تعرف منطقة دار الواد، بزيامة منصورية غرب جيجل، ، إقبالا كبيرا للزوار خلال موسم الاصطياف   وذلك بفضل مشروع « المطاعم العائمة»، كما يسميها السكان، وهي فكرة ولدت و تطورت خلال  آخر خمس سنوات، حيث قام شباب بوضع طاولات وكراس وسط مسار الوادي، مع اقتراح قائمة وجبات متنوعة على الزوار، الذين يستمتعون بتجربة فريدة،  تجمع بين لذة الأكل و جمال الفضاء الغابي وصوت خرير المياه التي تداعب الأقدام.

ظهرت في الآونة الأخيرة، موضة «المطاعم العائمة» بجيجل، و تداول زوار الولاية صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، و أضحت هذه المطاعم، قبلة لمئات المواطنين بشكل يومي، فأصبح شاطئ الكهوف العجيبة مقصدا للسياح و المصطافين من كل صوب، و ذلك بفضل تميز المنطقة التي تجمع بين سحر الكهوف وروعة الشاطئ و جمال الغابة و عذوبة الوادي، وخصوصية المطاعم المنتشرة فيها، والتي تعانق الطبيعة و تستغلها بشكل مثالي، وهو تحديدا ما ضاعف الاهتمام بها، خصوصا وأن الأكل هنا يعد تجربة جديدة و ممتعة تفتح الشهية و تبسط النفس.
أكل و متعة
انطلقنا نحو الكهوف العجيبة بجيجل، في الصباح الباكر، وذلك لنتجنب الاختناق المروري الذي يحتد بداية من الساعة العاشرة، خصوصا على مستوى منطقة الكورنيش كثيرة الحركة، و الغريب في الأمر هو أن المكان كان عامرا و شبه مكتظ عند وصولنا إلى وجهتنا في حدود الساعة السابعة صباحا، والسبب هو الإقبال الكبير على هذه الوجهة التي تجمع بين جمال البحر و تنوع مقومات البر.
 كانت  حظيرة السيارات شبه ممتلئة، مع ملاحظة عشرات الشباب و العائلات الذين افترشوا الأرض للمبيت، وقد أخبرنا صاحب كشك في المنطقة، بأن العديد من العائلات و الشباب، يبيتون هنا نتيجة توفر الأمن و الأمان و تواصل السهرات إلى غاية ساعات متأخرة من الليل، الذي يتميز بجوه العليل بفضل رطوبة الوادي وموقعه  القريب من الجبل، حيث تتوفر هذه المنطقة حسبه، على أماكن تجعل الزائر يقضي اليوم بمتعة دون أن يشعر بمرور الوقت، على غرار الكهوف العجيبة الغنية عن التعريف، إضافة إلى الشاطئ الرائع القريب إلى الخليج، والذي تطوقه صخور جبلية تجعله محميا بشكل طبيعي، ناهيك عن جمال وادي «دار الواد» الذي يشق سفح الجبل و يمتد على امتداد البصر ليخترق الغابة و يختفي بين أشجارها، وحسب محدثنا، فإن الزائر للمنطقة، يستمتع هنا بكل المقومات الطبيعية انطلاقا من السياحة الشاطئية إلى الجبلية و الغابية، مع إمكانية التخييم، حيث يقضي الكثيرون في العادة الصبيحة على الشاطئ، ثم ينتقلون مساء، إلى الوادي والجبل بحثا عن الهواء النقي و النسيم المنعش، إذ تنخفض درجة الحرارة في معظم الأحيان إلى 25 درجة، وهو ما يضاعف المتعة و يبعث على الراحة.
 و أضاف المتحدث قائلا : " خلال السنوات القليلة الماضية، عرفت المنطقة انتعاشا سياحيا، وزاد عدد زوارها، خصوصا القادمين لأجل المطاعم العائمة،  وتجربة الأكل داخل الوادي و الجمع بين متعة الاستجمام و الأكل، بدليل أن الكثير من زوار الكهوف، يسألون بمجرد وصولهم إليها، عن مكان تواجد هذه المطاعم، التي تحولت إلى علامة سياحية فارقة، بعدما نجح شباب محليون في تقديمها بشكل مناسب للزوار ".


حركية كبيرة على مدار الساعة
لدى وصولنا إلى الوادي و تحديدا تحت جسر الكهوف العجيبة، على مستوى الطريق الوطني رقم 43 شاهدنا طاولات و كراس و مضلات شمسية  تتوسط المياه بشكل متناسق و جميل، و كانت هناك عائلات قد وصلت و استقرت مسبقا، تقربنا من أفراد عائلة كانوا يتناولون فطور الصباح، فأخبرنا الوالد بأنهم قدموا من ولاية باتنة، واستأجروا بيتا في منطقة «تازة» القريبة، و قد فضل رفقة عائلته، القدوم باكرا إلى المكان و الاستمتاع بالفطور في هدوء ومن ثم قضاء يوم بأكمله هنا، و علق قائلا : « جميل أن تتناول وجبتك و أنت وسط الوادي و المياه الباردة تنعش روحك وجسدك و تتغلغل بين أصابع قدميك،  أهم ما في هذه التجربة هو التواصل مع الطبيعة و التمتع بجمالها و بزقزقة العصافير، وهذه هي الترجمة الحرفية للشعور بالراحة، بصراحة أعتقد أن فكرة الكراسي و الطاولات أضافت الكثير للمكان، وهو ما سمعت عنه مرارا، وتأكدت منه خلال هذه الزيارة إلى جيجل، فجمال المكان لا يمكن وصفه، إن المطاعم العائمة، تعد منتوجا سياحيا رائعا، خصوصا و أن سعر كراء الطاولة مع الكراسي رمزي للغاية مقارنة بحجم المتعة، كما أنه بإمكان السائح جلب الأكل معه، أو شرائه من المطاعم و المحلات القريبة، وهذا مناسب جدا لذوي الدخل الضعيف».
 من جانبها أضافت زوجته، بأن توزيع الكراسي والطاولات، حول المنطقة إلى قبلة مريحة تتوفر على ما يحتاجه الإنسان للجلوس و الاستمتاع، حيث أن المنطقة كانت مهجورة وغير مستغلة قبلا، ومثل هذا الاستثمار على قدر بساطته يعد إضافة نوعية.


خدمات متنوعة بأسعار مقبولة
توغلنا، أكثر، في الوادي الممتد على مسافة تقارب 800 متر، ولاحظنا، بأن مساحة استغلاله زادت مقارنة بالسنوات الماضية، فالعديد من الشباب نصبوا طاولاتهم وكراسيهم بشكل طولي في المنطقة و حتى على الضفاف، وقد كانت هناك عائلات تستمتع بوجباتها، وكان هنالك أيضا سياح يأخذون صورا تذكارية، وقد استحسن الجميع فكرة استغلال المكان بهذا الشكل شريطة الحفاظ على البيئة، مؤكدين، بأنها مبادرة جديدة ومختلفة و هذا تحديدا ما تحتاج إليه السياحة في بلادنا لكي تنهض، مشددين على أهمية تطوير الاستثمار و تنويع الخدمات، و الحفاظ على مستواها و على معدل الأسعار، الذي يبقى مقبولا في الوقت الراهن و مناسبا لجميع الناس، وذلك بحسب ما أكد مواطن من بسكرة، قال، بأنه زار العديد من الولايات لأجل قضاء عطلته، و لم يسبق له أن شاهد فضاءا مماثلا، بطريقة بسيطة و أفكار لا تخطر على البال، حيث نجح شباب المنطقة كما عبر، في خلق متنفس طبيعي جميل بأبسط الإمكانيات، دون الإضرار بالبيئة وهو أمر مهم جدا سواء من الناحية السياحية أو الاقتصادية.
فكرة فكت العزلة عن المنطقة وأنعشتها تجاريا
و حسب، أبناء المنطقة و مستغلي المكان، فقد جاءت الفكرة منذ ما يقارب الخمس سنوات، حيث طرح بعض الزوار مشكل غياب ظروف الراحة في المكان و نقص الخدمات، على غرار الأكل و بعض مستلزمات الراحة والاصطياف، وهو ما كان نقطة سوداء تسببت في تأخير عجلة السياحة، ليقرر شباب تحويل المكان إلى منطقة جذب عن طريق توفير ما يحتاجه كل سائح أو زائر، بداية بوسائل الراحة من طاولات و كراس، ومن ثم وفروا شرط الإطعام، سواء من خلال إنشاء مطاعم أو أكشاك متعددة الخدمات كل ذلك بمرافقة السلطات المحلية التي وفرت أكشاكا خشبية صديقة للبيئة، ووضعتها حيز الاستغلال، مع محاولة توفير بعض الضروريات الأخرى، على غرار  شبكة الكهرباء، وهو ما ساهم بشكل كبير في تجسيد الأفكار واقعيا و الاستغلال  الأمثل للفضاء الغابي بطريقة عصرية، حيث استحسنت العائلات الفكرة و شجعت الشباب و مستغلي المكان على مواصلة العمل لتحسين الخدمات. و ذكر صاحب كشك، بأنه يتم توفير مختلف الخدمات للزوار  بأسعار جد تنافسية، بغية استقطاب أكبر عدد من السياح و دفع الحركية التجارية، التي تحسنت نوعا ما منذ استحداث هذه المطاعم، التي ساهمت أيضا، في تثمين المقومات الطبيعية من غابة وبحر و واد، كما قدمت فرصة للحرفين لبيع منتجاتهم على اختلافها، بما في ذلك الأواني التقليدية و الملابس والأزياء التي تميز المنطقة والمناطق القريبة، ناهك عن انتشار باعة الفواكه و زيت الزيتون في المكان المؤمن كليا.
و يأمل، الشباب الحاصلون على رخصة الاستغلال، بتوفير جملة من النقائص و تداركها على غرار رفع القمامة بشكل مستمر، و كذا توفير الكهرباء دون انقطاع، مع البحث عن سبل لتمديد فترة استغلال المكان لفترة أطول، لأجل النهوض بالسياحة.

كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى