الربيع العربي فيه لمسات الثورة و أوهام السراب والكثير من المؤامرات
قال الدبلوماسي المخضرم وزير الخارجية الأسبق لخضر الإبراهيمي أن الجزائر محصنة ضد التدخلات الخارجية والاضطرابات على الرغم من وجود محاولات في هذا السياق، و هو غير متخوف على الجزائر، لكنه نبّه وحذّر في نفس الوقت من أن آثار ما جرى ويجري في المنطقة العربية منذ خمس سنوات سيستمر على بلادنا، التي لا يمكنها أن تعزل نفسها عما يجري حولها.
شرّح وزير الشؤون الخارجية الأسبق والمبعوث العربي والدولي السابق إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي أمس في ندوة بمقر مجلس الامة ما سمي «الربيع العربي» من جميع الجوانب، و تساءل في مداخلته التي حضرها رئيس المجلس عبد القادر بن صالح ووزير الدولة وزير  الشؤون الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة ووزراء سابقون و أساتذة وباحثون ومهتمين عما إذا كانت الأحداث التي عرفتها المنطقة منذ خمس سنوات سميّت حقا أو باطلا ربيعا عربيا؟ وهل هي ثورة أم سرابا أم مؤامرة؟.
وبالنسبة للمتحدث فإنه مهما كان رأي كل واحد فمما لا شك فيه أن «أحداث السنوات الخمس الأخيرة كانت مهمة ومثيرة جدا، ولا شك أن آثارها ستستمر على بلادنا وعلى المناطق المجاورة لنا شمالا وجنوبا وشرقا، كما أن أقطارنا لا يمكن أن تعزل نفسها عما يجري حولها».
وسبق للأخضر الإبراهيمي أن أكّد في رد عن سؤال حول محاولات التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر أن «الجزائر محصنة نفسها رغم وجود محاولات و أطماع» مضيفا أنه رغم وجود «مشاكل فيما بيننا ومشاكل مع البعض إلى أني لست متخوفا كثيرا على الجزائر»، وفي نفس السياق قال بأنه غير متخوف من عودة فرنسا ولا يوجد خوف في هذا الجانب.
الربيع العربي..لمسات الثورة.. أوهام سرابية ومؤامرات كبيرة
 وخلص المبعوث العربي والدولي السابق إلى سوريا في إجابته عن الاشكالية التي طرحها في  مداخلته والتي جاءت تحت عنوان» الثورات العربية.. حقيقة..  سراب أم مؤامرة؟» إلى أن الأحداث التي عرفتها المنطقة في السنوات الخمس الأخيرة «كانت مهمة ومثيرة جدا فيها لمسات الثورة وذلك واضح وضوح الشمس، لكن فيها في بعض وجوهها الأوهام السرابية، وفيها أيضا من التآمر الخارجي السافر على الكثير من الأقطار العربية».
لكن قبل هذا قدم المتحدث صورة شاملة عن الأوضاع التي كانت سائدة في المنطقة العربية قبل اندلاع الأحداث، وعن العديد من العوامل التي ساعدتها، وذلك عبر عشر ملاحظات تلاها الواحدة تلو الأخرى، فقال في أولها إذا كانت هذه الاحداث ثورة فهي ثورات متعددة، و إذا كانت سرابا فلونه يختلف في كل بلد، أما إذا كانت مؤامرة فهي مؤامرات عدة أحيكت لكل بلد على حدا، وليس معنى هذا أن لا شيء يقرب بين هذه الأحداث والتطورات التي تشهدها الدول التي وقعت فيها، فأوجه التشابه موجودة، غير أن وضع كل بلد يختلف عن الوضع في البلد الآخر، وفي كل بلد تتلون الأحداث بخصوصيات تاريخية وسياسية وثقافية واجتماعية عما هي عليه في البلد الآخر.
واعتبر الابراهيمي أن الحدث الذي وقع في سيدي بوزيد( تونس) في 17 ديسمبر من عام 2010 حدث عظيم سيتذكره الجميع، لكن ما تبعته من أحداث في كل الدول الأخرى لم يأت من العدم، بل سبقتها احداث أخرى ساعدت على حدوثها وتطورها، وذكر في هذا المقام التدخل العسكري الروسي في افغانستان والمقاومة الشرسة للمجاهدين له، ثم قدوم الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية لنصرتهم وهو ما خلق أسامة بن لادن والقاعدة والافغان العرب، ولكل واحد منهم اثر على ما جرى بعد ذلك.
من المؤثرات الأخرى التي ساعدت الأحداث «الثورة الخمينية» التي قال أنها بدت مسلمة شاملة ثم ما لبثت ان تحولت الى شيعية متطرفة وزادت حدتها مع الحرب العراقية الايرانية، ثم جاء العدوان الأمريكي على العراق الذي أدى إلى تسليم العراق العربي بشكل شبه كامل للنفوذ الإيراني عبر تسليم الأمريكان السلطة للمليشيات الأكثر ارتباطا بإيران، وبذلك صارت إيران تحكم العراق، وتمارس نفوذا كبيرا في لبنان عبر حزب الله، ولها سلطة في سوريا تفوق بكثير النفوذ الروسي، ولها نفوذ في اليمن وتتدخل في دول الخليج خاصة البحرين.
هذه الحقائق صبغت المنطقة في الحقب الأخيرة وكان لها أثر فيما يسمى الربيع العربي وتطورات مساره، كما تحدث في هذا السياق عن التقييم الخاطئ لهذه الأحداث من طرف الغرب والإخوان المسلمين الذين رأوا في البداية أن الاحداث لن تؤدي إلى اسقاط النظام لا في تونس ولا في مصر.
 وانطلاقا من التقييم الخاطئ للغرب في كلا من تونس ومصر، حرص الغربيون بعد ذلك على عدم ارتكاب نفس الخطأ بالنسبة لسوريا وعليه توقعوا سقوط النظام في ظرف شهرين، لكن الوضع السوري كان مختلفا تماما، ووحدهم الروس من قالوا أن النظام لن يسقط بالسرعة التي وقعت في تونس ومصر.
سوريا لن تقسم لكنها مهددة بالصوملة
وعندما انتقل وزير الخارجية الأسبق للحديث عن الملف السوري قال أن بشار الاسد الذي قدم نصائح للقادة العرب في حديث للصحيفة الأمريكية «وول ستريت جورنال» بتاريخ 30 جانفي  2011 بضرورة أن يتجاوبوا مع المطالب السياسية والاجتماعية لشعوبهم، لم يكن رد فعله يتماشى مع هذه النصيحة عندما بدأت المظاهرات في درعا، وبعد أن عرج عن الوضع السوري بكل ما يعرفه عن هذا الملف وفي رده عن احتمال تقسيم هذا البلد قال الابراهيمي أنه «لا يتصور أن تقسم سوريا لكن الخوف من صوملتها» ، أي أن تتحول إلى صومال ثانية حيث تنتهي الدولة نهائيا ويحل محلها أمراء الحرب.
وعليه يرى أن الأمل معقود اليوم على التقارب الروسي- الأمريكي لحل هذه المعضلة، لأن السوريين غير قادرين على حلها، وكذلك دول المنطقة عاجزة، فلم تبق إذن سوى الدائرة الأوسع وهي الدائرة الدولية، مضيفا أن أزمة اللاجئين ووصولهم إلى أوربا هي التي خلقت صحوة لدى العالم وخاصة لدى الغرب، لذلك قد يعملون على حل الأزمة السورية،  مع أن كل الأطراف تضع مصلحتها أولا قبل مصلحة الشعب السوري.
وتحدث في هذا السياق عن النفوذ الإيراني القوي في سوريا الذي يتجاوز النفوذ الروسي وكذا وقوف الصين إلى جانب نظام الأسد واختبائها وراء روسيا.
 أما بشأن الأزمة الليبية فقد حمل المتحدث مسؤولية خراب هذا البلد للتدخل العسكري الغربي الذي قاده الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي و صديقه برنار هنري ليفي، وهو التدخل الذي جاء ظالما ظلما شديدا للشعب الليبي ووقف في وجه المحاولات الإفريقية التي كانت تسعى لحل الأزمة.وفي اليمن هناك وضع قبلي يشبه الوضع الأفغاني حيث بإمكان اي غاز الدخول إلى هذا البلد لكن الخروج منه غير مضمون  معلقا آمالا كبيرة على مفاوضات جنيف لإنهاء الصراع هناك.
ولدى رده عن سؤال حول الخلاف السعودي- الإيراني قال أنها مشكلة كبيرة جدا وهي قضيتنا جميعا وعلى الدول الإسلامية أن لا تسمح باستمرار التناقض الموجود بين الدولتين، كما شدد على أن التجربة التونسية جديرة بالاهتمام اكثر من غيرها، و أن الجامعة العربية ضعيفة.
  محمد عدنان

الرجوع إلى الأعلى