تواجه الجزائر منذ نهاية 2020، هجمات سيبرانية متكررة  يقف خلفها قراصنة أغلبهم من المغرب و إسرائيل، حاولوا طيلة الفترة الماضية اختراق و قرصنة مواقع و حسابات مؤسسات إستراتيجية، كما تخوض بلادنا معركة ثانية على جبهتي الإعلام  الإلكتروني الموجه، الذي يمارس التضليل والمنصات التفاعلية، أين تمارس الدعاية المغرضة كشكل من أشكال التعبئة في محاولة لإضعاف هيبة الدولة عن طريق تكريس خطابات الكراهية و التفرقة، ناهيك عن تمييع صورة  بعض الأجهزة و المؤسسات عبر توظيف السخرية التي تبدو في ظاهرها مجرد ممارسة صبيانية أو جلدا للذات، لكنها في الحقيقة عمليات ممنهجة تندرج في إطار الحرب النفسية.

هدى طابي
حسب مختصين في الأمن السيبراني و الإعلام، فإن الفضاء الرقمي هو الواجهة الحديثة للحروب التي يجند فيها الذباب الإلكتروني، لاستهداف الجزائر و مؤسساتها، داعين لضرورة الوعي بالخلفيات الحقيقية للمحتوى الفايسبوكي المفخخ واسع الانتشار.
من الأمثلة التي يمكن الاستدلال بها في هذا الصدد، نذكر البيان الصادر قبل مدة، عن وزارة الطاقة  و الذي تضمن دعوة لتفادي الولوج للموقع الإلكتروني للمؤسسة الحكومية لأنه تعرض للقرصنة، من جهة ثانية، فإن رحى حرب التعليقات الفايسبوكية لا يهدأ أبدا، ذلك على اعتبار أنها معارك من نوع آخر، يقف خلفها ذباب إلكتروني، ينشط بقوة خلال المحطات و الأحداث المهمة كالانتخابات و الحرائق الأخيرة مثلا.
و يستهدف الجمهور الواسع عن طريق مضاعفة عدد الحسابات الوهمية واستهداف الصفحات الكبرى كثيرة المتابعة، مثل صفحات الجرائد والقنوات على فايسبوك، و صفحات المشاهير من الإعلاميين و الفنانين على تويتر أو إنستغرام، أين يتم الترويج لخطاب معين بخلفيات سلبية، أبرزها إضعاف المعنويات و توظيف بعض الأحداث ضمن قالب ساخر، يسيء ضمنيا لهيبة الدولة و يشوش على مؤسساتها،عبر اجترار نفس الفكرة في عدد لا يحصى من التعليقات.
يذكر أيضا، بأن الهاشتاغ، يلعب دورا كبيرا في حرب الدعاية ضد الجزائر  خصوصا في الفترة الأخيرة التي أعقبت قرار قطع العلاقات مع المغرب، إذ تم تداولها بشكل مكثف على موقع تويتر، المنصة الأكثر رسمية و استقطابا للمثقفين و السياسيين، الإعلاميين و الهيئات، وقد بينت عملية تتبع بأن المغرب هو مصدر عدد معتبر من الهاشتاغات التي تحمل اسم الجزائر، ويتداول عبرها محتوى مغرض.
تهديدات واقعية
كان وزير الاتصال، الناطق الرسمي للحكومة عمار بلحيمر، قد حذر مطلع السنة الجارية، من مخاطر الحرب الإلكترونية التي تستهدف الجزائر وتقودها جهات أجنبية، مؤكدا بأنها «ليست نسجا من الخيال ولا اجترارا لما يعرف بالعدو الخارجي» و أضاف بأن «جميع الدول تتمتع اليوم بعقيدة رسمية خاصة بالمحاربة الإلكترونية الرسمية، تهدف إلى تأطير النشاطات التي يتم اتخاذها في الفضاء السيبراني قصد التأثير على الأنظمة المعادية و المساس بوفرة أو سرية المعطيات»، موضحا في تصريح للصحافة الوطنية، بأن العمليات السرية في الفضاء السيبراني تتعلق بـ   « الجوسسة و التخريب و كذا التدمير عن طريق الدعاية و المعلومات المغرضة، بقصد تقويض أسس السلطة من خلال مهاجمتها و تشويه سمعتها في مجال القيم وتجريدها من الشرعية».
من جانبه،  أكد رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق السعيد شنقريحة في وقت سابق من السنة، بأن مواقع و تطبيقات التواصل الاجتماعي تشكل «ملاذا آمنا لشبكات إجرامية منظمة،معروفة بحقدها وكراهيتها للدولة الجزائرية»، معلنا أن الهيئات المختصة نجحت في إحباط كل الهجمات والمؤامرات عبر الفضاء السيبراني، وأوضح أن الجزائر «عرفت العديد من الهجمات السبرانية، التي استهدفت مواقع حكومية،و أخرى تابعة لمؤسسات اقتصادية وحيوية إستراتيجية، وازدادت هذه الهجمات حدة وكثافة، في الآونة الأخيرة، مع خروج بلادنا من أزمتها ودخولها مرحلة جديدة.
كما  شدد الفريق شنقريحة على أن «مهمة حماية وتأمين والدفاع عن فضائنا السيبراني، هي مسؤولية جماعية، يتعين أن ينخرط فيها الجميع، بداية من المواطن، فضلا عن دور المختصين في هذا المجال،عبر المساهمة بخبراتهم وآرائهم في إنجاح الإستراتيجية الوطنية، وصولا إلى المسؤولين على كل المستويات.

- كريم آيت طالب مختص في المعلوماتية و تأمين المواقع: نظام «فاير وول» يحمي مواقعنا و توطينها سيسد كل ثغرات الإنترنت

 


  أوضح الخبير في المعلوماتية وتأمين المواقع كريم آيت طالب، بهذا الخصوص أن الجزائر عرفت فعليا زيادة في وتيرة  الهجمات السيبرانية منذ نهاية السنة الماضية، ورغم التراجع النسبي الذي ميز الفترة ما بعد شهر مارس المنصرم، إلا أن الاعتداءات عادت للتزايد مع بداية جويلية من السنة الجارية، لكنها في العموم هجمات دون تأثير فعلي و فاشلة، كما قال، و لم تنجح في اختراق أي موقع حساس، و لم تتمكن من استغلال أو سرقة أية بيانات أو معلومات، سواء تعلق الأمر بالمؤسسات الحكومية، مثل الوزارات أو المنشآت  الحيوية، مثل البنوك وغيرها، مضيفا بأن تأثيرها محدود جدا و لا يتعدى التشويش و الاستعراض الوهمي للقوة، عبر ترك ملاحظة تفيد بأن الموقع انتهك من قبل قراصنة مغاربة أو غير ذلك، لكنها  تبقى هجمات ضعيفة، كما قال،  لا تمس حقيقة الأمن السيبراني للبنوك أو الأنظمة المعلوماتية للمؤسسات، و أقصى نتائجها تعليق عمل الموقع.
 المتحدث أضاف، بأن الدولة وفرت كل الوسائل التقنية مع تحكم جيد في الوضع، حيث أصدرت تعليمات صارمة للوزارات و مؤسسات الدولة و أجهزة الداخلية  و الشركات العمومية الاقتصادية و الحيوية، لتأمين كل المواقع الإلكترونية عبر توطينها ضمن نطاق دي ـ زاد، وذلك كأولوية أمنية، خصوصا و أن الدولة سبق أن أوجدت نظام حماية « فاير وول»،  ليسد كل الثغرات التي قد تتيح اختراق الإنترنت الجزائرية، وهو نظام أمني تشرف عليه شركة الاتصالات الوطنية.
وفي ما يتعلق بتأمين الصفحات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، قال المتحدث، بأن الأمر يختلف، لأن العملية تخص المؤسسات المالكة والمسيرة للمنصات، ولذلك فإن صلاحيات التدخل تنتهي عند حد الحيطة ومراقبة محتوى الصفحات و تحيين كلمات السر دوريا ، في إطار ما يعرف بالممارسات الجيدة، لمواجهة محاولات القرصنة من جهة وتجنب استغلال الصفحة لنشر الأخبار و المعلومات الكاذبة، التي تتداول بكثرة كذلك على الصفحات الممولة من الخارج و التي تشكل بيئة نشاط مناسبة للذباب الإلكتروني لاستهداف الرأي العام، عن طريق نشر المحتوى المغرض و الإشاعة.
الخبير أكد، بأنه يستحيل تقديم إحصائيات حقيقية تخص عدد الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها الجزائر في ظرف سنة واحدة، لأن الأمر يتعلق بمعلومات سرية  و أمنية تتحفظ عليها المؤسسات.

- المختص في الأمن السيبراني كريم خلوياتي: الحرب النفسية و التحريض على العصيان خلفيات لأي هجوم سيبراني


أكد الخبير في الأمن السيبراني كريم خلوياتي، بأن غالبية الهجمات التي تتعرض لها الجزائر، مصدرها المغرب وإسرائيل، وهي، كما قال، بيدق في حرب نفسية تستهدف الدولة و ترمي لإضعاف هيبتها و المساس بمؤسساتها، ناهيك عن السعي لتجميع المعلومات عبر اختراق المواقع و الحسابات الرسمية و استخدام تقنيات الجوسسة، على غرار  فضيحة نظام « بيغاسوس» الأخيرة، موضحا بأن الجزائر بمختلف أجهزتها ومؤسساتها، لا تزال صامدة بفضل قوة البنى التحتية و التحصين العالي للهيئات السيادية و الأنظمة الحساسة، حيث نفى إمكانية سرقة أي معلومات مهمة أو حساسة من أية مؤسسة، و استحالة اختراق أية هيئة سيادية من طرف القراصنة أو حتى البرمجيات، مهما بلغت درجة تطورها، لأن مؤسساتنا لا تعتمد، كما أوضح، على النظم سهلة الاختراق لحفظ مثل هذا المحتوى، كاشفا بأن الجزائر كانت على علم بقضية بيغاسوس منذ 2016.
الخبير، شدد على ضرورة  الوعي بخطر مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا بأنها تكنولوجيا تستخدمها أجهزة استخباراتية أجنبية، لإضعاف معنويات الشعوب في  إطار ما يعرف بالعمليات النفسية، التي تستهدف الأفراد ومن ثم الجماعات وتقوم على استغلال السخرية كأداة هجوم، حيث توظف للإضرار بمصداقية المؤسسات و الأجهزة السيادية والأمنية و الحيوية، و تشويه صورتها، كي تفقد المؤسسة أو الهيئة هيبتها و احترام المواطن لدورها ووظيفتها، وهي المرحلة الأولى من الهجوم ويعتمد فيها عموما على صفحات ممولة و حسابات وهمية يديرها ذباب إلكتروني، يمارس الدعاية المغرضة و التضليل،  قصد التحكم في الجماعات، تمهيدا للمرحلة الثانية، التي تخص التحريض على العصيان المدني، الذي يتطلب تدخلا عسكريا، ستفرز تبعاته تدخل الأمم المتحدة و منظمات حقوق الإنسان و مراسلون بلا حدود و غيرها من الهيئات، التي ستثير ضجة إعلامية حول قمع الأفراد والحريات و غيرها من آليات الدعاية المغرضة، التي تتخذ كذريعة لفرض حصار على الدولة و تسمح للقوات الخارجية بالتدخل، كما حصل من قبل في لبنان و العراق و ليبيا.
مع ذلك أكد مسير مؤسسة « كو تيو» للأمن المعلوماتي، بأن معظم الهجمات التي يشنها القراصنة على المؤسسات الجزائرية، لا تتعدى إثارة البلبلة دون تأثير يذكر، مشددا على ضرورة الإدراك بأن الحرب الإلكترونية هي حرب الجيل الرابع و يجب علينا أن نضبط كل  مقوماتنا و أن نحصن كل مؤسساتنا بما يسمح لنا بمواجهة الواقع، بما في ذلك تطوير التقنيات و برمجيات الحماية، ناهيك عن استغلال الكفاءات الوطنية في هذا المجال، خصوصا وأن الهاكرز الجزائريين معروفون بقوتهم في هذا المجال وعلى مستوى عالمي.
من جهة ثانية حذر كريم خلوياتي، من محتوى مواقع التواصل الاجتماعي من خطر الـ«فيك نيوز»، مستشهدا في ذلك بالخطأ الذي وقعت فيه  « بي بي سي » و هي أكبر مؤسسة إعلامية في العالم، في قضية تساقط الثلوج بمدينة المسيلة، مؤكدا بأن شركات التواصل الاجتماعي على اختلافها، ليست حيادية و تعمل لصالح جهات، هدفها زعزعة استقرار الجزائر، من خلال تكريس المحتوى الكاذب والتحريضي.

- طارق حفيظ صحفي: الدعاية تشمل المواقع الإخبارية الإلكترونية و مواقع التواصل

حسب الصحفي طارق حفيظ، فإن الجزائر تواجه حربا إلكترونية إعلامية خطيرة، بدليل أن نسبة كبيرة من الأخبار الكاذبة التي يتعرض لها الجزائريون يوميا، مصدرها جهات أجنبية، مشيرا إلى وجود آلة دعاية مغربية متخصصة في نشر الأخبار الكاذبة عن الجزائر و ممارسة الدعاية المغرضة، على غرار «هيرسبس» التي تعد الجناح الإعلامي لجهاز الاستخبارات المغربي.
و قال الصحفي الناشط سابقا في مجال الصحافة الإلكترونية، بأن آليات الدعاية تغيرت و تطورت بتطور التكنولوجيا و أن المواقع الإلكترونية الإخبارية الموجهة، أصبحت طرفا في هذه المعادلة، كونها تعد منتجا رئيسيا للـ«فيك نيوز»، موضحا بأن توجه الجزائر نحو حجب  هذه المواقع و منع الولوج إليها، ليس حلا كافيا، لأن الضرورة تتطلب تطوير البديل محليا من خلال دفع عجلة الصحافة الإلكترونية والإعلام عموما، وقال المتحدث، بأن السلطات الجزائرية يجب أن تنتبه إلى أهمية مواقع التواصل ككل، بما في ذلك  منصة إنستغرام، التي ينشط من خلالها و بقوة موقع « أصوات مغاربية» ، وهو موقع لم تع الحكومة و السلطات عموما أهميته وتأثيره الواسع على الشباب.
هذه الجهة الإعلامية المحسوبة على الإدارة الأميركية، بوصفها جزءا من إدارة تحرير قناة «الحرة»، تقدم محتوى يركز في غالبيته على إجراء مقارنات صريحة بين الجزائر و المغرب في مختلف مجالات الحياة، وهو محتوى موجه بطريقة ضمنية، على اعتبار أن حضور الصحفيين المغاربة في هذه المؤسسة الإعلامية يطغى بشكل كبير على التواجد الجزائري، و بالتالي فإن الأمر يحيلنا ، كما قال طارق حفيظ، للحديث عن حضور الإعلاميين الجزائريين في الإعلام الخارجي و ما لذلك من تأثير. و أضاف بأن علاقة أصوات مغاربية بالسياسة المغربية، تنعكس من خلال اختيار العثماني لهذه المنصة، كوسيلة لإبراز أول رد فعل  عن قرار الجزائر بقطع العلاقات مع المخزن، فالجزائر،  كما أكد، في مواجهة يومية مع هذا النوع من الهجومات ذات الغطاء الإعلامي وهي ليست ممارسة جديدة، إذ سبق لقناة إذاعية مغربية، أن مارست الدعاية المغرضة ضد الجزائر خلال الأزمة الأمنية.
و قال الصحفي، بأن التكنولوجيا و تحديدا مواقع التواصل، أصبحت سلاحا مهما في حروب العالم الجديد،  وقد لاحظنا ذلك خلال محطات مهمة أبرزها الانتخابات الأميركية،  لذلك توجب على المؤسسات والهيئات الرسمية الجزائرية أن تعي ضرورة تقوية حضورها في هذا الفضاء  الافتراضي ، خصوصا في ظل الاستغلال الواضح لبعض المنظمات، مثل رشاد و الماك، بدليل سرعة و كثافة المحتوى التحريضي الذي ينشر لهما عبر المنصات، ناهيك عن استغلالها كأدوات اتصال و أبواق فتنة .
على صعيد متصل، تطرق الصحفي، إلى جانب تأمين المواقع الرسمية للمؤسسات والهيئات الوزارية، و قال بأن العملية يجب أن تجسد إرادة حقيقية للتغيير، خصوصا و أننا لا نزال متأخرين في مجال توظيف الكفاءات الجزائرية في هذا المجال، بدليل الجدل الذي أثاره قرار وزارة الصحة بالاعتماد على وكالة فرنسية ، لإنشاء موقع إلكتروني خاص بأحد المشاريع الصحية الإستراتيجية الهامة، ذاكرا بأن للأمر علاقة بتأمين المعلومات والبيانات وهي ضرورة تستدعي الاعتماد على الخبرة المحلية و توطين المواقع في الداخل.

الرجوع إلى الأعلى