يشكل حلول شهر رمضان المبارك حالة استثنائية لدى عموم الجزائريين.. فتراهم يدخلون في حالة استنفار قصوى لاستقبال هذا الشهر الفضيل الذي هو في الحقيقة شهر يخص العلاقة بين العبد وربه، وبينه وبين ذاته لا أكثـر ولا أقل.
 لكن العادة والتقليد عندنا – ولا ندري من أين جاءت هذه السلوكيات – جعلت من هذا الشهر و كأنه حالة مستعجلة وغير طبيعية.. لابد لكل واحد منا أن يتأهب ويحسن الاستعداد لها، على الرغم من أن كل الأشياء تبقى في مكانها في رمضان عدا توقيت الأكل والشرب والإمساك.
 وتبدأ أول مظاهر هذه الحال قبل حلول هذا الشهر بأيام بل وبأسابيع عدة لدى الكثيرين، عندما يبدأ الحديث عنه وكأنه عاصفة قادمة لا نعلم مداها وسرعتها ولا على أي شكل ستكون، على الرغم من أننا نصوم كل عام وينقضي الشهر بسرعة ثم نعود مجددا لعاداتنا السابقة، ولا شيء يتغير.
 وهذه المظاهر في الحقيقة من العادات السيئة التي يختبئ وراءها الكثير من المواطنين، ويبررون بها سلوكياتهم وطبائعهم و كسلهم، فترى عندئذ  مواطنا يؤجل مواعيده إلى ما بعد رمضان ويتجنى على الشهر وكأنه يحرم العمل والمواعيد والتنقل وهو منها براء، و يغلق الآخر على نفسه داخل غرفته ويحذر الناس من الاقتراب منه طيلة هذا الشهر، تحت عنوان
" يغلبني رمضان".
 وفي مشهد آخر أضحى حلول الشهر الفضيل مرادفا للأكل والشرب  وصلاة التراويح فقط، يتكلم الناس عن المصاريف الزائدة في هذا الشهر وضرورة الاستعداد لها والادخار لتمضية رمضان، ويتخذون من ذلك مشجبا لتبرير الأموال التي تصرف في استهلاك الحلويات وغيرها دون مبرر ودون فائدة صحية تذكر، وينسحب هذا على المستوى الفردي كما على المستوى الجماعي، عندما ترى مثلا مسؤولا في مجال التجارة أو الفلاحة يتحدث عندما يقترب رمضان عن توفر اللحوم والخضروات والفواكه وغيرها، ولا يتحدث طيلة العام عن هذه الوفرة وكأن 40 مليونا من الجزائريين لا يأكلون إلا في شهر رمضان.
وعلى هذا النحو يستعد الناس عندنا بشيء من الإفراط والغرابة لاستقبال شهر رمضان، وهو ما لا تجده ربما في دول عديدة مسلمة مثلنا، التي يستقبل فيها الناس رمضان بشكل عاد، فنرى مثلا تجارا يحوّلون طبيعة نشاط محلاتهم من بيع الألبسة أو الخردوات أو حتى من محل لتصليح السيارات إلى محل لبيع «الزلابية» وما شابهها من الحلويات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.  ومثل هذه السلوكات التي ترمي في الحقيقة إلى استغلال رمضان للربح، تغرس في نفس الوقت  طبائع غير سليمة في النفوس، وتعطي الانطباع بأن رمضان لابد له من كل هذه الحلويات وكل هذا الكم من الأكل والشرب، وحالة نفسية غير مفهومة.   ومع أن الكثير من الأكل الذي يجلب في رمضان يرمى في نهاية المطاف في سلات  المهملات، وعلى الأرصفة ومداخل العمارات إلا أن صاحبه لا يستحي بعد نهاية الشهر من التفاخر بأنه خرج من رمضان وهو مدان بكذا مبلغ من المال. إن شهر رمضان بريء كل البراءة من هذا الارتباك الناشئ لدى العامة، وهو بريء من كل السلوكيات المرضية التي تلصق به ظلما وبهتانا، ومن التبذير ومن الأكل الكثير، فهو حالة وشكل من أشكال العبادة، ولا علاقة له بالأسواق والمطابخ.
النصر

الرجوع إلى الأعلى