في خضم الجدل البيزنطي العقيم الذي تحاول أوساط إعلامية و جهات سياسية، فرضه عنوة على الرأي العام الوطني هذه الأيام حول قضية بيع مؤسسة إعلامية إلى رجل أعمال يدعونه «بيرليسكوني الجزائر»، تواصل الدولة الإجتماعية دون مكبرات صوت تحقيق حلم الملايين من الجزائريين في الحصول على سقف آمن يحفظ كرامتهم و كرامة عائلاتهم .
أمس فقط أشرف وزير السكن و العمران و المدينة في احتفالية بالعاصمة ،على تسليم مفاتيح الدفعة الأولى من سكنات برنامج البيع بالإيجار لفائدة مكتتبين انتظروا شققهم منذ 15 سنة كاملة، و للمرء أن يتصوّر فرحة هؤلاء الآلاف من الجزائريين الذين تحقق حلمهم في صوم رمضان هذا العام في بيت يملكونه حقيقة، مع العلم أن مفهوم ملكية الشيء في مخيلة الجزائري تجعله أكثـر ارتباطا و تعلقا بالمحيط الذي يعيش فيه.
العملية هذه ليست الأولى و لن تكون الأخيرة، فقد وزّعت الدولة الجزائرية بسخاء لا مثيل له، ملايين السكنات و الإعانات في مجال البناء، منذ أن ربط الرئيس بوتفليقة في عهدته الإنتخابية الأولى، الحصول على سكن باحترام كرامة الإنسان و آدميته، و التي تجسّدت في برنامج المليون و نصف المليون سكن الذي يبقى شاهدا على حقبة تاريخية عرفت نبات العديد من المدن الجديدة التي لم تكن مذكورة و إعادة إعمار قرى في أعالي الجبال النائية و القضاء على مئات الأحياء القصديرية و ترحيل قاطنيها.
و استكمالا لنفس السياسة الإجتماعية للدولة الجزائرية في مجال الحفاظ على كرامة الإنسان و رغبة من الحكومة في إشاعة الفرحة و البهجة في صفوف العائلات، من المقرر أن تشهد مختلف ولايات الوطن عشية رمضان و طيلة شهر الرحمة و الصيام، توزيع مئات الآلاف من السكنات من مختلف الأشكال و الصيغ المعتمدة قصد الإستجابة لجميع الطلبات التي لا تزال عالقة إلى اليوم رغم المجهودات المبذولة و الإعتمادات الخرافية التي صرفتها الدولة في هذا القطاع الحساس.
و في قراءة بسيطة للأرقام الفلكية التي تعلن عنها وزارة السكن و المؤسسات التابعة لها، يسجل الخبراء المتابعون لملف السكن أن الدولة قد بدأت بالفعل تتحكم في هذا الملف الذي أعيا الحكومات المتعاقبة و التي كانت تعتبره “ غولا” لا قبل لها بمصارعته أو التحكم في آثاره.
و أصبح الحديث اليوم في ظل المجهودات الجبارة التي يبذلها الوزير تبون و جنوده دون ضجيج، عن حقيقة امتصاص أزمة السكن بشكل تدريجي مع مطلع العام القادم، حيث أن المسؤولين عن القطاع لم يعودوا يعيشون تحت الضغط الرهيب المسلّط عليهم منذ الثمانينات إلى غاية منتصف الألفية، أين كان الحصول على سكن يعدّ ضربا من الخيال للمحظوظين ،في ظل الأزمة التي جعلت ثمانية أشخاص يبيتون في غرفة واحدة.
كان بالأمس الحصول على سكن مهما كانت صيغته الإدارية يعادل الحصول على المواطنة الكاملة، واليوم أصبح بإمكان عائلات الحصول على سكنات بعدد أفرادها المتزوجين و حتى غير المتزوجين.الأكيد أن القضاء على أزمة السكن ببلادنا سوف لن يكون غدا، بحكم الطلبات اليومية التي تتهاطل على دواوين الترقية و التسيير العقاري، ذلك أن الدولة مطالبة بمواصلة الإستثمار بنفس الوتيرة قصد الإستجابة للطلبات المتزايدة للجزائريين الذين يتكاثرون بشكل سريع، حيث سيبلغون المائة مليون نهاية القرن.
و يبدو أن الإنجاز المكثف وحده لا يكفي لإمتصاص أزمة السكن في بلادنا، فالدولة مطالبة أيضا بتسيير حظيرة السكن و حمايتها من المضاربين الذين يشترون عقارات و يتركونها شاغرة.  إن الإجابة على أسئلة محيّرة مثل لماذا لم ينخفض سعر العقارات في الوقت الذي تطرح فيه الدولة سنويا سكنات و محلات بملايين الوحدات، ستساهم لا محالة في فهم عناصر الأزمة.
النصر 

الرجوع إلى الأعلى