وكالات لبيع  السيارات تغلق  أبوابها و أخرى تشرع في تسريح العمال

تشهد تجارة بيع السيارات بقسنطينة ركودا كبيرا يتواصل منذ أشهر على مستوى الوكالات المعتمدة و حتى الأسواق، ما انعكس سلبا على نشاطها و أدى إلى تراجع المبيعات إلى حدود 80 بالمائة، فيما اضطر وكلاء معتمدون إلى تغيير إستراتيجيتهم التسويقية لمواجهة الوضعية التي وصفوها بالخطيرة و قام آخرون بتسريح الموظفين لتغطية العجز، فيما وصل الأمر بالبعض إلى حد الإغلاق و التوقف عن النشاط.
روبورتاج: عبد الرزاق مشاطي
و قامت النصر بزيارة عدد من نقاط البيع لأهم وكلاء السيارات المعتمدين بقسنطينة و الذين يتمركزون على مستوى المنطقة الصناعية «بالما» و يمثلون الماركات الأوروبية و الأسيوية الأكثر مبيعا في السوق الجزائرية، و الملاحظ أن معظم الوكلاء يعيشون الوضعية ذاتها تقريبا، حيث لم تصلهم سيارات منذ أشهر و بعضهم لم يبع سيارة واحدة منذ نهاية 2015، فيما كانت صالات العرض خالية من أي معروضات و حتى من العمال، فلا يوجد أكثر من عامليْن على مستوى بعض الوكالات التي تخلو من أي زبائن أو زوار.
وكالات لم تستلم سيارة منذ 10 أشهر
في وكالة «رونو» و هي من أكثر السيارات الفرنسية مبيعا بالسوق الجزائرية، لم نجد سوى موظفة وحيدة في استقبالنا، أكدت أنها مكلفة بالجانب التجاري أيضا، و بالنسبة للسيارات المعروضة فباستثناء اثنتين فقط من نوع «سامبول» جزائرية الصنع، لم تكن هناك أي سيارة أخرى، و ذكرت لنا الموظفة بأن الوكالة تعيش هذه الوضعية منذ أشهر بسبب التراجع الكبير للمبيعات منذ أن أوقفت الحكومة عملية الاستيراد مع بداية العام الحالي، موضحة بأن استقبال طلبات الزبائن متوقف تماما منذ عدة أشهر، بسبب عدم توفر أي سيارة للبيع، كما قالت بأن المسؤولين على الوكالة يسعون إلى ضمان الحد الأدنى من الخدمات، بما أن النشاط الأساسي المتمثل في البيع متوقف.
و ذكرت الموظفة بأن حجم التراجع في المبيعات كبير جدا لدرجة أن الوكالة لم تبع سوى سيارات قليلة خلال شهر مارس الماضي بمناسبة صالون الجزائر للسيارات، أي بما يعادل 5 بالمائة من حجم المبيعات مقارنة بشهر مارس 2015، و بخصوص إمكانية انفراج الأوضاع خلال الأيام المقبلة، أكدت محدثتنا بأن لا شيء رسمي إلى حد الساعة، و بأن وكالة قسنطينة تنتظر قرار الوكالة الأم بالجزائر العاصمة، التي يفترض حصولها على «كوطا» تقدر بـ 15 ألف سيارة، غير أنها لم تتلق منها أي مركبة بعد، كما أن النسبة التي ستحصل عليها وكالة قسنطينة غير معروفة لحد الساعة على غرار بقية الولايات، لكنها أكدت بأن المبيعات ستكون منخفضة جدا مقارنة بسنة 2015، التي قامت فيها وكالة قسنطينة ببيع بضعة آلاف من السيارات، تقارب ثلث «كوطة» سنة 2016 بالنسبة لكامل الجزائر، و لذلك من غير الوارد تلبية الطلب المعتاد على سيارات «رونو»، حسب تأكيدها.
و غير بعيد عن «رونو» دخلنا إلى وكالة «فورد» الماركة الأمريكية التي تلقى إقبالا معتبرا على بعض سياراتها، خاصة «فياستا» و «ترانزيت» المخصصة لنقل البضائع، و أول ما لفت انتباهنا هو أن صالة العرض كانت خالية تماما من أي سيارة، فيما استقبلنا الموظفان الوحيدان على مستوى الوكالة، و اللذان أكدا بأن بقية العمال تم تسريحهم تباعا بسبب عدم وجود أي عمل يقومون به، فيما تم الاحتفاظ بهما فقط حتى لا يتم إغلاق صالة العرض بصفة نهائية و كذا لاستقبال استفسارات الزبائن و توجيههم نحو خدمة ما بعد البيع، التي لا تزال تقدم خدماتها، مشيريْن إلى أن انخفاض المبيعات أثر على الوكالة التي باتت غير قادرة على تغطية المصاريف كأجور الموظفين و غيرها.
أما المدة التي لم تصل فيها أي سيارة جديدة إلى الوكالة، فقد بلغت، حسب محدثينا، 10 أشهر، حيث أكدا بأنه قد تم بيع عدد قليل جدا من المركبات خلال كل هذه الفترة، من خلال اللجوء إلى الطلب من ولايات أخرى، كانت لا تزال تتوفر لديها بعض السيارات، أما في الوقت الحالي فاستقبال طلبات الشراء متوقف تماما، و ليس هناك أدنى فكرة عن موعد استئناف البيع، بما أن الوكالة الأساسية في العاصمة، لم تتلق بدورها أية مستجدات.
الصيانة و بيع قطع الغيار لسد العجز في المبيعات
و بوكالة «سوفاك» و هي الممثل الرسمي لعدة علامات أوروبية شهيرة هي «فولكسفاغن» و «سيات» و «سكودا» و «أودي»، استقبلنا مسيّرها الذي قال أنه «يسعى إلى الاستمرار في السوق» رغم المشاكل الكبيرة التي تعترضه، بسبب انخفاض المبيعات لأشهر و انعدامها في الوقت الراهن، مضيفا بأن الوكالة تمر بفترة خطيرة و تحاول الصمود و عدم المرور إلى إجراءات اضطرارية كتسريح العمال أو أمور أخرى أكثر تعقيدا، بالرغم من أن وكالة قسنطينة حديثة النشأة، و لم يخف محدثنا تخوف المسيرين من اللجوء إلى الغلق، مؤكدا بأن المصاريف و أجور العمال تشكل ضغطا كبيرا بسبب انعدام نشاط البيع.
هذه الوضعية اضطرت المسيرين إلى انتهاج سياسة جديدة لتنويع المداخيل، من خلال القيام بعمليات إشهار تهدف إلى كسب زبائن على مستوى خدمات الصيانة و بيع قطع الغيار الأصلية، و كذا محاولة تشجيع الزبائن على تصليح سياراتهم لدى الوكالة من خلال منحهم بعض الامتيازات، كالفحص المجاني للمركبة و باستعمال تقنيات متطورة، و بطاقم متميز من التقنيين و الميكانيكيين الذين تلقوا تكوينا على أعلى مستوى، و هي سياسة بديلة عن البيع تهدف إلى إبقاء الوكالة صامدة أمام الأزمة الحالية، على حد تأكيد المسير.
و كباقي الوكلاء فطلبات الشراء متوقفة منذ أكثر من 4 أشهر، فيما اضطر الزبائن الذين طلبوا سيارات خلال سنة 2015 إلى الانتظار لمدة طويلة، حيث بدأت طلباتهم في الوصول منذ أيام قليلة فقط، و بخصوص «الكوطا» التي ستحصل عليها الوكالة، قال محدثنا بأنها لم تحدد بعد بشكل رسمي، كما أنها ستكون أقل بكثير من العام الماضي، فيما أوضح بأن الأسعار مرشحة أكثر للارتفاع، بالرغم من أن السنة الماضية عرفت ارتفاعا قياسيا فاقت نسبته 50 بالمائة على مستوى بعض الماركات.
صالات عرض أغلقت أبوابها

و على مستوى وكالة «شالنج أوتو» التي تمثل العلامتين الكورية «كيا» و اليابانية «سوزوكي» فالسيارات القليلة المعروضة، ليست للبيع على حد ما أكده لنا الموظفون، مشيرين إلى أن البيع متوقف منذ أشهر طويلة خاصة على مستوى «سوزوكي»، فيما قامت «كيا» ببيع عدد من السيارات خلال العام الحالي بالاعتماد على  الحصة الخاصة بسنة 2015، و بالرغم من ذلك فقد أكدت مسؤولة القسم التجاري بأن المبيعات انخفضت بنسبة 80 بالمائة مقارنة بالعام الماضي، مشيرة إلى أن المسؤول عن الوكالة رفض تسريح العمال بالرغم من الوضعية الصعبة، التي قد تستوجب اتخاذ مثل هذا القرار.
أما «الكوطا» المرتقب استلامها فالمعلومات قليلة بشأنها، و هي من الأسباب التي أدت إلى غلق عدة وكالات تمثل «كيا» بولايات أخرى، أما الكمية المتوقعة و التي لن تزيد، حسب المسؤولة، عن 7600 سيارة بكامل الجزائر، فبالتأكيد لن تلبي حجم الطلب المتوقع، مؤكدة بأن ارتفاع الأسعار لن يؤدي إلى تراجع الإقبال، و هو ما أكده الموسم الماضي الذي قفز فيه سعر سيارة «بيكانتو» واسعة الطلب من 100 مليون سنتيم إلى 180 مليون، و هو أمر لم يمنع الزبائن من الاستمرار في طلبها، و ذلك بسبب محدودية العرض، فمن يريد شراء سيارة من هذه الفئة، لن يجد خيارا أقل ثمنا حتى في ماركات أخرى، كما أوضحت بأن أولى دفعات السيارات لن تصل قبل شهر سبتمبر المقبل، في أحسن الأحوال.
بعد ذلك قصدنا وكالة «ميتسوبيشي» غير أنها كانت مغلقة، و بشكل يوحي أنها لم تعمل منذ وقت طويل، فلا توجد أي سيارة مركونة بالداخل و لا حتى عون أمن، و كأن المكان مهجور، حيث أكد لنا بعض الأشخاص بأن الوكالة أغلقت أبوابها منذ ما يزيد عن شهرين.
السماسرة يخشون فقدان مهنتهم وسوق السيارات المُستعملة يلتهب
يجمع أغلب سماسرة السيارات بقسنطينة على أن وضعية السوق تعرف ركودا غير مسبوق وصل إلى حد توقف البيع و الشراء لمدة فاقت الشهر، بعد أن انخفضت تدريجيا لتصل إلى حدها الأقصى في المدة الأخيرة، حيث أن سوق السيارات الأسبوعي بحامة بوزيان، أو حتى الأسواق الواقعة بالولايات و المدن المجاورة كسطيف و عين البيضاء، و التي يقصدها تجار قسنطينة عادة لبيع أو شراء السيارات، سجلت، حسب محدثينا، ركودا جعل أغلب ممتهني هذا النشاط يعيشون أزمة حقيقية و يخشون أكثر من أي وقت مضى من عدم القدرة على مواصلة هذا العمل الذي يعد مصدر رزق الكثير منهم.
و حسب ما ذكره محدثونا فقد كانت هذه المهنة إلى وقت قريب تدرّ أموالا معتبرة على السماسرة و التجار في فترات قصيرة، بالنظر إلى الطلب الكبير على السيارات من المواطنين الراغبين في امتلاك مركبات حسب درجة إمكانياتهم و دون اللجوء إلى الوكلاء و كذا لتفادي الإجراءات الطويلة التي يتطلبها اقتناء سيارة جديدة، و الأمر المساعد في تلك الفترة أن العرض كان يواكب حجم الطلب و الأسعار كانت مستقرة نسبيا، غير أن الأوضاع تغيرت تماما في الوقت الراهن، و بات الكثير عاجزين عن بيع سيارة واحدة في مدة شهر أو أكثر من ذلك.
و كمثال عن ذلك يؤكد وليد و هو أحد أفراد عائلة يعملون في نشاط شراء و بيع السيارات، أن الوضعية صارت مخيفة، حيث أن الشراء و البيع متوقفان منذ أكثر من شهر، سواء في الأسواق الأسبوعية أو حتى بالأماكن التي اعتادوا على عرض سياراتهم فيها بشكل يومي، مؤكدا أنهم يعرضون 3 سيارات للبيع منذ 3 أشهر لم تبع أي منها، بعد أن وصلت الأسعار إلى حد جد مرتفع، و بات الشاري يعرض سعرا أقل بكثير من المطلوب، و هو الأمر الذي نتج عنه ركود كبير، حسب محدثنا، الذي أكد بأن أسعار السيارات ارتفعت بنسبة تقارب 50 بالمائة في بعض الحالات خلال السنة الأخيرة، و أكبر ارتفاع بدأ منذ نفاد الكميات لدى وكلاء السيارات، باعتبارهم الممول الأساسي للأسواق، فيما قدم لنا أمثلة عن بعض السيارات التي ارتفع سعرها بـ 100 مليون سنتيم في ظرف عام واحد، كسيارة «كيا بيكانتو» و «سيات إيبيزا» و «فولكسفاجن بولو» و الأمثلة غيرها كثيرة.
استيراد السيارات التي يقل عمرها عن 3 سنوات.. مطلب التجار
يأمل الكثير من تجار السيارات الذين تضرر عملهم جراء ركود السوق و ارتفاع الأسعار، في أن يتم إعادة فتح استيراد السيارات غير الجديدة و التي لا يزيد عمرها عن ثلاث سنوات، و حسب ما استقيناه من معلومات فإن معظم السماسرة يتطلعون إلى إعلان  السلطات عن هذا الإجراء، مؤكدين بأنه قد يكون السبيل الوحيد لإنقاذهم من الأزمة التي يعيشونها حاليا و التي يتخوفون من تفاقمها أكثر خاصة بعد القرار الأخير للحكومة، بتخفيض حجم الاستيراد إلى مستويات غير مسبوقة.
من جهة أخرى و تزامنا مع الارتفاع الكبير للأسعار، فإن حديث الشارع حول هذا الأمر يتركّز حول التحذير من شراء السيارات في الوقت الحالي، و الكثيرون يفضلون التريث و الانتظار معتبرين ذلك بمثابة الحل الأنسب، فيما ظهرت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو لمقاطعة شراء السيارات، و هي صفحات يديرها أشخاص يدّعون اطلاعهم على وضعية الأسواق و يتابعون التطورات، حيث يقدمون النصائح و التحذيرات و يؤكدون بأن الأسعار الحالية خيالية و مبالغ فيها، فيما عرفت هذه الصفحات تفاعلا كبيرا من قبل المواطنين و الكثيرون باتوا يعتبرونها مرجعا و يعتمدون عليها في قضية الشراء أو البيع، و هي كلها عوامل يبدو أنها ساهمت في الركود الكبير في الأسواق.

الرجوع إلى الأعلى