قررت وزارتان، إنهاء التعامل باللغة الفرنسية في المراسلات الصادرة عنهما، ويتعلق الأمر بكل من وزارة التكوين المهني، و كذا الشباب والرياضة، وينص القرار الذي تزامن مع أزمة متصاعدة في العلاقات بين الجزائر وباريس، على تعميم اللغة العربية في المراسلات الإدارية. ويأتي في وقت تتعالى أصوات المطالبين بتعميم استخدام اللغة العربية في الهيئات الإدارية والمصالح الرسمية، وتشجيع تعليم اللغة الانجليزية في المدارس والجامعات.
طلبت وزارة التكوين والتعليم المهنيين، تعميم استخدام اللغة العربية في ميدان التدريس المضمون على مستوى المؤسسات التكوينية التابعة للقطاع، وجميع المراسلات الإدارية. وحسب التعميم الذي وجهه الوزير ياسين ميرابي إلى مؤسسات الوزارة فإن القرار يأتي تكريسا للمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، مثلما هو منصوص عليه في الباب الأول من الدستور.
ونشرت وزارة التكوين المهني عبر صفحتها على موقع “فيسبوك”، الخميس، تعليمات على لسان الوزير ياسين ميرابي، جاء فيها: “المطلوب منكم استعمال اللغة العربية في ميدان التدريس، وكل المراسلات الصادرة عن مصالحكم”. وأضاف ميرابي: “أولي أهمية قصوى للتطبيق الصارم لهذه التعليمة”.
بدورها أصدرت وزارة الشباب والرياضة مذكرة موجهة إلى مصالحها تقضي بتعميم اللغة العربية في المراسلات الإدارية للقطاع، حيث أمر وزير الشباب والرياضة عبد الرزاق سبقاق، الخميس، كافة مدراء ومسؤولي قطاعه، بِضرورة استعمال اللغة العربية في مراسلاتهم الداخلية عبر الوطن. وطالب الوزير عبد الرزاق سبقاق بِتطبيق هذه التعليمة، انطلاقا من الفاتح من نوفمبر المقبل. وشدّدت وزارة الشباب والرياضة، على أنها لن تسمح بِأيّ تهاون أو تقصير في تطبيق هذه التعليمة.
ويأتي الإعلان عن القرار في سياق تزايد المطالب السياسية و الشعبية بتعميم استعمال اللغة العربية في المراسلات الرسمية وعلى مستوى الإدارات والهيئات، إضافة إلى مطالبة لتوسيع التعليم بالإنجليزية وتأخير اللغة الفرنسية، وهي مطالبة عادت بشكل أكثر إلحاحاً في الفترة الأخيرة، على خلفية الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وباريس.
مطالب بإنهاء هيمنة اللغة الفرنسية
ولطالما شكلت هيمنة اللغة الفرنسية على المناهج التعليمية والوثائق الإدارية وحتى خطابات المسؤولين انتقاداً شعبياً واسعاً، وظهر مطلب إنهاء هيمنة لغة المستعمر في بلد الشهداء خلال مسيرات الحراك الشعبي، حيث رفع المتظاهرون ضمن المطالب استبدال اللغة الفرنسية بالإنجليزية"، لتبدأ بذلك خطوات قيل عنها إنها بمثابة "تهديد لعرش اللغة الفرنسية" بالجزائر.
وتزامن قرار الوزارتين هذه المرة مع أزمة متصاعدة مع فرنسا، بعد تصريحات "مسيئة" لرئيسها إيمانويل ماكرون وأدت إلى سحب الجزائر لسفيرها في باريس ومنع تحليق الطيران العسكري الفرنسي في أجوائها، وأكد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أن أي قرار بخصوص عودة سفير الجزائر إلى فرنسا مرهون باحترام كامل لسيادة الجزائر من قبل المسؤولين الفرنسيين.
وكانت وزارة الدفاع الوطني أول جهة رسمية "تعلن القطيعة مع اللغة الفرنسية"، بعد قرار بتغيير لافتة مقر الوزارة بالعاصمة واستبدالها بأخرى مكتوب عليها "وزارة الدفاع الوطني" باللغتين العربية والإنجليزية بدل الفرنسية وتم تعميم القرار على كافة المقرات التابعة للمؤسسة العسكرية، تبعتها مؤسسة "بريد الجزائر"، عندما ألغت استعمال اللغة الفرنسية في جميع وثائقها الرسمية واستبدالها باللغة العربية.
كما أعلنت شركة سوناطراك إنهاء تحرير العقود باللغة الفرنسية، فيما قررت وزارة التربية الوطنية إلغاء امتحان مادة اللغة الفرنسية من امتحانات الترقية المهنية في القطاع للمرة الأولى. بدوره أعلن وزير التجارة، كمال رزيق، أن مصالحه بصدد تعديل النصوص القانونية التي تمكّن المراقب التجاري من فرض عقوبات على أصحاب المحلات التي ترفع لافتات مكتوبة باللغة الفرنسية.
الإنجليزية تهدّد عرش اللغة الفرنسية في الجامعات
وقد أعلنت وزارة التعليم العالي مؤخرا، عن قرار اعتماد اللغة الإنجليزية للتدريس في مدرستي الرياضيات والذكاء الاصطناعي، واعتبر ذلك بمثابة الخطوة الأولى على طريق الحدّ من هيمنة اللغة الفرنسية في الجامعات. وفتح القرار الأمل بتوسيعه ليشمل باقي الكليات وتعزيز تدريس الإنجليزية في الصفوف المتوسطة والثانوية بشكل يسمح بتطوير مؤهلات الطلبة الجزائريين، خاصة مع الضرورات العلمية والعملية للغة الإنجليزية عالمياً.
وأظهرت نتائج استفتاء إلكتروني أطلقته العام الماضي وزارة التعليم العالي حول استبدال لغة التدريس والمناهج الجامعية من اللغة الفرنسية إلى الإنجليزية، عن رغبة أكثر من 80 بالمائة من طلبة الجامعات اعتماد اللغة الإنجليزية في المناهج الجامعية.
وقال وزير التعليم العالي والبحث العلمي عبد الباقي بن زيان، في مؤتمر صحافي، إنّ الجزائر ستستعين بكفاءات وطنية وأجنبية للتدريس باللغة الانجليزية في مدرسة الرياضيات والمدرسة الوطنية للذكاء الاصطناعي، والتي تعدّ الأولى المنشأة في أفريقيا، خاصة بالنسبة للمواد التي يجب تدريسها بالإنجليزية، مشيراً إلى أنه سيتم أيضاً استدعاء كفاءات وطنية، وكفاءات جزائرية مقيمة بالخارج لتقديم المحاضرات للطلبة ولأجل بلوغ تكوين عالي المستوى.
ويجمع الجزائريون أن مسألة القطيعة مع اللغة الفرنسية لا يمكن اعتبارها قطيعة مع لغة فحسب، بل مع مشروع ثقافي يعتبره الجزائريون استكمالاً للاستقلال الوطني. إضافة إلى ذلك، فإن تعزيز مكانة الانجليزية في الجزائر حاليا هو انتقال معرفي، على اعتبار أن اللغة الإنجليزية هي حاجة معرفية بالنسبة للجزائر للتمكن من استحقاق لغة حية ولغة القرار السياسي العالمي اليوم.
ويرى متتبعون أن نجاح تعميم إدراج الانجليزية في الجزائر كلغة حيوية وحية من المرحلة الابتدائية حتى الجامعة، مرتبط بمدى قدرة أصحاب القرار على مواجهة لوبي يدافع عن الفرنسية على حساب اللغة الإنجليزية، رغم تقهقر الفرنسية حتى في عقر دارها، وهذا ما جعل المنظومتين التربوية والجامعية في الجزائر تتأخر كثيراً عن الركب العالمي، حيث أن الجامعات الجزائرية غير مصنفة بالنظر إلى غياب اللغة الإنجليزية في الكثير من التخصصات.
ع سمير

الرجوع إلى الأعلى