عادت الدبلوماسية الجزائرية  في الآونة الأخيرة لتلقي بثقلها بقوة من أجل إيجاد الحلول للعديد من الأزمات العالقة في المنطقة وفي الفضاء الإفريقي والعربي ، على غرار الأزمة الليبية والملف المالي وغيرها ، وفي هذا الإطار يرى متتبعون ومحللون، أن  الجزائر قادرة على حل الملفات الشائكة ، بحكم البعد التاريخي و الجيوستراتيجي و السياسي و الاقتصادي وبعد القوة العسكرية  وباعتبارها طرفا نزيها في مختلف الملفات و لها إرث تاريخي و خبرة في مجال الوساطات.
تحركت الدبلوماسية الجزائرية مؤخرا في إطار السعي والتعجيل بإيجاد حلول للعديد من الأزمات التي تعيشها بعض الدول في الجوار ومنها مالي وليبيا، وفي هذا الإطار كان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة قد قام  بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون،  بزيارة عمل إلى جمهورية مالي ، حيث تندرج هذه الزيارة في إطار الجهود المشتركة للبلدين الرامية إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية الثنائية وإعطاء زخم جديد لعملية السلام والمصالحة في مالي.
وإلى جانب الملف المالي الذي توليه الجزائر أهمية كبيرة بالنظر إلى التداعيات  الناجمة عن عدم الاستقرار في هذا البلد، يبرز عمل الدبلوماسية الجزائرية أيضا في هذه المرحلة على صعيد الملف الليبي،  وفي هذا الصدد ، كان رمطان لعمامرة قد أكد  مؤخرا ، على ضرورة أن تجتمع دول جوار ليبيا من أجل مساعدة الليبيين على استكمال المسار السياسي للمصالحة الوطنية الذي تشرف عليه منظمة الأمم المتحدة، موضحا خلال ندوة صحفية، ردا على سؤال حول الاجتماع الوزاري لدول جوار ليبيا المزمع عقده بالجزائر، أنه «من الضروري أن تجتمع دول الجوار من أجل مساعدة الليبيين على استكمال المسار السياسي للمصالحة الوطنية».
كما جدد رئيس الدبلوماسية الجزائرية،  التأكيد على أن «تسوية الأزمة الليبية يجب أن تتم من قبل الليبيين» ، مشيرا إلى ضرورة «وضع حد للتدخلات الخارجية و تدفق الأسلحة و خروج المقاتلين الأجانب و المرتزقة».
 و تأتي التحركات  الدبلوماسية للجزائر على أكثر من صعيد لتؤكد على الدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به الجزائر لحلحلة مختلف المشاكل المطروحة على الصعيد الإقليمي والدولي وفي هذا الإطار،  أبرز المحلل السياسي ، الدكتور فاتح خننو ، عودة الدبلوماسية الجزائرية إلى ما يسمى بتحريك الملفات، مشيرا إلى أن الدبلوماسية الجزائرية في فترة سابقة ركدت نوعا ما، لكن مع تولي السيد عبد المجيد تبون لرئاسة الجمهورية، أعاد التركيز على القضايا ذات الارتباط مباشرة بالمصالح العليا للجزائر ومن بينها ملف مالي وليبيا والصحراء الغربية والقضية الفلسطينية والعمق الإفريقي وغيرها.
الجزائر عادت لتلعب أدوارها المنوطة بها في المنطقة
 و أوضح الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية  الدكتور فاتح خننو في تصريح للنصر، أمس،  أن الجزائر عادت لتلعب أدوارها المنوطة بها في المنطقة ، مضيفا أن الجزائر هي الدولة المحورية والإقليمية في منطقة الفضاء المغاربي والإفريقي وهي بوابة حقيقية نحو إفريقيا ، وبالتالي هناك إعادة تنشيط الدبلوماسية الجزائرية، لأن تصبح دبلوماسية نشطة،  بعدما عرفت الجزائر استقرارا سياسيا ومؤسساتيا، وبعدما عرفت رؤية جديدة لتفعيل القضايا ذات الاهتمام المرتبط بالمصالح العليا للجزائر .
 وأضاف في السياق ذاته ، أن الجزائر عادت إلى ممارسة دبلوماسيتها الطبيعية ، حيث أن الجزائر في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات أيضا،  كانت مدرسة في مجال الدبلوماسية ، سواء في الوساطة والمفاوضات  والتعاون جنوب -جنوب أو الدور الفاعل على مستوى الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية .
وأكد المحلل السياسي، أن الدبلوماسية الجزائرية الآن هي تقتحم الإشكاليات الكبرى المحيطة بها وتحاول أن تكون فاعلا أساسيا ومحوريا، خاصة في القضايا المرتبطة بالاتحاد الإفريقي و الجبهة العربية والقضية الصحراوية والقضية الفلسطينية والعمق الإفريقي وربط شبكة علاقات واسعة مع تونس و نيجيريا ومع دول عربية مثل مصر والسعودية وغيرها ، مبرزا في هذا الإطار، أن هناك عودة لافتة وقوية للدبلوماسية الجزائرية التي تحولت من دبلوماسية نشطة ومحركة للملفات إلى دبلوماسية هجومية تشتبك وتقتحم كل المشكلات المرتبطة بالفضاء الإقليمي المرتبط بالمصالح العليا والأمن القومي للجزائر ، دون التدخل في الشأن الداخلي للدول،  وهذا واضح جلي فيما تقوم به الجزائر حاليا .
وأوضح أنه بحكم البعد التاريخي والبعد الجيوستراتيحي والبعد السياسي والبعد الاقتصادي وبعد القوة العسكرية التي تملكها الجزائر، تستطيع أن تدخل وتقتحم كل الملفات الشائكة المرتبطة بالمنطقة ، وإحياء مبدأ الوساطة  التي اشتغلت عليه الدبلوماسية في الستينيات والسبعينيات،  حيث توجد الجزائر في ملف سد النهضة وهذا مؤشر كبير على العودة الجزائرية القوية.
 وأضاف أن الجزائر تحتفظ بقدر كبير من التوازن والشراكات مع القوى الكبرى والإقليمية، مثل روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيران وتركيا وغيرها.
واكد المحلل السياسي، أن الجزائر لها القدرة  أن تحل كل الملفات، لأن لها إرث تاريخي ولها خبرة في مجال الوساطات وينظر للجزائر على أنها طرف نزيه في كل الملفات ،  و الجزائر هي الدولة الوحيدة التي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول وترفض أن يتدخل أحد في شؤونها الداخلية،  مؤكدا في هذا السياق، أن الجزائر مدرسة عريقة في الدبلوماسية ولها باع طويل في الوساطات  وهي اليوم رجعت لتلعب دورها الطبيعي القوي في المنطقة وهذا ما نلحظه في الواقع حيث أصبحت مزارا للكثير من الدول  وأيضا الاتصالات اليومية والتنسيق والتشاور مع الدول الصديقة والشقيقة  .  
ومن جانبه ، أشار المحلل السياسي الدكتور علي ربيج في تصريح للنصر، أمس،  إلى  عودة الدبلوماسية الجزائرية نتيجة لمجموعة من الأحداث والمتغيرات ،  ومنها الاستقرار الداخلي، مضيفا أن الدبلوماسية الجزائرية بإمكانها أن تعتمد الآن على هذا الاستقرار الاجتماعي وحتى السياسي وعودة الروح التضامنية ، خاصة فيما يتعلق بالتحرشات التي جاءت من قبل المغرب، مشيرا إلى أن الدبلوماسية الجزائرية تلمست نوعا من المساندة الشعبية والحزبية ، حيث لاحظنا شبه تطابق بين  الرسمي الدبلوماسي وبين المؤسسات غير الرسمية ، الأحزاب السياسية والمجتمع المدني.
ومن جهة أخرى، أشار المحلل السياسي، إلى أن الأوضاع الداخلية  في ليبيا و مالي نضجت في الاتجاه الذي  يمكن أن  ينجح  مسار إعلان الجزائر في مالي،  كما يلاحظ اليوم أيضا  عودة الليبيين إلى الرؤية والمقاربة الجزائرية للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية،  لافتا إلى أن الدور الفرنسي  في مالي مرفوض بسبب الإخفاقات التي تسببت فيها إدارة فرنسا للأزمة المالية  والتي تسببت في مرحلة  الفوضى وحالة الصراعات بين الماليين، مضيفا أن عودة الماليين للتعويل على  إعلان الجزائر ، هذا دليل على العودة الى العقل والتبصر .
  يجب أن تكون  المرافقة بين الاقتصاد والدبلوماسية
ومن جانبه ، أكد الخبير في الاقتصاد و العلاقات الدولية والدبلوماسية،  فريد بن يحيى في تصريح للنصر ، أمس،  على أهمية وجود تدخل دبلوماسي رفيع المستوى لحماية حدودنا وحل مشاكل جيراننا .
 وأوضح بخصوص الملف المالي، أن هناك دول كبرى لا تريد أن يطبق  اتفاق الجزائر، لأن لها مصالح  أخرى .
و من جانب آخر اعتبر أن الجزائر اعتمدت بالنسبة لمنطقة الساحل على  الحلول السياسية  والتي لا تكفي حسبه، لذلك يجب اللجوء إلى حلول اقتصادية  ووضع  استراتيجية اقتصادية و القيام بالاستثمارات في الجنوب الكبير  والتي تعود بالفائدة على دول الساحل .
 وقال في هذا الصدد، إنه آن الأوان أن تلعب الدبلوماسية الدور الاقتصادي، مبرزا أن هناك عودة قوية للدبلوماسية وهذا لا يكفي إن لم تكن هناك مخططات متوسطة وبعيدة المدى  حسبه.   ومن جهة  أخرى، أكد على ضرورة تقوية الجبهة الداخلية وتقوية اقتصادنا ، وأن تكون المرافقة بين الاقتصاد والدبلوماسية الجزائرية  في دول الساحل والجوار .
مراد - ح

الرجوع إلى الأعلى