يحتفظ طلبة الجيولوحيا، بمعهد علم الأرض والكون بجامعة الشهيد مصطفى بن بوالعيد باتنة 2، بمجموعة متنوعة من الصخور يستخدمونها لدراسة الأرض ومعرفة وفهم مكوناتها، حيث أنشأوا ناديا جامعيا أسموه جيورس، للمهتمين بهذه الكنوز التي لا تبوح بأسرارها  إلا لعشاقها، يحاورون فيه الحجر، و يستنطقونه ليروي لهم تفاصيل وحقائق عن ملايين السنوات التي تشكلت خلالها طبقات أرضنا، و نحتت على امتدادها لوحات طبيعية بديعة لا تزال تبهر الإنسان إلى يومنا.

عينات ثمينة تؤرخ لبدايات تشكل الأرض
أسس نادي جيورس سنة 2013، من أجل تلبية رغبة طلاب وأساتذة معهد علم الأرض والكون بجامعة باتنة 2، في التعمق أكثر في مقاييس هذا التخصص واكتساب معارف جديدة لإثراء المكتسبات النظرية والإلمام أكثر بمختلف الجوانب الخاصة بميدان علوم الأرض، كما كشف عنه بعض أعضائه الذين تواصلت معهم النصر.
و قد اهتم النادي منذ انطلاقه حسبهم، بكل ماله علاقة بعالم الصخور، إذ يستقبل جميع الطلاب من مختلف التخصصات، للسفر في رحلة من المتعة  والتشويق، وتقديم معلومات مفصلة حول أنواع الصخور الموجودة في الجزائر وكيفية تشكلها، إضافة إلى شروحات مستفيضة عن مراحل تشكل المعادن والصخور البركانية والرسوبية والمتحولة،  وتكوين الجبال بطريقة متداخلة، لإعطاء لمحة عامة عن العمليات الديناميكية التي تحدث بداخل للأرض كتحليل الصفائح التكتونية والنشاط البركاني والتشكلات الصخرية ونشاط الزلازل.
ويملك أعضاء النادي كما أخبرونا، عينات متنوعة وكثيرة من الصخور التي تم جمعها من أقطار التراب الوطني، والتي يعود بعضها إلى ملايين السنين، ويمكن لزائر المتحف المصغر الذي أسسوه، الاستمتاع بمشاهدة  أقدم كائن حي عمره 541 مليون سنة، تم العثور عليه في الجزائر، وهي مستحاثة  تسمى «تريلوبيت»، كانت محفوظة في صخور القشرة الأرضية بعد تحللها خلال الأحقاب الزمنية الماضية، إلى جانب عرض أقدم نوع من  قناديل البحر و يسمى «كيستنوفور»، يتجاوز عمره 700 مليون سنة، و تتضمن القائمة كذلك حسب الطلبة، نوعا من البكتيريا الزرقاء التي تعد من أقدم الكائنات الحية وجودا على الأرض، وهي بكتيريا لا تزال حية إلى يومنا هذا، ويمكنها التكاثر إذا توفرت الشروط والبيئة المناسبة لذلك.
خرجات استكشافية للسفر عبر الزمن
أكدت نائبة رئيسة النادي، فاطمة الزهراء  بومزراق، طالبة سنة أولى ماستر، تخصص جيولوجيا الأحواض الرسوبية، أن اهتمام أعضاء نادي  جيورس بالصخور، وليد  تخصصهم  الجامعي، لكونه مجالا ثريا يهدف إلى معرفة تاريخ تراكم الرسوبيات ضمن المراكز العميقة في الأحواض والعمليات التكتونية التي تشكل حفرة الحوض وتؤثر على تنوع وتوزع الرسوبيات.
موضحة، بأنها لا تقتصر على التحصيل العلمي الكلاسيكي وإنجاز البحوث فقط، بل يعد الفهم و المعرفة شغفا مشتركا بين الأعضاء الذين يعشقون كل ما يتعلق بالجيولوجيا، خصوصا الجوانب المادية أو الملموسة، كجمع أنواع مختلفة من الصخور خلال خرجات ميدانية استكشافية، ومحاولة معرفة تاريخ كل صخرة وتتبع آثار الحياة القديمة في المكان المستكشف.
وقالت محدثنا، إن البحث عن الصخور ودراسة تاريخها، ممتع وشيق لأن كل عينة من هذه الصخور بإمكانها أن تحكي قصة مختلفة، عن الحقبة  التي تكونت فيها، وعن أثر العوامل الخارجية في عملية تكوين طبقاتها التي تحتفظ بمؤشرات عما كانت عليه البيئة في فترة تكوين تلك الصخرة.
وأضافت، بأن اسم النادي «جيورس»،  مركب من كلمتين وهما جيولوجيا، وكذا جبال الأوراس،  والتي تعد حاضنة «الشاوية الأمازيغ» في البلاد، و واحدة من أكبر سلاسل الجبال بشمال أفريقيا أين توجد ثروة من الصخور الكلسية
و الحوارية.
وأكدت الشابة، بأن النادي لقي ترحيبا كبيرا من قبل الطلاب وكذا تلاميذ المؤسسات التربوية بعد افتتاحه بأشهر قليلة، بدليل التفاعل الكبير مع نشاطاتهم وورشتاهم، وتزايد عدد المسجلين للالتحاق بهم في خرجاتهم الميدانية، وأوضحت بأنهم ينظمون خرجات علمية إلى الثانويات  والمتوسطات والجامعات، لنشر الثقافة و التعريف بعلم الجيولوجيا على أوسع نقاط،عبر تبسيط الفكرة
و تقديم المعلومة بشكل مقبول وغير معقد كي يعززوا معارف  التلاميذ المترددين في الالتحاق بالتخصص بعد نيل شهادة البكالوريا.
ولأن اهتمام الطلبة كبير بعلوم الأرض، يقوم أعضاء النادي بشكل دوري بتنظيم ورشات علمية  حول المستحاثات والمعادن و الكريستالات،  لإثراء الرصيد المعرفي للمشاركين، ومساعدتهم في التعرف على مراحل تكون الصخور.
علم مهم لحماية البيئة و تحقيق الاستدامة
وعن أهداف النادي، أوضحت محدثتنا، بأنهم كأعضاء يعملون على تشجيع الطلاب على الاحتكاك بميدان الجيولوجيا والصخور وحثهم على حمايتها في ظل الدور الكبير الذي تلعبه في التوازن البيئي.
ويحرصون على برمجة خرجات ميدانية، إلى مناطق مختلفة لم يزوروها من قبل، ناهيك عن تنظيم نشاطات مختلفة ومعارض علمية في شتى الجامعات عبر الوطن، حتى يستقطبوا أكبر عدد من المهتمين بالجيولوجيا إلى ناديهم و يشدون انتباههم إلى التخصص عموما، و علم الصخور على وجه التحديد.
كما يهدف النادي كذلك، بحسب فاطمة الزهراء، إلى تأسيس معرفة داخلية في الجامعة، ليحظى كل طالب بفكرة عن أهمية دراسة علم الجيولوجيا  في وقتنا الحالي،  لكونه يوفر أنسب الحلول للتحديات التي يجب علينا أن نتجاوزها لحماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، كما أن لعلم الصخور أهمية في التنمية الاقتصادية بفضل الغاز الصخري.
 وذكرت المتحدثة، أن النادي قد نظم العديد من الخرجات الميدانية التي شارك فيها عدد كبير من الطلاب من مختلف التخصصات، زاروا خلالها مواقع مختلفة بها أنواع عديدة من الصخور، على غرار جبال بوعريف  وكاسرو و القنطرة و عين توتة، إضافة إلى مواقع بباتنة و تبسة وغيرها من الأماكن الجيولوجية الأخرى.
وتخللت هذه الخرجات تضيف فاطمة، عمليات لجمع  عينات  مختلفة  من الصخور التي تكونت عبر التاريخ، بفضل العوامل الطبيعة، إلى جانب تركيز على التعريف بطبيعتها ونوعها.
وقد كان لكل خرجة حسبها، صدى إيجابيا و دور  كبير في زيادة عدد المهتمين بالمجال، حيث يشارك معهم طلبة جدد في  كل مرة، إلى جانب طلبة أوفياء دائمي الاهتمام بالتعرف على مكونات البيئة التي تتميز بها الجزائر القارة.
الجزائر منجم جيولوجي متفرد إفريقيا وعربيا
ممثلة نادي جيورس، قالت إن أكثر ما لفت انتباه المشاركين في الخرجات الميدانية السابقة، هو التنوع الكبير الذي تتميز به مختلف المناطق في  بلادنا الحبيبة، سواء تعلق الأمر بالعناصر البيئية أو أنواع الصخور والمعادن، وذلك مقارنة بالعديد من البلدان الكبيرة الأخرى، التي لا تتوفر على أكثر من صنفي أو اثنتين من الصخور رغم شساعة المساحة، وهو ما أرجعته المتحدثة، إلى العوامل الطبيعية والتاريخ الجيولوجي  للجزائر و الذي لعب دورا كبيرا في كيفية تكوينها.
وأشارت في معرض حديثها، إلى أن تنوع الصخور في بلادنا يعد نموذجا جيولوجيا متفردا في إفريقيا وعربيا، بدليل أن بعض المناطق الجيولوجية تتوفر على ثلاثة أنواع رئيسية من هذه الكنوز، وهي الصخور الرسوبية و المتحولة و الماغماتية.
وذكرت، أن الصخور المحلية تحوز على أهم العناصر التي يبحث عنها الجميع في أيامنا هذه، لاسيما الغاز الطبيعي والنفط، كما تضم  العديد من الأحافير التي تساعد على التعرف على الحياة القديمة، مشيرة في ذات السياق، إلى أن الصخور مصدر كبير جدا للمعادن المهمة مثل الحديد والفوسفات و المغنزيوم وغيرها.
لينة دلول

 

الرجوع إلى الأعلى