عرفت الوجهة السياحية الداخلية هذا الموسم انتعاشا كبيرا بعدما فضل أغلبية الجزائريين قضاء عطلتهم الصيفية داخل الوطن على حساب الوجهات الخارجية التي اعتاد الكثير منهم التوجه إليها في سنوات سابقة، وهو ما خلق نوعا من الضغط على الكثير من الشواطئ وساهم في انتعاش العديد من الأنشطة التجارية.
و يتضح هذا الخيار من خلال الإقبال الكبير من المواطنين ، عائلات وأفرادا على مختلف شواطئ البلاد، من القالة شرقا إلى الغزوات غربا، حيث وصل الأمر في بعض الولايات إلى التشبع، بسبب كثافة الإقبال، كما توضحه بعض الإحصائيات التي تقدمها مصالح الحماية المدنية من حين لآخر في هذا الشأن.
وعلى الرغم من فتح الحدود بين الجزائر وتونس قبل أكثر من شهر وعودة الرحلات الدولية- وهي التي كانت معلقة بسبب فيروس كورونا- إلا أن الأرقام تشير أن الجزائريين الذين فضلوا الوجهة التونسية مثلا قليل جدا مقارنة بسنوات خلت وهو لا يتعدى عشرات الآلاف حتى الآن، وقد كان هذا الرقم يقدر بالملايين في وقت مضى.
ويرجع رئيس نقابة الوكالات السياحية السعيد خليفة سبب اختيار أغلبية الجزائريين الوجهة السياحية الداخلية إلى عدة أسباب منها، أنه لم يكن لهم خيار آخر عند بداية الموسم عندما كانت الحدود مغلقة بين الجارتين الجزائر وتونس، لذلك برمج الكثير منهم قضاء عطلتهم داخل الوطن.
ويضيف في تصريح "للنصر" أمس بأنه عند اتخاذ قرار فتح الحدود في جويلية الماضي كان أغلب الزبائن قد وضعوا برامج عطلتهم، بدورها تفاجأت الوكالات السياحية ولم تتمكن من تسطير برامج سياحية لأنها في الأوقات العادية تشرع عادة في الاتصال بالفنادق و الوكالات السياحية في تونس أو في غيرها في شهري فيفري ومارس كما هو الشأن بالنسبة لكل الوكالات السياحية في العالم.
 لكن محدثنا ورغم السبب الذي ذكره سلفا إلا أنه يعترف بأن كل موسم هناك ما بين 2 إلى 3 ملايين جزائري يقضون عطلتهم الصيفية على الشواطئ الوطنية، على الرغم من الضعف الكبير لطاقة الاستيعاب عندنا التي لا تتعدى حسبه 60 ألف سرير، حيث أن العرض ضعيف جدا مقارنة بالطلب الكبير والمتزايد.
 لكن في نفس الوقت يلفت محدثنا إلى أن 80 بالمائة من الجزائريين الذين يفضلون الوجهة التونسية لا يمرون عبر الوكالات السياحية، وهذا ما يبين بأنه وعلى الرغم من فتح الحدود قبل أكثر من شهر إلا أن إقبال الجزائريين على تونس هذا العام كان ضعيفا مقارنة بمواسم سابقة، وأن الغالبية منهم فضلوا شواطئ الطارف وسكيكدة وجيجل وبجاية وتيقزيرت و بومرداس و تيبازة ومستغانم ووهران والغزوات وغيرها.
و فضلا عما قاله محدثنا سجلت السياحة الداخلية الوطنية هذا العام أيضا إقبال العديد من الليبيين على الجزائر في تجربة هي الأولى من نوعها، وعلى الرغم من قلة عدد الليبيين الذين فضلوا الوجهة الجزائرية والذي يقدر ببضعة مئات إلا أن ذلك يمكن أن يعزز رصيد السياحة الوطنية مستقبلا.
وبالأمس فقط تحدثت تقارير إعلامية عن دخول قافلة ليبية إلى الجزائر تتكون من حوالي 40 سيارة على متنها عائلات من أجل قضاء عطلة الصيف بالجزائر.
ضغط كبير على الشواطئ
وقد أدى التوافد الكبير للعائلات والمواطنين على  مختلف المدن  الساحلية إلى خلق حالة من الضغط على الشواطئ في العديد من الولايات التي وصل الأمر بها إلى حد التشبع، تجاوز إمكانات هياكل الاستقبال المتوفرة فيها على مستوى الفنادق وغيرها، وهو ما أنعش ظاهرة كراء المنازل والشقق في هذه المدن، وأنعش أيضا مختلف الأنشطة التجارية.
و الواقع أن نسبة كبيرة من المقبلين على الشواطئ يفضلون كراء منازل فردية لقضاء العطلة خاصة العائلات منهم لأن الفنادق الموجودة لا تفي بالغرض أولا من حيث العدد، ولا توفر البيئة الخاصة التي تبحث عنها جل العائلات المتنقلة نحو الشواطئ.
وحسب بعض الإحصائيات التي قدمتها مصالح الحماية المدنية مؤخرا فقد شهدت ولايات مثل جيجل وبومرداس ووهران إقبالا كبيرا للمصطافين قدر بحوالي 10 ملايين زائر لكل ولاية، في ظرف شهر واحد فقط بداية من بعد عيد الأضحى المبارك، وهو ما يبين حجم و عدد المصطافين الذي تستقبله الولايات الساحلية.
و على الرغم من هذا الضغط إلا أن أسعار الشقق والمنازل لم تعرف ارتفاعا كبيرا وظلت في معدلها المتعارف عليه وهو من 3 إلى 5 أو 6 آلاف دينار لليلة الواحدة، ويتوقع المتابعون للسياحة في بلادنا استمرار حالة الضغط على الشواطئ إلى نهاية شهر أوت الجاري، حيث يقل مع بداية شهر سبتمبر استعدادا للدخول الاجتماعي.
فرصة للنهوض بالسياحة الداخلية
وتظهر المؤشرات سالفة الذكر الخاصة بموسم السياحة لهذا الصيف بأنه يمكن النهوض بالسياحة الداخلية و خلق الأجواء التي تجعل السائح الجزائري يفضل الوجهة الجزائرية على غيرها من الوجهات السياحية الأخرى.
 وفي هذا الشأن يقول السيد السعيد بوخليفة، رئيس نقابة الوكالات السياحية، بأن النهوض بقطاع السياحة في بلادنا ممكن بتوفر الإرادة السياسية أولا، كما توفرت في سبعينيات القرن الماضي عندما بنت الدولة العديد من الفنادق والمركبات السياحية في الساحل وفي مناطق داخلية و أنشأت معاهد التكوين في السياحة وفتحت مكاتب سياحية في العديد من البلدان الأوروبية، و برأيه فإن ذلك يجب أن يترجم في فتح المجال أمام الاستثمار الخاص لبناء فنادق عدة في الجبال من أجل تشجيع السياحة الشتوية، وبناء فنادق في الصحراء كذلك لتشجيع السياحة الصحراوية في مواسمها المعروفة، وبطبيعة الحال بناء فنادق على طول الولايات الساحلية.
 ويضيف محدثنا بأننا بحاجة اليوم إلى ما يعادل 150 ألف سرير لاستقبال العدد المتزايد من السياح الوطنيين، لأن عدد الأسرة المتوفر اليوم غير كاف تماما، كما يجب توفير النقل وبخاصة بالقطار، وتنظيف الشواطئ و تحسين الخدمات والعمل على مدى سنوات لغرس ثقافة سياحية في المجتمع.
 إلياس -ب

الرجوع إلى الأعلى