تتزايد المخاوف من التطور المتسارع و الكبير للذكاء الاصطناعي و كثرة استخداماته في كل المجالات مع توظيف الروبوت الذكي للقيام بمهام كانت منوطة بالإنسان بشكل نهائي، ومع هذا التطور الكبير، تطرح إشكاليات تتعلق باختفاء بعض الوظائف من سوق الشغل و الاستغناء عن الكفاءة البشرية لصالح الآلة والتقنيات الذكية التي يمكن أن تقوم بنفس المهام في وقت أقل وبدقة أكبر و بأقل تكلفة، وهو تحول  حتمي أكده خبراء في الذكاء الاصطناعي بأنه سيفضي إلى نهاية بعض المهن التقليدية كما نعرفها اليوم لتصبح أوتوماتيكية، فيما ستتعرض وظائف أخرى لهذه العملية جزئيا.  فما هي الوظائف التي يهددها الذكاء الاصطناعي وكيف يمكن مواكبة هذا التحول وما هي تأثيراته على سوق العمل في الجزائر؟

بدأت بوادر  التحول نحو الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي تظهر جليا وفي كل القطاعات الحيوية، من أجل تطوير كفاءة وفعالية الأداء في المؤسسات والمنظمات وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة،  حيث  كشف تقرير نشرته مجموعة غولدمان ساكس في مارس 2023، أن الذكاء الاصطناعي القادر على توليد وكتابة المحتوى يمكنه القيام بربع العمل الذي يقوم به البشر حاليا. ويشير التقرير إلى أن 300 مليون وظيفة سيتم الاستغناء عنها في جميع أنحاء العالم بسبب ما يطلق عليه «الأتمتة».  
ومن بين الأمثلة الحية والتجارب  الواقعية التي أحدثت صدى واسع مؤخرا، وبرهنت  صحة الافتراضات والاحتمالات التي تقول بأن الروبوتات ستتولى معظم المهام خلال العقد القادم  تطبيق «شات جي بي تي،»  الذي أحدث حالة من الإقبال الجارف على استخدام الذكاء الاصطناعي  التوليدي  في المهام اليومية بدءا من الكتابة التقليدية وحتى كتابة رموز التشفير، وسجل ما وصل إلى 100 مليون مستخدم نشط شهريا بعد شهرين فقط من إطلاقه.
و لم يكن روبوت المحادثة الجديد، الأول من نوعه الذي يثير مثل هذه الدهشة، فقبل شهرين من الآن، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي،  بصور وفيديوهات المذيعة «ابتكار».. مذيعة الذكاء الاصطناعي التي تمثل هوية «معهد الجزيرة للإعلام»، وفور ظهور «مقطع الفيديو» المتداول» أصيب المتابعون بحالة استغراب وقد تفاوتت وجهات نظرهم وتعليقاتهم ما بين «الإعجاب» و«السخرية» و«الذهول».

* إيمان بولغليمات مختصة في أمن البيانات الضخمة
الآلات استولت على الكثير من المهام  لكنها لا تعوض البشر
تؤكد إيمان بولغليمات، دكتورة  في الإعلام الآلي ومختصة في أمن البيانات الضخمة، أن الذكاء الاصطناعي هو عبارة عن مجموعة من الأدوات التي يمكن استخدامها وتوظيفها حسب حاجة الإنسان، و أن تقنياته  استولت على الكثير من مهام العمل الرئيسية.
وأضافت المختصة، أن من بين المهام التي يهددها الذكاء الاصطناعي، نجد الوظائف التي تتطلب إتقان مهارات البرمجة والكتابة، كالمحاسبة والإحصاء و الصحافة و الترجمة و التدريس وكل الوظائف الروتينية التي تعتمد أساسا على التكرار، و على أساسيات رياضية ثابتة.
وأشارت  بولغليمات  في ذات السياق، إلى أن المهن التي تعتمد على مهارات التفكير العلمي والنقدي، أقل عرضة لخوارزميات التشغيل الآلي التي يعتمد عليها الذكاء، بالإضافة إلى الوظائف والمهن الحرة التي تعتمد على العمل اليدوي، وتتطلب الكثير من الإبداع والجهد و الدقة، وكذا  الوظائف التي قد يهدد أي خطأ في إنجازها حياة الإنسان خاصة وأي كائن حي عامة كالجراحة الحلاقة و الألعاب الرياضية.
وأضافت المختصة، أن مهن النقل هي الأخرى مهددة بالزوال بسبب التطور الصناعي المستمر في صناعة السيارات ذات القيادة الذاتية، مع ذلك أوضحت أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي لا يمكنها التعرف على جميع العوارض المرورية ، التي قد ينجم عنها حادث مميت.
وأكدت  بولغليمات،  أن الذكاء البشري هو الذي ابتكر خوارزميات الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين جودة حياة البشر من خلال إنجاز الأعمال التي تتطلب حسابات كثيرة واتخاذ قرارات في وقت قصير جدا بناء على تحليل بيانات ضخمة، لذلك لا يمكن بحسبها، أن تحل أي آلة ذكية مكان الإنسان، وتؤدي مهمته على أكمل وجه.
 وأضافت المختصة، أن البشر يستطيعون تكييف وظائفهم مع التطورات التكنولوجيا الحاصلة من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في إنجاز مهامهم كترجمة جزء من المهمة آليا واستخدام الإبداع والذكاء والجهد الإنساني في الجزء المتبقي، كل حسب وظيفته.
مشيرة إلى أن، الذكاء الاصطناعي يعتمد على الكثير من البيانات من أجل تعليم الآلة أداء المهام المطلوب تعويضها، و أي نقص في جودة البيانات المتوفرة يؤدي حتما لنقص وعدم جودة أداء المهمة.
وأضافت، أن هناك عددا من التخصصات الجامعية التي تتطلب إعادة برمجة لتكيفها مع الذكاء الاصطناعي، وتسهيل ربطها مع وظائف يتداخل فيها الذكاء الاصطناعي والجهد البشري مع بعضهما البعض، على غرار الطب و التدريس.  
مؤكدة، بأن الجامعة هي الخزان الأساسي والمحرك الرئيسي لإطلاق طاقات شبابية،  بمعارف ومهارات تكنولوجية وقدرات إبداعية على مستوى التراب الوطني و الدولي عامة.
وترى إيمان، بأن تأثير الذكاء الاصطناعي على المهن والحياة اليومية، مرتبط بمدى تطور البلد ومدى استخدامه للتكنولوجيا الحديثة،  وتأثيره يختلف من بلد إلى آخر، مستندة إلى تحليل مؤشر المدن الذكية لسنة 2023، الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية،  الذي  احتلت فيه الجزائر العاصمة  المرتبة العاشرة عربيا والمرتبة 123 عالميا من بين 141 مدينة. وبالتالي فإن العاصمة بحسبها، قد تكون  أول المدن التي سيعوض الذكاء الاصطناعي فيها عمل الكثير من الموظفين ويساهم أيضا في تحسين جودة العديد من الوظائف الأخرى.
ولفتت، إلى أن الذكاء الاصطناعي  يعد  سلاحا بحدين وجد ليخدم البشرية و يسهل الحياة،  كما  يحتاج لمراكز بيانات و موارد ضخمة و رؤوس أموال تعجز حتى المدن المتطورة على توفيرها من أجل التعمق في فهم منتجاته و توظيفها بشكل صحيح و آمن   والحد من الأخطار التي يمكن أن تنجم عنه للحفاظ على الأمن القومي للبلاد و لمواكبة ثورة الذكاء الاصطناعية.
 ويمكن بحسب المتحدثة،  فتح قسم متخصص في دراسة الذكاء الاصطناعي في علم التدريس بحيث يسمح بدراسة و تحليل الحالة النفسية وشخصية التلميذ ومستواه الدراسي، سرعة فهمه و قدرة استيعابه مما يسمح بإجراء دروس و امتحانات مكيفة لكل شخص و بالتالي تغيير المناهج وطرق تقييم التلاميذ والتوجه إلى التخصيص.
بالإضافة إلى توفير قاعات تدريس ذكية تمكن من إنجاز تجارب افتراضية تحاكي الواقع، و تسمح بجمع بيانات حول كيفية تعلم التلاميذ والطلبة و تسجيل أجوبتهم و تصويرهم بكاميرات ذكية وتحليل كل ذلك بخوارزميات الذكاء الاصطناعي.
وأشارت في ذات السياق،  إلى أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع الأمني  من أجل تحسين وتسهيل عمل الشرطة، حيث  تسمح خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالتعرف على الأشخاص المشتبه فيهم و إرسال معلومات عن أماكن تواجدهم آنيا و دون إحداث فوضى في المكان.

* الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني
تطبيقاته مست 5 قطاعات خارج المحروقات
من جانبه، أكد الأمين العام للاتحاد الجزائري للاقتصاد والاستثمار عبد القادر سليماني، أن  الذكاء الاصطناعي تغلغل في حياتنا لدرجة أصبحنا نشهد تأثيره الكبير على سوق العمل، حيث اختفت مهن وظهرت مهن جديدة بعد الابتكارات التكنولوجية.  مشددا على ضرورة التكيف مع التحولات التي أفرزها الذكاء الاصطناعي كظهور شركات تكنولوجية و رقمية ومؤسسات إعلامية واتصالية تواكب بقوة هذا التحول.
 وبحسب سليماني، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي بالجزائر تشهد تطورا سريعا، إذ مست تطبيقاته 5 قطاعات خارج إطار المحروقات،  على غرار اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، مع ذلك إن السير نحو استغلاله بشكل أكبر  يمر كما أوضح   عبر تخصيص مبالغ مالية كبيرة، و ذكر، أن الحكومة مطالبة بمسايرة التطور التكنولوجي من خلال تكوين إطارات على مستوى المعاهد والجامعات، وكذا  تشجيع بعض المؤسسات الناشئة على الاستثمار في هذا المجال، واقتراح حلول وخيارات جديدة، بالإضافة إلى توفير بيئة مناسبة للشباب تساعدهم في الدخول إلى هذا المجال.
وأكد سليماني، أن الاقتصاد سيتأثر بنماذج الأعمال المدعومة بالذكاء الاصطناعي على غرار التجارة الإلكترونية، كمحرك اقتصادي كبير يحقق الضعف في حجم النمو الاقتصادي وزيادة كفاءة القوى العاملة،  فضلا عن إنعاش التجارة الإلكترونية والدفع الإلكتروني.
* مدير مخبر الذكاء الاصطناعي  بجامعة قسنطينة2
المهن التي تمتاز بالتفاعل الإنساني لن تتأثر
 أوضح مدير مخبر الذكاء الاصطناعي  بجامعة قسنطينة 2 عبد الحميد مهري، أستاذ الإعلام الآلي شاكر مزيود، أن من بين المهن المهددة من قبل الذكاء الاصطناعي، هي وظائف البائعين  جراء تطور تقنيات الدفع الآلي، ناهيك عن مهنة وكيل عقارات، لأن بعض خوارزميات تحليل البيانات تطورت لتقدم خدمة توصية العقارات للشراء أو الإيجار، كما سيتراجع عدد عمال المصانع    و الإنتاج من خلال تعويض الموارد البشرية بالروبوتات والبرامج المتطورة.
وأضاف المتحدث، أن المهن التي لا يمكن القضاء عليها من قبل الذكاء الاصطناعي، هي تلك التي تمتاز بالتفاعل الإنساني البشري على غرار التعليم والطب، مؤكدا في ذات السياق، بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل العلماء والباحثين، بمعنى الذكاء و الاكتشاف البشري.
ولمواكبة التطور الحاصل، يجب بحسب المتحدث، التعديل في بعض التخصصات الجامعية و دمجها مع تخصصات أخرى كالحوسبة والذكاء الاصطناعي مع التركيز على متطلبات المهن الجديدة في سوق العمل، مثل تطوير برامج تعليمية متخصصة لتدريس الأسس و التطبيقات الخاصة بمجال الذكاء الاصطناعي.

* هواري تيغرسي خبير  في الشؤون الاقتصادية
الذكاء الاصطناعي سيساهم في التنمية العلمية والاقتصادية
يرى الخبير في الشؤون الاقتصادية والبرلماني السابق بلجنة المالية والميزانية والأستاذ بجامعة الجزائر3 هواري تيغرسي،  أن العالم يتطور بشكل متسارع جدا، وبالذات في ظل الثورة الصناعية الرابعة وعصر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والعوالم الافتراضية، التي تغلغلت في عديد مجالات  الحياة الإنسانية والمهنية، على غرار المجالات العسكرية و الصناعية والتقنية و الطبية و التعليمية وحتى الخدمية.
واعتبر الخبير، العلاقة بين الذكاء الاصطناعي وتوفير مناصب العمل عكسية، بحيث كلما زاد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، قل عدد الموظفين الذين تحتاج إليهم الشركات والمؤسسات و يتم استبدالهم بآلات تحاكي الذكاء الاصطناعي.  
وأوضح، بأن هناك إمكانات وطنية هائلة غير مستغلة، والاستثمار فيها في مجال الذكاء الاصطناعي سيساهم في التنمية العلمية والاقتصادية للبلد  وبالتالي تطوير ونشر حلول عملية ومبتكرة لمشكلات القطاعات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
وتكمن أهمية الذكاء الاصطناعي بحسب المتحدث، في  استغلال الإمكانات الوطنية  بأقل تكلفة وجهد ومدخلات للعملية الإنتاجية مع الحصول على إمكانات وثروة مالية معتبرة خاصة إذ استغل الذكاء الاصطناعي  بمستوى  جدي في كل القطاعات الوزارية.
لينة دلول

الرجوع إلى الأعلى