كنيسة الصليب المقدس ومسجـد سيدي عبد القادر يرصعان قمة جبــل المرجاجو
يعرف عن سكان وهران لحد اليوم أنهم مسالمون ومتسامحون ويتميزون بخصال قد تختلف في معانيها عن باقي مناطق الجزائر، لدرجة أن كل من ينشد الحرية ،و التحرر، والسلم يلجأ إلى وهران، التي تجمع بين نسمات البحر الأبيض المتوسط و حضارة الشمال الإفريقي بأمازيغيتها ، وعروبتها و إسلامها، و خصوصية وهران التي تضيف نسيم الأندلس،و تاريخ احتلال الإسبان و الفرنسيين.
 هذا التراث الذي رسم معالم مدينة الباهية سيكون مزارا للسياح من مختلف الأديان، ليربطوا الماضي بالحاضر، و يؤسسوا لمستقبل جديد و راق بأفكار حضارة العولمة.
في هذا السياق سترصع وهران قمة جبلها المرجاجو بتعايش ديني وتسامح حضاري من خلال كنيسة سيدة النجاة مريم العذراء، ومسجد مقام سيدي عبد القادر الجيلاني بعد سنتين . هذان المشروعان يتعايشان حتى في مرحلة بناء وترميم كليهما، حيث انطلقت مؤخرا عملية ترميم موقع كنيسة العذراء وتمثال سيدة النجاة، ليتزامن هذا المشروع مع انطلاق إنجاز مسجد سيدي عبد القادر الجيلاني غير البعيد عن الكنيسة.
“سيدة النجاة” تنقذ وهران
من الكوليرا
انطلقت مع بداية السنة الجديدة عملية ترميم المعلم التاريخي والحضاري كنيسة سانتا كروز أو الصليب المقدس، وتمثال سيدة النجاة، وستنقسم العملية  إلى مرحلتين، هي ترميم البرج الذي يحمل التمثال والذي سيدوم 8 أشهر، ثم وعلى مدار 24 شهرا، ستشمل الترميمات التمثال وساحة الكنيسة، وسلالمها ،وكل ما يحيط بها .
والمرحلة الثانية ستعتمد على تقوية الجدران سواء الداخلية أو الخارجية التي ستحمي الموقع، لأنه سيفتح للسياح، لكن هذه المرحلة لا تزال قيد ضبط الدراسات، بينما تم تقييم الغلاف المالي للمرحلتين ب 600 مليون سنتيم،ما يعادل 6 آلاف أورو. أما عن تمويل هذا المشروع، فسيكون من ولاية وبلدية وهران وبعض البلديات المجاورة، إلى جانب السفارة الفرنسية بالجزائر.
 يعود بناء برج سانتا كروز و ترصيعه بتمثال العذراء، لسنة 1850 ،من طرف الفرنسيين بعد انتشار وباء الكوليرا الذي كان يقتل مئات السكان يوميا، حيث تشير بعض المصادر أنه في ظرف 10 أيام فقط من شهر أكتوبر 1849 ،قتلت الكوليرا 1172 شخصا بوهران، و إثر هذه الكارثة الوبائية أمر الجنرال «بليسيي» الأسقف بوضع تمثال للعذراء على قمة الجبل، كي ترفع المرض وترميه
في البحر .
هذا بعدما تم استنفاد كل الطرق العلاجية والدعوات في الكنائس، و بعد اختفاء المرض وعودة الحياة العادية ،تهاطلت أمطار غزيرة نزعت آثار الوباء، فقرر مسؤولو وهران، سواء العسكريين أو المدنيين، تخصيص 560 متر مربع من قمة الجبل، لبناء برج يحمل تمثال العذراء وهذا في 20 جانفي 1850، و انتهت العملية في ماي من ذات السنة، وأصبح الموقع يسمى «برج سيدة النجاة» لغاية الآن ،تبركا بالسيدة العذراء التي كانوا يعتقدون أن بركتها هي التي قضت على الوباء، لأن التمثال يطل على المدينة.
في سنة 1851 انهارت القاعدة التي كانت تحمل البرج والتمثال، مما استدعى تدخل الأسقف كالو الذي دعي لبناء كنيسة تشكل حصنا وحماية للتمثال، وفعلا تحقق ذلك ولا يزال الوضع على حاله مع بعض التغييرات المتمثلة في نقل تمثال العذراء الأصلي إلى مدينة «نيم» الفرنسية، و كان يتواجد هناك في متحفها واستبدل بتمثال آخر ،يقال أنه تم جلبه من مدينة عين تموشنت التي كانت معقلا للمعمرين طيلة فترة الاستعمار الفرنسي.
خصال «مارجو الوهراني» أطلقت إسمه على الجبل
يقول المجاهد كراردة لخضر، أن أجداده من قبيلة أولاد الحي الذين كانوا يمتهنون رعي الغنم في جبل المرجاجو خلال فترة الاحتلال الإسباني لوهران، هم الذين تكفلوا بحمل الحجارة والماء ومواد البناء لغاية قمة الجبل، من أجل بناء حصن سانتا كروز، الذي كان قلعة عسكرية تحمي الإسبان من ضربات جيوش الدولة العثمانية التي كانت تأتي عبر البحر المتوسط، حيث اصطفوا من السفح إلى القمة، وبدأ كل واحد منهم يوصل المواد للآخر لغاية القمة، ويضيف المتحدث أن اسم مرجاجو يعود لأحد سكان وهران و كان قوي البنية وشجاعا و يسكن الجبل، حيث كان يسمى  “مارجو” وتقول المعلومات أنه هو الذي اقترح التصميم الحالي للحصن على الإسبان،  ومع مرور الزمن أطلق اسمه على الجبل لغاية أن استقر على تسمية “مرجاجو”.
 أما الحصن فقد بني ما بين عام 1577 – 1604،وكانت هذه القلعة مكانا في الحصون ، ويقال أيضا أن تسمية «سانتا كروز» تعود للقائد الإسباني «سلفادي سانتاكروز». وكان حصن سانتا كروز، قلعة لحماية الجنود الإسبان لغاية 1792، حين حررها القائد العثماني محمد بن عثمان الكبير.
منارة «مول المايدة» تشع بركتها على الباهية
غير بعيد عن كنيسة “الصليب المقدس”، يستقر مقام سيدي عبد القادر الجيلاني ليحرس وهران أيضا، وتمت مؤخرا برمجة مشروع إنجاز مسجد وبرج ، ليرافقا برج وتمثال العذراء وتتعانق المسيحية مع الإسلام في مشهد روحاني يرقى بأسمى معاني تعايش الأديان. و سيتربع المسجد على مساحة تقدر ب200 متر مربع، و سيأخذ  طابعا معماريا أندلسيا تعلوه منارة بطول 25 مترا ،وسيتم تزيينها بأضواء تنيرها ليلا لتظهر من بعيد وتضفي جمالا على الباهية،  وستتكفل الشركة  التركية التي تنجز حاليا مشروع مسجد عبد الحميد بن باديس بذلك.  
ويعرف سكان وهران مقام سيدي عبد القادر الجيلاني منذ القدم، وكانوا يزورونه مشيا على الأقدام، من السفح لغاية قمة الجبل تبركا به، ويعرف عندهم باسم «مولاي عبد القادر مول المايدة». يعني مقام سيدي عبد القادر صاحب المائدة، وحسب بعض المعلومات، فإن صفة المائدة ترمز لدى أتباع الصوفية لكونهم كانوا يضعون مائدة عند المقام، ويغطونها بإزار توضع فيه أموال الزائرين الذين يتصدقون بتلك الأموال ،تيمنا ببركات الولي الصالح.  
وحسب الروايات فإن الولي الصالح عبد القادر الجيلاني لم يزر وهران، وأن قصة تواجد المقام المسمى باسمه في قمة المرجاجو يعود للولي الصالح سيدي بومدين بن شعيب التلمساني الذي كان ممثلا للطريقة القادرية البوتشيشية في المغرب العربي، وهي الطريقة الصوفية التي تنسب لعبد القادر الجيلاني، وكان  أحد تلاميذ سيدي بومدين، في مساره عبر جبل مرجاجو،  توقف في القمة، وأصبح مكان التوقف مقاما ومزارا، لكل العابرين ولسكان المدينة، ويسمى مقام عبد القادر الجيلاني تبركا بشيخ الطريقة القادرية.
وحسب بعض المصادر ،فإن سيدي بوتخيل ،وهو الولي الصالح للنعامة وضواحيها، هو الولي الصالح الوحيد من السلالة المباشرة لسيدي عبد القادر الجيلاني.
الجدير بالذكر أن عبد القادر الجيلي أو الجيلاني أو الكيلاني، هو أبو محمد عبد القادر بن موسى بن عبد الله، يعرف ويلقب في التراث المغاربي، بالشيخ بوعلام الجيلاني ،ولا تزال أغنية «عبد القادر يا بوعلام ضاق الحال عليا» تغنى في الجهة الغربية من الجزائر ، وبالمشرق العربي يعرف ب»سلطان الأولياء»، وهو إمام  صوفي وفقيه حنبلي، لقبه أتباعه بـ «تاج العارفين» ،و»محيي الدين»، و»قطب بغداد»، وإليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية.
 هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى