أطفال يتقنون الفرنسية ويتيهون في أبسط إستعمالات العربية
يعاني عدد كبير من الأطفال من نسيان جزئي لمفردات اللغة العربية المهمة، فيما باتوا يتقنون نطق جل الأشياء باللغة الفرنسية، نتيجة تعليم مكثف للغة الأجنبية الأولى بالبلاد التي أصبحت هاجسا لأولياء يحاول بعضهم تحسين مستوى أطفالهم، في ظل تدني مستوى هذه اللغة بالمدارس بشكل عام، و آخرون يبحثون عما يصفه مختصون بـالتباهي .

الشــارع لإستعــادة العربيــة
حيث تباينت النقائص التي أفرزها التركيز على تعليم اللغة الفرنسية على مستوى رياض الأطفال، الظاهرة التي تسجل ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة، حيث يعكف الأولياء على إلحاق أطفالهم بهذه المؤسسات لأجل اتقان اللغة الفرنسية أكثر من العناية بهم أثناء الانشغال بالعمل، كوضعية أمهات كثيرات ماكثات بالبيت، قلن للنصر بأن لا سبب غير تعلم الفرنسية وراء حرصهن على التحاق أطفالهن بالروضة، في ظل ما تعانيه المدرسة الجزائرية من تدن للمستوى يبدأ في الظهور منذ الطور الابتدائي و يستمر حتى دخول مجال العمل.
النصر التقت ببعض العينات من الأطفال، و إن سجلنا اختلافا نسبيا لديهم في مستوى اتقان الفرنسية، إلا أن نسيان الكثير من المصطلحات باللغة الأم، يعتبر عاملا مشتركا سجلناه لديهم، أروى واحدة من هؤلاء، تقول والدتها بأنها بدأت تعلم الفرنسية على مستوى الروضة، و مع اتقانها لها بعد سنتين من التحاقها، فإن الوضع أفرز بعض النتائج السلبية بمرور الوقت، حيث أصبحت لا تعرف أسماء أشياء كثيرة باللغة العربية، مثل الألوان التي تقول الأم بأنها تعاني اليوم في تلقينها إياها بالعربية، لأنها تذكرها بالفرنسية فقط.
و تؤكد أم علي أن ابنها أصبح نادرا ما يتحدث العربية، خاصة و أنها و الأب يحرصان على إدارة الحوار المنزلي بالفرنسية، كما يحدثانه دوما بها، بدلا من العربية، الأمر الذى أدى لنسيانه لمصطلحات كثيرة باللغة العربية و خلف إشكالا بات من الضروري تداركه، خاصة و أن علي سيلتحق بمقاعد الدراسة في الصف الأول من التعليم الابتدائي في العام المقبل.
أم أروى، أكدت لنا أن اكتشافها للنقص الذي تعانيه ابنتها في اللغة العربية ، جعلها تشعر بالخوف عليها، خاصة و أنها ستبدأ الدراسة في الابتدائي قريبا، حيث توجهت إلى الروضة ، و طلبت من الإدارة تكثيف دروس العربية، كما أنها بدأت في تغيير أسلوب الحوار معها، من خلال إدخال مصطلحات عربية قصد تدارك الوضع،  كما تقول، عوضا عن الفشل في الدراسة.
كما حدثتنا الوالدة عن تجارب كثيرة لأمهات أطفال زملاء لابنتها بالروضة، حيث تقول بأن إحداهن لجأت إلى إخراج ابنتها للعب مع أبناء الجيران في الشارع، بعد أن كانت ترفض ذلك في السابق و تعتبره أسلوبا لا حضاريا يؤثر سلبا على سلوك الأطفال، و ذلك من أجل احتكاك ابنتها بأقرانها و استرجاع اللغة العربية التي تكتسبها من خلال اللعب أو الحوار.

أمهـات يشترطـن لغــة  مـولييــر فـي الروضـة

و تؤكد مديرة روضة الأطفال «ليليا ملاك بهراوة» بالجزائر العاصمة، السيدة بن خروف نورة، أنها كمسؤولة عن واحدة من هذه المؤسسات بالجزائر، تسجل طلبات كثيرة لأولياء بتعليم أطفالهم الفرنسية، علما بأن غاية الكثيرات تكمن في  التعليم خاصة مع تزايد أطفال الماكثات بالبيوت داخل رياض الأطفال، و تضيف السيدة بن خروف بأن الأمر وصل مع بعض الأمهات، حد طلب تعليم الفرنسية فقط دون العربية.
و ترجع المسؤولة الوضع بالدرجة الأولى، إلى الحرمان الذي عاشه الأهل في الصغر، و حرصهم على تجنيب أطفالهم ما عانوه، فضلا عما تسميه بـ»الزوخ» أو التباهي وسط المجتمع، على الرغم من أن ذلك يعتبر دخيلا على مجتمعنا، مشيرة ، إلى بعض العقد لدى الآباء الذين يحاولون التخلص منها من خلال أطفالهم، دون وعي منهم بخطورة ما يقومون به، خاصة بالنسبة للأسلوب الذي يتبعه بعضهم في تلقين أطفالهم و الذي غالبا ما يترك نتائج سلبية لديهم، إذا ما كانوا غير أسوياء، مما يعرض الطفل لفقدان التركيز و سلوكات أخرى، كالتبول اللاإرادي.

التعليـم الإستباقـي يحسـن مستـوى اللغــة الأجنبيــة

ترى أستاذة التعليم الابتدائي «حضني.ف» بأن مستوى اللغة الفرنسية لدى الأطفال متدني، غير أنها تعترف ببداية تحسنه خلال السنوات الأخيرة، ما ترجعه إلى المستوى الثقافي لدى الأولياء من جهة، و ما تسميه بالتعليم الاستباقي لهذه اللغة لدى الأطفال على مستوى الروضة من جهة ثانية، و تؤكد بأن هذه الأخيرة تساهم بشكل كبير في رفع المستوى، إلا أنها تتحدث عن معاناة بعض الأولياء من نسيان أبنائهم لبعض المصطلحات العربية،حسب ما أكدته تجارب عايشتها. و تنصح المعلمة التي تحمل خبرة 31 سنة في المجال، الأهل بالاعتناء بتعليم أطفالهم، مع الحرص على اللغتين، بدلا من تلقين واحدة على حساب أخرى، خاصة و أن العربية تبقى اللغة الأم، فيما تأتي الفرنسية في الدرجة الثانية، خاصة و أن الأطفال الأسوياء قابلون للتلقي و تعلم أكثر من لغة،حسب ما تؤكده السيدة بن خروف. و بين العربية و الفرنسية، يتوه الكثير من الأطفال في دوامة يحركها أولياء لا يهتمون بأطفالهم، بقدر ما يهتمون بأنفسهم، لكي يقول أفراد في المجتمع ابن فلانة ممتاز في دراسته، أو يخفض آخرون أصواتهم انبهارا بابن فلانة الذي يتقن الفرنسية أفضل من الكبار، و العينات كثيرة لأفراد يحاولون الانسلاخ عن مجتمع يحكمه عمق تقاليد لا تتلاشى لا مع المظهر و لا مع اللغات الأجنبية.
إيمان زياري

الرجوع إلى الأعلى