الأطفال حلقة محورية   في احتفالات"الميلودية"بالجنوب
لا زال الشيوخ و مريدو الزوايا بالكثير من مناطق الوطن يحرصون على إشراك الأطفال في احتفالات المولد النبوي الشريف من خلال منحهم مقاما مهما فيها حسب عدد من الباحثين و الموسيقيين المشاركين في الملتقى الدولي للأنثروبولوجيا و الموسيقى الذي احتضنته مؤخرا قسنطينة، و الذين تحدثوا عن دور "الميلودية" في مناطق الجنوب في الحفاظ على الموروث الثقافي المتميّز.
و ذكر الموسيقي سليم دادا بأن مدينة الأغواط الواقعة على بعد 400كلم جنوب العاصمة على غرار عديد المدن بمختلف مناطق الوطن، تشهد احتفالات متميّزة لذكرى مولود خير الأنام، خاصة في الزوايا و ذلك طيلة شهر ربيع الأول، أين تردد الكثير من الأذكار و الأناشيد و المدائح في مناسبة يطلق عليها الميلودية، و التي تتنوّع بها البرامج الدينية و الأدبية و الإنشادية و التي يستمتع بها العامة حتى لو لم يغادروا منازلهم لأن مكبرات الصوت بالمساجد و حتى الزوايا تمنحهم فرصة الاستماع كل ليلة  بين صلاة المغرب و العشاء إلى أصوات الأطفال و هم يرددون بكل ثقة ما اعتاد الكبار على فعله في المناسبات الدينية المهمة من مدح للرسول و تهليل و تكبير، حيث جرت العادة  إشراك البراعم في هذه الحفلات المهمة ببعدها الديني و الاجتماعي و الثقافي.
و تطرّق الباحث إلى الطريقة الشاذلية من خلال وصف الأجواء الاحتفالية بجامع الدراوييش أين يتقدم الجميع شيخ الطريقة أو ما يعرف محليا باسم المقدّم، يحيط به المريدون و من بينهم الأطفال الذين يتم وضعهم في زاوية خلفية، ثم تبدأ المراسيم التي تتم حسب رزنامة مضبوطة منذ اليوم الأول إلى غاية اليوم العاشر من الشهر الهجري ربيع الأول، إنشاد قصائد الميلودية، أما في اليوم الثاني عشر منه يتم قراءة قصيدة البرزنجية، و بعد مرور أسبوع على ذكرى المولد يلتقي الجمع من جديد لإحياء مراسيم الأسبوع الأول و التي يتم خلالها قراءة أجمل ما نظم في مدح الرسول من قصائد عبر العصور مع الابتهالات.
و من أهم ما يتم ترديده مقتطفات من  أشعار البوصيري، و الرافعي و كذا ديوان سيدي بهلول الطرابلسي تختم بقصائد الحمد و الشكر، مع الدعاء قبل الانتقال إلى ما يعرف بالحوارية التي تتم بين البالغين و الأطفال و التي يستمتع فيها الصغار كثيرا.
و بخصوص الألحان الموسيقية للميلودية المتوارثة، فاعتبر الباحث أنها عديدة منها ما يعود للتراث الموسيقي المحلي بملامح بدوية تجمع بين الياياي و النايلي و طبوع أخرى شبيهة بتلك الموجودة بتونس و بعضها قريب من القدود الشامية.
و إشراك الأطفال و النساء في الميلودية بحسب ما نقله عدد من الباحثين المهتمين بأجواء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عن شيوخ الزوايا و المساجد، فله عدة مقاصد اجتماعية، ثقافية و روحانية، أهمها خلق التواصل بين مختلف الأجيال، و جمع الصغار ببيت الله و شدهم إليه.
و تختلف ممارسات الميلودية عند الأطفال حسب القسم التعليمي الذي ينتمون إليه، فإذا كانوا في الصف الأول فهم مطالبون بالإنصات و الحفظ، أما الصف الثاني فبإمكانهم ترديد ما يقوله من هم أكبر منهم سنا من زملائهم، فيما يحق للمنتمين في الصف الثالث ترديد ما ينشده و يقرؤه البالغون، و أخيرا يسمح لأطفال الصف الرابع بالمشاركة في المحاورة و التي تبنى على السؤال و الجواب يقوم خلالها الأطفال تارة بالمساءلة و تارة أخرى بالإجابة.
و من جهته اعتبر الباحث خالد محمد، الأطفال حلقة مهمة في احتفالات الميلودية التي لا زالت تمارس بالكثير من الزوايا، مؤكدا استمرار اهتمام الأولاد بالجنوب بمثل هذه المناسبات رغم انشغالاتهم و انسياقهم وراء ما فرضه العصر بكل متغيراته، و شدد على ضرورة التمسك بمثل هذه العادات العاكسة للأصالة و الثراء الثقافي والتراثي.
مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى