نظريا و إعداد الملخصات و حل التمارين.
 وبهذا الشأن أوضح مفتش التربية لمادة الانجليزية موسى بن تواتي، بأن هجرة التلاميذ من المؤسسات التعليمية نحو أقسام المراجعة الجماعية، باتت موضة رائجة بين هؤلاء التلاميذ المراهقين، و السبب في ذلك، حسبه، راجع إلى تركيز من يشرفون عليها على الجانب التطبيقي على حساب النظري الذي يطغى عموما على البرامج البيداغوجية، مضيفا أنها مراجعة لا تقدم الشيء الكثير للتلميذ، لأن المتابعة الجيدة في القسم و الاعتماد على النفس و على ما هو متوفر من حلول و نماذج اختبارات سابقة على الإنترنت و قناة التعليم و في الكتب الخارجية كاف جدا للتفوق، محملا الأولياء مسؤولية الانصياع لرغبات أبنائهم بسبب هوسهم بالنجاح و بالنتائج و تساءل عن السبب الذي يدفعهم بالسماح لهم بمغادرة مقاعد الدراسة المجانية، من أجل دفع تكلفة دروس إضافية ستشتت تفكيرهم، خصوصا إذا علمنا أن بعض التلاميذ يراجعون أكثر من مادة عند أكثر من أستاذ واحد، أو على الأقل مادة واحدة عند أستاذين اثنين، كما تطرق المفتش أيضا إلى ظروف الدراسة في هذه المرائب و المحلات التجارية، و ضعف تهيئتها و غياب التكييف و عدم احترام الشروط الصحية، رغم انتشار الفيروس.
«دروس فرضها ضغط المنهاج و ضيق الحجم الساعي»
من جانبها أكدت رتيبة بودلال، أستاذة الرياضيات و ناظرة بإحدى ثانويات بولاية جيجل، بأنه بعيدا عن الجانب التجاري أو الربحي لهذا النوع من المراجعة، فإن لها جوانب إيجابية لا يمكن إغفالها، و ذلك لأنها دروس فرضها ضغط المنهاج الدراسي و ضيق الحجم الساعي لمراجعة و حل تمارين المواد التعليمية في المؤسسات التربوية، فالنتائج تتحقق بناء على مستوى الأستاذ و مدى تحليه  بالضمير المهني و استعداده للتحضير الجيد لإفادة التلاميذ الذين يبقون بحاجة إلى تركيز أكثر خلال المرحلة التي تسبق الامتحانات المصيرية،  لذلك يهجر التلميذ أستاذه في الثانوية، لكنه يقبل على دروسه الخصوصية خارج الدوام الرسمي، لأنه في الحقيقة لا يرفض الأستاذ، بل يبحث عن ظروف أفضل للدراسة و المراجعة المفصلة.
و أضافت بأن تطور التكنولوجيات و تغير الذهنيات يدفعان بالأولياء إلى تسليح أبنائهم  بكل الوسائل التعليمية للتفوق، علما أن ما يقدمه بعض الأساتذة يلقى أصداء جد حسنة في أوساط الأولياء، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها ، خصوصا و أن هناك أساتذة يعملون بجدية، مقابل تكلفة مادية معقولة، مع ذلك فإن هذا لا ينفي، حسبها، وجود آخرين يولون أهمية أكبر للجانب الربحي على حساب المستوى، و لا يوفرون أدنى الظروف للدراسة في أماكن تفتقر للتهوية و للإضاءة.
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى