وادي الحد .. حي شعبي ضحية السمعة السيئة  والتجارة الفوضوية
تحوّل حي وادي الحد بقسنطينة في السنوات الأخيرة، إلى مقصد للباحثين عن السلع و الخدمات، بعد أن أنعش انتشار المحلات الحركية  به و خّفف من نظرة الخوف و التوجس التي كان يحملها الكثيرون عنه، حيث صارت الأحياء المنجزة على أنقاض بنايات تعود إلى الحقبة الاستعمارية، أقطابا صغيرة للتجارة، في وقت يحاول أبناء الحي التخلص من السمعة السيئة التي لحقت بهم، جراء ظروف أمنية و مشاكل اجتماعية نتجت عن نزوح ريفي كبير حوّل وادي الحد من حي سكني صغير و هادئ، إلى مركز للأكواخ القصديرية و نقطة سوداء بالمدينة.
روبورتاج: سامي حباطي/ تصوير: الشريف قليب
النصر تنقلت في هذا الروبورتاج إلى الحي، و تقربت من ساكنيه لنقل جزء من حياتهم اليومية داخل وادي الحد، الذي يضم مزارع من العهد العثماني و منازل تعود للحقبة الاستعمارية، فضلا عن أنه يمثل واحدا من أقدم الأحياء مقارنة بالتجمعات السكنية المجاورة له، على غرار سيدي مبروك و الدقسي.
يروى عمي بلقاسم البالغ من العمر 70 سنة، و هو أحد أقدم الساكنين بوادي الحد، تاريخ الحي و الظروف التي انتهت بأولى العائلات به سنة 1957، بعد انهيار مساكنهم بباردو إثر فيضان شهدته مدينة قسنطينة آنذاك، حيث نقلتهم السلطات الاستعمارية في البداية إلى حي المنصورة بشكل مؤقت، قبل أن تحولهم إلى ضفة وادي الكلاب كما كان يسمى آنذاك، بالجهة المتاخمة لحي ساقية سيدي يوسف اليوم، و أطلقت على تجمعهم السكاني اسم حي "غاريغليانو"، في حين قال سكان آخرون أنهم رحلوا إلى وادي الحد من حي الكيلومتر الرابع بعد نفس الفيضان.
ساكن باع أراض لا يملكها للنازحين من قرى الولايات المجاورة
وأشار عمي بلقاسم، العضو السابق بالمجلس الشعبي البلدي لبلدية قسنطينة، أن وادي الحد كان هادئا جدا و يخلو من المشاكل و الجريمة، فضلا عن أن القاطنين به يعرفون بعضهم جيدا، حيث عاشوا سنوات جيدة قبل الاستقلال و بعده، عبّر عنها بالقول "نحن كالأسرة الواحدة و كنا نقتسم قطعة الخبر فيما بيننا"، لكن الأمور، حسبه، بدأت تتغير مع بدء النزوح الريفي أوائل سنوات السبعينيات، أين أخذت الأكواخ القصديرية في الانتشار على أطراف وادي الحد، ليبلغ الأمر ذروته خلال التسعينيات، بسبب لجوء عشرات العائلات إليه، بعد بيعها أملاكها بالقرى الجبلية لولايات جيجل و ميلة وغيرها، هربا من نير الجماعات الإرهابية و الاضطرابات الأمنية، فضلا عن بعض القادمين من تونس الذين لا يزال السكان يسمونهم إلى اليوم بـ"اللاجئين"، و هو نفس الإسم الذي يطلقونه على الأماكن التي سكنوا بها.
و أضاف محدثنا أن بعض النازحين اشتروا منازل بالحي، فيما اضطر الفقراء منهم إلى إنجاز أكواخ قصديرية، ليستغل أحد القاطنين القدماء بالحي الأمر، و يقوم ببيع قطع أرضية بالجهة المقابلة لمنزله للنازحين، بالرغم من عدم ملكيتها له، ولا يزال هذا الحي القصديري يحمل اسمه إلى غاية اليوم حسب عمي بلقاسم، الذي أرجع المشاكل الأمنية و السمعة السيئة التي ارتبطت به إلى ظهور بعض المجرمين من أبناء العائلات القاطنة بالأكواخ القصديرية، جراء الظروف الاجتماعية القاهرة التي نشأوا فيها، مشيرا إلى أن الهدوء بدأ بالعودة تدريجيا إلى وادي الحد بعد ترحيل سكان أحياء الصفيح خلال الخمسة عشر سنة الماضية.
أما السكان الآخرون الذين تحدثنا إليهم، فقد ذكروا أن وادي الحد كان عبارة عن أراض فلاحية شاغرة بعد الاستقلال، و حتى الطريق المحاذية له والمؤدية إلى حي جبل الوحش، كانت تستغل من طرف الشباب في لعب كرة القدم، في حين لا تزال تتواجد مزرعة قديمة مسماة بـ"الزاوش"، نسبة إلى لقب العائلة المالكة لها، يعود تاريخها إلى العهد العثماني حسب السكان، حيث لاحظنا أن المزرعة منجزة بالحجارة و ذات شكل قديم و تقع على الضفة الأخرى من وادي الحد، في الجهة القريبة من حي المنى.
شباب يسعون لتحسين سمعة الحي  و منحرفون يدّعون الانتساب إليه
و نبه ساكنو وادي الحد الذين تحدثنا إليهم بأن عددا من المنحرفين و المجرمين يدّعون الانتساب إلى الحي، مشيرين إلى أن بعض متعاطي الكحول و غيرهم يلجأون إليه، بالرغم من أنهم لا يقطنون به، ما أضرّ أكثر بسمعة الحي، بالرغم من تأكيدهم على أن لوادي الحد "حرمته" على حد تعبيرهم.
و أكد لنا آخرون أن السرقة تراجعت بشكل كبير داخل وادي الحد بالرغم من أنها دفعت بالعديد من المواطنين إلى التوجس من ركن سياراتهم داخل أنهجه، مشيرين إلى أنها لم تعد مسجلة بالقرب من المساكن مثلما كان الأمر في السابق، لكن بعض الحوادث لا تزال تسجل على مستوى الأماكن المحيطة بالحي، كما أكدوا لنا أن المشكلة الأكبر تكمن في القادمين من أحياء مجاورة للقيام بالسرقة و بعض النشاطات الإجرامية باسم سكان وادي الحد.
و أبدى الذين اصطحبونا في جولة داخل الحي، استغرابا من سؤالنا لهم حول إمكانية التصوير دون إزعاج السكان أو إشعارهم بالحرج، حيث قالوا أن الصورة السيئة المتعلقة بعنف قاطني وادي الحد و نزوعهم إلى الجريمة يجب أن تزول، و لم يبد السكان في الحقيقة اعتراضا على التقاطنا صورا لهم، باستثناء بعض التجار الفوضويين.
و نبه محدثونا بأن العديد من أبناء الحي يعملون حاليا في مختلف المؤسسات العمومية و الهيئات كإطارات، فمنهم الأساتذة الجامعيون و الموظفون في أسلاك الأمن و الأطباء و غيرهم، مشيرين إلى أنهم لا يختلفون عن غيرهم من قاطني الأحياء الأخرى بمدينة قسنطينة، فضلا عن أن ظاهرة الأحياء القصديرية لا تقتصر على وادي الحد، في حين لا يزال قاطنو الأكواخ يطالبون بالترحيل، على غرار مواطن قال بأنه يقطن بالضفة الأخرى من الوادي، حيث استحالت عملية ترحيلهم من أكواخهم التي تضم 16 عائلة، لكونهم تابعين لحي المنى.
و تحدّث بعض السكان عن وجود مجرمين معروفين بالحي إلى غاية اليوم، لكنهم أكدوا أنهم مجرد حالات معزولة لا يمكن الحكم من خلالها على جميع أبناء الحي، فضلا عن أن عددا كبيرا منهم تخلوا عن الإجرام و انصرفوا إلى ممارسة أنشطة تجارية و أعمال أخرى، بعد أن تقدم بهم السن و أسّسوا عائلات، في حين اعتبروا أن تجاور وادي الحد مع بعض الأحياء التي يقطنها الأثرياء زاد من الوضع سوء، حيث غالبا ما يتهم سكان تلك الأحياء أبناءه بعمليات السرقة التي تطال ممتلكاتهم أو منازلهم.
بنايات في قلب وادي الحد سكنها الأوروبيون و الكنديون
و قادتنا جولتنا في الحي إلى قلب وادي الحد بنهج "كا"، أين وجدنا حيا سكنيا يضم بنايات متراصة مكونة من طابقين كان يقطنها فرنسيون و كنديون و كاميرونيون وغيرهم، حيث أشار محدثونا من الحي إلى أن السكان يدعون المكان بـ"الكوبيرون"، نسبة إلى المتعاونين الأجانب الذين استعانت بهم الجزائر من أجل العمل لديها في مجالات مختلفة خلال السنوات التي أعقبت الاستقلال، حيث يضم مائتي وحدة سكنية، يقطن بها عدد من الإطارات والأساتذة.
و يقابل حي الأوروبيين عدد من المساكن المتجاورة و المنجزة بنفس الشكل يطلق عليها السكان تسمية الحي الكندي، أين أوضحوا لنا بأنها سميت كذلك لكونها أنشئت من طرف كنديين بين سنوات الستينات و السبعينات لفائدة سكان من الحي، في حين تحيط به عدد من البنايات المنجزة بالشكل الحديث، أكد قاطنوها على حيازتهم لعقود الملكية.
و لاحظنا بأحد أرجاء وادي الحد على مستوى نهج "آ"، الذي أخبرنا السكان أنه من أقدم التجمعات السكانية بوادي الحد و أكبرها، بعض المساكن التي لا تزال على الشكل الذي تركته السلطات الاستعمارية، في حين أكد محدثونا من السكان أن هذا النوع من المباني لم يعد موجودا بكثرة بسبب تحويلها من طرف العائلات القاطنة بها، إلى بنايات حديثة بعد هدمها و البناء فوقها.
نزع عشب الملعب الاصطناعي لعرض الخضر
و لا تزال بالحي أيضا مدرسة تعود إلى الحقبة الاستعمارية، يطلق عليها السكان اسم جامع القصدير، لشكلها الذي يشبه البناءات الجاهزة، بالرغم من أنها استفادت من عملية توسعة و إنجاز أقسام حديثة، كما لاحظنا داخل الأحياء السكنية اهتراء الطرق و انتشارا للحفر، فضلا عن عدد من السلالم الحجرية التي قام السكان بإنجازها بأنفسهم، حيث نبه محدثونا إلى أنهم غالبا ما يأخذون على عاتقهم أشغال الصيانة و زرع الأشجار بالقرب من منازلهم، في وقت لم تشمل عملية تزفيت الطرقات داخل الحي إلا الشوارع الواسعة، حتى أن بعض الطرقات المؤدية إلى قلب وادي الحد لا تزال على حالها منذ زمن الاستعمار الفرنسي.
و يشكو السكان من انعدام فضاءات للتسلية أو مساحات خضراء من أجل أطفالهم، الذين لاحظنا أنهم يلهون في أي مكان يجدونه، حتى أن منهم من يتخذ من المواقع التي تنتشر بها الأكواخ القصديرية المهدمة أماكن للهو، بالرغم من خطرها عليهم بسبب تحولها إلى أوكار للمنحرفين، فضلا عن عشرات الأطنان من الردوم التي لا تزال بها، في حين تعرض الملعب الجواري الوحيد الموجود بالقرب من طريق بولقرع إلى الإتلاف، بعد أن قام باعة خضر بسرقة أرضيته المصنوعة من العشب الاصطناعي من أجل عرض سلعهم عليها، فضلا عن تحطيم أعمدة المرمى، و تدهور حالة المرفق نتيجة الإهمال و انتشار كميات كبيرة من القمامة حوله.
مركز للنشاطات التجارية و مذابح فوضوية تحت الصفيح
و يلاحظ الزائر لوادي الحد انتشارا كبيرا لمختلف الأنشطة التجارية، حيث وجدنا بأحد الشوارع أكثر من 10 ورشات لتصليح السيارات بين محلات للميكانيك و كهرباء السيارات و إصلاح الشكل الخارجي للمركبات، بالإضافة إلى الورشات الأخرى الموزعة عبر مختلف أرجاء الحي و أسفل البنايات، كما صادفنا محلا لصناعة النحاس مقابل حي جاب الله القصديري، في حين تحول شارع "آ" الأكبر بوادي الحد إلى قطب لتجارة المواد الغذائية بالجملة، أين أكد لنا تجار بأن زبائنهم يقصدونهم من ولايات مجاورة لشحن سلع مختلفة تُعرض بأسعار قالوا أنها تنافسية.
و يشكل سوق وادي الحد أيضا مقصدا للباحثين عن قطع غيار لسياراتهم، أو للراغبين في اقتناء ملابس مختلفة، فضلا عن أن البائعين على مستواه ليسوا من سكان الحي فقط، أما على مستوى الجهة السفلى المتاخمة لحي بن شيكو، فينتشر بائعو مواد البناء المختلفة كالسيراميك و الاسمنت، حيث تشكل مكانا للتسوق لعشرات المواطنين، لكن الحي يشهد أيضا تزايدا مستمرا للتجارة الفوضوية، خصوصا بالجهة القريبة من الدقسي، أين أصبح أصحاب الطاولات يفرضون منطقهم، حتى أنهم حجبوا إحدى المدارس الابتدائية الواقعة بالمكان.
و حدّثنا سكان عن الحي المسمى بـ"الواد"، و الواقع بضفة وادي الحد، حيث أشاروا إلى أنه يضم أكبر عدد من الأكواخ الفوضوية المستغلة كإسطبلات، تضم بداخلها مذابح فوضوية يديرها أشخاص بشكل منظم، كما أنهم يقومون بنحر المواشي بها دون توفير أدنى شروط الحفظ أو النظافة، فيما يسببون إزعاجا كبيرا للسكان القريبين منهم، فضلا عن خطرهم على صحة المستهلكين.

الرجوع إلى الأعلى