تتعرض الجزائر في الفترة الأخيرة، لحملات تشويه ممنهجة تقودها جهات مغربية، وتتغذى خصوصا من منصات التواصل الاجتماعي، عبر نشر الأخبار الزائفة والمسيئة بغزارة وتوظيف الحسابات الوهمية على نحو مكثف، إلى جانب محاولة تحريف أي نقاش يصب في مصلحة الجزائر، وغيرها من الممارسات التي يقول خبراء إنها تتطلب التعامل بحذر مع المضامين المنشورة والتصدي لها.
وقد أصبحت الجزائر مستهدفة بشكل مكثف من طرف آلة دعاية مغربية، تعتمد على التشويه وعمليات التلفيق، حيث تتلقف كل شيء مهم ومشتمل على قيمة في الجزائر، من شخصيات وأماكن ومدن إنجازات و وقائع وحقائق تاريخية وغيرها، وتُصنع حولها وصمة تتمثل في تسميات تشويهية، أو يتم نسبها للمغرب، كما حدث مؤخرا مع شخصية زعيم المقاومة الشعبية في الجزائر، الشيخ بوعمامة، والذي زعمت مواقع، على نحو مثير للسخرية، أنه مغربي.  
ولعل حملة التشويه التي طالت ألعاب البحر الأبيض المتوسط المقامة في وهران مؤخرا، تُعد مثالا حيا لما يحصل، حيث زعمت صفحات مغربية بأن قاعات التدريب بعيدة أن أماكن إقامة الرياضيين في القرية المتوسطية و بأن الوجبات رديئة، وصولا إلى قصة التسمم المفبركة، والحديث عن سوء تنظيم، مع نشر صور لمنشآت متدهورة على أنها في وهران، وبث مزاعم بأن حياة الرياضيين مهددة بالخطر.
استهداف واسع للألعاب المتوسطية
وقد وصل الأمر ببعض الصفحات، إلى نسب تصريحات مسيئة وغير صحيحة، لبطلة الجودو والوزيرة السابقة، سليمة سواكري، بخصوص القرية الأولمبية التي تأوي الوفود المشاركة في الألعاب المتوسطية، وصرحت سواكري حينها أن صفحات حاقدة تقف وراء ذلك بهدف تشويه صورة الجزائر في إطار حملة مغرضة، وعلقت قائلة «تعبرّ هذه المنشورات عن حقد دفين تجاه الجزائر وكل ما يرمز إليها».
وتعتمد آلة الدعاية التشويهية على صناعة أخبار زائفة تستهدف كل الأحداث والأنشطة والتطورات والأخبار الإيجابية حول الجزائر، بهدف حجب الرؤية والتشويه والتحريض، حيث تكون جاهزة للإطلاق قبل أي حدث إيجابي مرتقب، سواء تعلق الأمر بزيارة دولة، أو خلال أوقات توتر بين الجزائر ودول أخرى، وتبرز أيضا في الأحداث الوطنية المهمة، خاصة إذا تعلق الأمر بفرص اقتصادية تلوح لمصلحة الجزائر، أو تطورات سياسية إيجابية مع بلدان أخرى.
ويتم اقتناص الأخبار الايجابية المتعلقة بالجزائر للسطو عليها ونسبها للمغرب أو تسفيهها وتحريفها، ويحدث ذلك عبر التعليق بكثافة على هذا المحتوى عبر صفحات وسائل الإعلام والناشطين والشخصيات من مختلف الجنسيات، و من خلال إعادة صناعة محتوى رقمي يعتمد على معلومات غير صحيحة على صعيد السياسة والتاريخ والجغرافيا والسياحة والفن والثقافة والتراث والطبخ والأزياء وغيرها، ثم إعادة تدويره في المنصات الإعلامية ليصبح أكثر قدرة على الظهور، وبالتالي خلق انطباع بأنه حقيقي.
استغلال للمشاهير وتوظيف موقع «ويكيبيديا»
ويرى متابعون أنه عادة ما يتم وضع السرقات تحت غطاء التراث المغاربي المشترك وتمريرها عبر نسبها إلى مدينة وجدة ومناطق حدودية أخرى، على غرار ما حدث مع طبق الكسكسي والفنتازيا والعلاوي، وصولا إلى الاستيلاء على الحلويات التقليدية والألبسة، ومن أشهرها لباس «القفطان»، وغيرها من السرقات الثقافية.
والأخطر من ذلك، هو الترويج لمغالطات تاريخية حول الجزائر، يُوظَّف فيها موقع ويكيبيديا من أجل صناعة الأفكار والمفاهيم والمعارف المغلوطة والملفقة، والمتصلة بسرقة عناصر ثقافتها وتراثها وتاريخها.
ويمتد جهد التشويه ليشمل توظيف اللغات الأجنبية بغزارة، لاسيما الانجليزية، وذلك عبر مواقع تابعة للمغرب، من بينها «موروكو وورلد نيوز»، «نورث أفريكا بوست»، و «وكالة ماب»، مع صنع كميات كبيرة من المواد الرقمية ذات الهدف التشويهي أو التلفيقي ضد الجزائر، عبر صور إخبارية وفيديوهات قصيرة مكيفة، تكون سهلة التدوير في تطبيقات التراسل وشبكات التواصل.
إلى جانب ذلك، يتم رصد المضامين السلبية عن الداخل المحلي في وسائل الإعلام الجزائرية وتوظيفها لتكون قاعدة تصنيع محتوى تشويهي في وسائل الإعلام والشبكة، كما يتم تتبع تغريدات ومنشورات الصحافيين والأسماء المعروفة داخل الجزائر واستغلالها للاستدلال بها على نحو مغالط في صناعة المواد المسيئة، مقابل استغلال مشاهير الترفيه والفن والرياضة و»المؤثرين» من جنسيات مختلفة في هذه الدعاية، ولو بشكل غير مباشر، وكذلك توظيف أسماء إعلامية مغربية حول العالم لشن حملات جماعية ضد كل ما له علاقة بالجزائر.
«تويتر» يتحول إلى أداة دعائية أساسية
ويرصد متابعون، توجيه المغرب لمواطنيه مؤخرا لينضموا بأعداد ضخمة إلى تويتر، كون الأخير أصبح بيئة ملائمة لإنفاذ الدعاية وتصنيع المواد التشويهية وتمرير الروايات الخاطئة، لاسيما أنه يحظى بشعبية ضخمة في العالم العربي وخاصة في دول الخليج، مع صعود مفاجئ لعدد كبير من الحسابات المغربية التي يتضخم عدد متابعيها بشكل قياسي، وأصبحت تصنع اتجاهات النقاش على «العصفور الأزرق».
ويظل «تويتر» أداة أساسية في حملة الدعاية المعادية، مستغِلة في ذلك عزوف الجزائريين عن هذا الموقع الذي يبقى منصة «نخبوية» بعدد مستخدمين لا يتعدى المليون، وهو ما يفتح المجال أمام التسرب داخل «الهاشتاغات» السائدة والنقاشات العامة الدائرة في البلدان المجاورة ومحاولة التحريض بين الجزائريين وجماهير البلدان الأخرى.
ويتم توظيف الذباب الالكتروني بشكل مكثف لخلق «ترند» وسلسلة هاشتاغ مسيئة للجزائر، ويتعلق الأمر بحسابات وهمية آلية تكون حديثة النشأة في الغالب وعادة ما لا تنشر شيئا في جدارها، كما تُستعمل فيها صور وأسماء غير حقيقية، وقد تختفي بعد مدة قصيرة بعدما تكون قد قامت بمهمة إغراق الشبكة بالتعليقات المسيئة للجزائر وتحريف النقاش، وهي إستراتيجية نجدها في موقع «فيسبوك» أيضا، لاسيما بالمواقع الجزائرية والمنصات العربية والعالمية.
وفي هذا الخصوص، يؤكد الخبير في الأمن السيبراني، كريم خلوياتي، أن الجزائر تعيش اليوم في مواجهة حروب الجيل الرابع التي تستعمل وسائل التواصل الاجتماعي وهجمات الانترنت ومصادر المعلومات المفتوحة، ثم يتم تغيير وجهة هذه المعلومات وإعادة نشرها كأخبار مزيفة، في صورة الترويج للجزائر على أنها بلد غير آمن من طرف مستخدمين مغاربة، كما يتم اختراق البريد الالكتروني لأصحاب القرار والشخصيات والصحفيين، مع توظيف «الفايك نيوز» لنشر قصص مشوهة.
ويعتقد الخبير أن هناك انحيازا من طرف شركات التواصل الاجتماعي إلى نشر الروايات المضللة عن الجزائر، من خلال زيادة ظهور مضامينها في حسابات المستخدمين، بينما يقل مستوى ظهور المحتوى الجزائري الذي يقدم المعلومات الحقيقية، بما يجعله أقل تأثيرا، وهو أمر يرى المتحدث أن له علاقة بتغلغل اللوبي الصهيوني في الشركات المذكورة، ويمكن ترجمة ذلك أيضا من خلال الإعلانات الموجهة على موقع يوتيوب والتي تعرض مواد سلبية عن الجزائر.
«80 بالمئة من معلومات فيسبوك غير صحيحة»
ويتابع خلوياتي في حديثه للنصر، أن هناك «مصانع» خاصة في القارة الآسياوية، تضم أنظمة آلية تعمل وفق توجيهات معينة من خلال النقر والتعليقات باستخدام حسابات وهمية، بما يجعل التفاعل أكثر حجما مع المحتوى المسيء للجزائر، وبالتالي أكثر ظهورا للمستخدمين. ويشرح المتحدث أن الأخبار الزائفة، صناعة إستراتيجية يشرف عليها مختصون في الإعلام، مضيفا أن التصدي لها يتطلب العودة دائما إلى المصادر المرجعية والموثوقة، حيث يوجد فرق كبير بين موثوقية خبر نُشر على وكالة الأنباء الجزائرية مثلا، وبين خبر بثه موقع أنشئ منذ شهرين.
و بيّن الخبير في الأمن السيبراني، أنه على الجزائريين التريث قبل تشارك منشورات معينة على حساباتهم، وألا يصدقوا أي شيء يُنشر، مضيفا أن حوالي 80 بالمئة من المعلومات المنشورة على موقع فيسبوك، على سبيل المثال، خاطئة، لذلك بات من الضروري، بحسبه، استحداث الجزائر لمنصة تواصل خاصة بها، على غرار ما هو موجود في الصين وبلدان أخرى، لاسيما أن بلادنا تتوفر على الكفاءات اللازمة.
على صعيد آخر، يعتقد الإعلامي الجزائري، حمزة دباح، أنه من الضروري استحداث آلية قانونية لمنع البث الفضائي والنشر الشبكي للمحتويات التي تتضمن مشاهد ومعطيات سلبية عن الجزائر، على شاكلة الطرق المهترئة والمزابل وطوابير المنتوجات الغذائية والاحتجاجات والأحياء العشوائية، ذلك أن تلك المحتويات، مثلما يضيف محدثنا، تكون تحت طائلة الرصد والتوظيف الدعائي الخارجي، وحين تُنشر على الانترنت وشبكات التواصل تبقى في صدارة نتائج محركات البحث، فتُشكل ملامح المضمون المعروض الذي يصنع صورة الجزائر.ويتابع دباح قائلا «مع الوقت يتكدس ركام من المادة السالبة التي تنتج مع بقائها وتراكمها مفعولا مستمرا من التشويه وتدمير السمعة والجاذبية، وعلى نحو أكثر خطورة تصنع أرضية جاهزة وثرية لتغذية حملات التشهير من قبل أذرع الدعاية والتشويه المعادية والمتفرغة كيديا ضد الجزائر».
ويؤكد الإعلامي أن هذه المضامين تسيء للصورة العامة للجزائر ومختلف المدن والمناطق، لأنها الأكثر ظهورا في محركات البحث وتتواجد بكم كبير يفاقمه تراكم النشر لأعوام طويلة، من طرف وسائل الإعلام المحلية وغيرها، ويعتقد دباح أنه من الضروري قصر المضامين التي تبث في الفضاء على ما يصنع صورة إيجابية عن البلد ويعزز سمعته ويزيد في جاذبيته السياحية والاقتصادية.
جزائريون يتصدون للمغالطات التاريخية
المبتكر الجزائري، الدكتور محمد دومير، هو أحد الشخصيات الجزائرية المعروفة التي تعمل على نشر محتوى إيجابي يتصدى لمحاولات التشويه بالاعتماد على أسلوب بصري سلس ومبسط يتماشى مع التطورات التكنولوجية الحاصلة، وذلك من خلال القناة التي أنشأها على موقع يوتيوب ويتابعها اليوم قرابة 270 ألف مستخدم، حيث حققت أزيد من 22 مليون مشاهدة منذ إنشائها، ولاقت فيديوهاتها التي لا تتعدى مدتها في الغالب 10 دقائق، تفاعلا كبيرا من طرف الجزائريين والعرب.
وعن هذه التجربة قال دومير في اتصال بالنصر، إن فكرة إطلاق سلسلة تاريخية عبر قناته، جاءت من منطلق أن العديد من الشباب الجزائريين لا يجدون الأدوات اللازمة للإجابة عن أسئلتهم بخصوص التاريخ، خصوصا أمام حملات التشويه التي تتعرض لها بلادهم في الفترة الأخيرة.
ويتابع الدكتور دومير بالقول «من يقرأ تاريخ الجزائر يجد أن هناك مشكلتين أساسيتين مع المستعمر الفرنسي ومع الجار المغربي الذي لديه عقلية توسعية»، ويضيف محدثنا أنه قرر التصدي لتطاول عدد من المغاربة على الهوية الجزائرية وسرقتها سواء تعلق الأمر بالفن، الطبخ، وحتى اللسان، وفق تعبيره.
ويؤكد نجم برنامج «نجوم العلوم» أنه لم يتوقع أن تلقى سلسلته التي بدأها قبل حوالي سنة، كل هذا التفاعل وأن تحقق ملايين المشاهدات، على اعتبار أن المحتوى التاريخي يستقطب في الغالب فئات قليلة، مرجعا ذلك إلى اعتماده على أسلوب سهل، حيث قال إن أكثر الحلقات تفاعلا، تلك التي كانت تحت عنوان «نصوص المعاهدات حول حق المغرب في غار جبيلات وحق الصحراء الغربية في كلميم»، إذ تقترب من مليون مشاهدة.
ويعتمد دومير في جمع المعلومات التي يستند عليها في محتواه الرقمي، على الكتب والمراجع الموثوقة وعلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مثلما أخبرنا، مضيفا أنه كان عرضة لحملات «كان يتوقعها»، من طرف أشخاص «لا يقبلون الحقيقة»، حتى أن قناته تعرضت للقرصنة وتم حذف جميع محتواها قبل أن تتمكن إدارة يوتيوب من استرجاعها بعد أقل من 24 ساعة، حيث أكد أنه سيعمل على مواصلة نشر المضامين التي تظهر الحقائق وتتصدى لحملات تشويه الجزائر.
ويرى مختصون في الأمن الرقمي، أن هذه الحملة الدعائية المنظمة ضد الجزائر، تتطلب مواجهة الأكاذيب والتحريف والاستيلاء على تاريخ وتراث الجزائر، ويبدأ ذلك أولا من خلال توعية الأفراد حول كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص لدى نشر الأخبار وتشاركها.
ياسمين.ب

الرجوع إلى الأعلى