يعتبر واد زيامة، من بين الوجهات المخفية و المفضلة للمغامرين و الباحثين على الراحة بزيامة منصورية، بأعالي جبال جيجل، فجمال الوادي يمتد على طول مجرى مياهه و يشمل تميز المناظر المحيطة به، خصوصا ما تعلق بالشلالات البعيدة التي يتطلب الوصول إليها، السير لمدة طويلة نوعا ما، وسط الغابة الغناء و الهواء العليل.
تستغرق الرحلة نحو هذه المحمية حوالي نصف ساعة، بعد الانعطاف على الطريق المحاذي للمستشفى الجديد بزيامة منصورية بجيجل، على مستوى الطريق الوطني رقم 43 وصولا إلى منطقة القيطون، وهو مسار أرشدنا إليه الدليل السياحي فريد، الذي يعتبر من بين الناشطين في حقل سياحة المغامرة في المنطقة.
مصطافون يفضلون الوادي على الشاطئ
يشدك جمال الطبيعة وتفردها، بمجرد وصولك إلى مدخل الغابة، التي يتواجد في مقدمتها ملعب صالح للاستغلال  يسميه أهل المنطقة بملعب «الرحى»، وذلك نسبة إلى وادي الرحى الجاري على بعد أمتار قليلة من الموقع، و يسمى المكان أيضا، ملعب القيطون، نسبة إلى المنطقة،  إذ يفضل الكثير من الصغار والكبار ممارسة الرياضة على أرضيته المغطاة بالعشب الاصطناعي، و حسب مرافقنا فريد، فإن المنطقة تعرف إقبالا متزايدا  لعشاق السياحة الجبلية و المغامرة، كما  زاد توافد العائلات عليها كثيرا في الآونة الأخيرة، ناهيك عن كونها مقصدا لشباب من عديد الولايات. و كما أضاف محدثنا، فإن التوغل في المنطقة و استكشافها يعتمد على توفر مرافق من سكانها، أو أحد المرشدين المغامرين، مشيرا، إلى أن أجمل المناظر هي تلك التي نراها كلما توغلنا أكثر في الغابة أو على امتداد الوادي.
عند وصولنا إلى وجهتنا، قابلنا عائلات تستمتع بالمكان وهدوئه ، حيث كان البعض يسبحون في المياه العذبة  وسط درجة حرارة معتدلة، فيما، كانت هناك نسوة منهمكات في تحضير المشاوي، على مواقد خشبية حضرها الرجال تقربنا من عائلة قادمة من ولاية سطيف، فذكر الوالد، بأنهم استأجروا منزلا بمدينة زيامة منصورية، و تحديدا بمنطقة تازة لأجل الاصطياف، مع ذلك فهم يفضلون القدوم إلى الوادي بدل التوجه إلى البحر، فالجلوس هنا لديه نكهة خاصة حسبه، كما أنه غير متعب أو مرهق مثل البحر،  ناهيك عن متعة الابتعاد عن الزحام و الاسترخاء تحت ظل الأشجار الباسقة وعلق مضيفا : « سبق لي أن زرت المكان رفقة صديق ينحدر من المنطقة، و قد أعجبني كثيرا، لذلك اصطحبت عائلتي وقد أحبوا الوادي، فبعد زيارتنا للشواطئ كمحطة أولى، قررت زوجتي و أمي، اختيار الأماكن الجبلية بدلا عن البحر، لأجل قضاء ما تبقى من العطلة».
 و قال ابنه، بأنهم يفضلون المنطقة لجمالها، و هوائها المنعش، ففي عز الحر كما أوضح، تكون درجة الحرارة هنا أقل من 24 درجة.
 زائر آخر التقينا به على ضفة  الوادي، قال، بأنه أتى رفقة عائلته من ولاية بسكرة، و أنهم عشقوا الوادي منذ أول زيارة له، لتواجده ضمن محيط غابي خلاب و معزول، أما زوجته فقد علقت : « أقوم صباحا، بإعداد وجبة الغذاء لنحملها معنا لأنني لا أحب فكرة الطبخ في الغابة، عكس ما تقوم به عائلات أخرى، شخصيا أفضل الاستمتاع بكل لحظة هدوء في هذا المكان، وأتجنب إضرام النار لأي غرض حتى لا أكون سببا في أي حادث أو كارثة، فالمنطقة هنا جنة تستحق أن نعتني بها و أن نقدرها و لذلك أفضل هذه الوجهة على الشاطئ، حتى أنني أرغم زوجي و أولادي على القدوم للوادي بدل الذهاب إلى البحر».
ملتقى الوديان الجبلية
أخبرنا، أحد أبناء المنطقة، بأن الجهة الجنوبية من بلدية زيامة منصورية، تتوفر على العديد من الوديان، منها ما يصب في وادي زيامة، وهو ما يجعل تدفق المياه به غزيرا طوال السنة، ولأن المنطقة معزولة و بعيدة عن المناطق الحضرية والصناعية والبناءات الفوضوية، فقد بقيت محافظة على صفائها و نقاء مياه الوادي، التي تجري بعذوبة لتعانق البحر. حيث قال محدثنا : « الوديان كثيرة في المنطقة على غرار واد الرحى و يسميه بعضهم بوادي أسيف أوخرخور، الذي تغذيه العديد من المجاري والمنابع، مثل أغزر أولور، النابع من جبل أيت ملول،  و الذي يـمـر بين مناطق أعزیب وأقنا أوكوش التابعة لعرش أيت لعلام.  بالإضافة إلى وجود وادي تاشرافت وواد إغزر، النابع من جبل سيدي عابد، و كذا واد آخر ينبع من قرية سيدي سعدون، مع وجود وديان أخرى على غرار واد تاقليعت».
و على غرار العائلات فإن للشباب نصيبا من المتعة أيضا   حيث التقينا خلال جولتنا، بمجموعات منهم موزعين على طول مسار الوادي، منهم من كانوا يقومون بإعداد الطعام فيما كان آخرون مجتمعين حول الطاولات يلعبون « الشطرنج» و «الدومينو»، أما بعضهم ففضلوا الاستمتاع بالسباحة.
 تقربنا من بعضهم، فأخبرونا، بأنهم قدموا من ولاية برج بوعريريج، و قد حطوا رحالهم صباحا في الوادي، شاب منهم قال: « قمنا بالاتفاق منذ فترة على زيارة الوادي، كونه من بين الأماكن الخلابة  الهادئة مقارنة بباقي المناطق الأخرى عرفنا هذه المحمية بالصدفة خلال فترة جائحة كورونا، ما جعلنا نقرر زيارتها للمرة الثانية، وهو حقيقة فضاء رائع و جميل للغاية و من أروع الأماكن التي زرتها شخصيا، كما أن الوادي يعرف تدفقا كبيرا للمياه، ولذلك جئنا لنقضي يومنا هـنا»، و أضاف آخرون، بأن هدوء المكان دفعهم إلى زيارته مؤكدين، بأن محيط الوادي يريح النفس.
واد لا يجف صيفا وتنوع بيولوجي مهم
أكد، جل من تحدثنا إليهم، بأن الوادي معروف بغزارة مياهه و نقائها طوال السنة، و أن المنسوب لا يقل خلال موسم الحر، كما أن مساره رائع، ويمر عبر فضاءات حولتها الأشجار التي تطوقها إلى ما يشبه الأنفاق.
واصلنا، السير، ونحن نستمتع بالمكان، وكان مرافقنا فريد قد قابل مجموعة من أصدقائه الذين قاموا بضمنا إليهم، كان معنا في القافلة أيضا أطفال صغار، أراد أباؤهم تعويدهم على الرحلات الجبلية رغم صعوبة المسلك و التقينا كذلك خلال جولتنا بطالبة دكتوراه، كانت تقوم باصطياد الزواحف، من أجل إعداد بحثها العلمي، أخبرتنا، بأن الوادي فضاء  بيولوجي متنوع وفريد، وأضاف فريد، بأن المكان الذي نتجه نحوه عبارة عن شلالات رائعة الجمال، و يمكن السباحة فيها كما أن تدفق المياه يزداد في تلك المنطقة و تنخفض درجة الحرارة أيضا.
كان المسلك الذي قطعناه جميلا للغاية، إذ يحوز على غطاء نباتي كثيف، و مسار رائع عبر الوادي، أما درجة الحرارة فلم تكن تتعدى 24 درجة، و كان الهواء عليلا مع انعدام تام للرطوبة، وهو ما ذكرنا بالأجواء الربيعية، و الواضح حسب مرافقنا، أن قليلا جدا من الناس يصلون إلى هذه النقطة من عمق  الغابة، وهم في الغالب إما مغامرون أو سكان.
لدى وصولنا، إلى مقصدنا، انتبهنا فعلا إلى غزارة المياه المتدفقة و جمال الأشجار الباسقة، و حتى الصخور العالية زادت من روعة المنطقة، وهي أجواء أغرتنا لتجربة السباحة في الحوض المائي، لكن المياه كانت باردة جدا لدرجة يصعب تحملها، وذلك فضل جل من قابلناهم هناك، من شباب وعائلات الجلوس على الضفة والاستجمام فقط، حيث أجمع الحاضرون، على أن المكان خلاب و يعتبر من بين الفضاءات التي يمكن تثمينها في إطار السياحة الجبلية، من خلال برمجة رحلات منظمة.
كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى