أسواق وادي سوف تستقطب التونسيين بسبب تدني الأسعار والفرق بين العملتين
تحولت أسواق مدينة وادي سوف خلال الأشهر الأخيرة إلى محج للعائلات والتجار التونسيين الذين يجدون فيها ملاذا جيدا لاقتناء ما يحتاجونه من لوازم وسلع، كما زاد الفرق في القيمة بين الدينارين الجزائري والتونسي في نسبة الفائدة التي يحققها التونسيون، سيما وأنهم يلجأون إلى السوق السوداء لتحويل العملة بسبب غياب مكاتب الصرافة المعتمدة. وأضحى تجول التونسيون بأسواق مدينة وادي سوف أمرا عاديا جدا، خاصة بالنسبة لتجار الأواني والأفرشة والمواد الغذائية، كما تحولت بعض الممرات إلى مكان يتجمع بها التونسيون عند وصولهم وقبل مغادرتهم، في حين تصبح فنادق المدينة غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من المتوافدين خصوصا خلال عطلة نهاية الأسبوع، وهو مظهر أضحى مألوفا خصوصا خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهو ما وقفنا عليه خلال جولة قادتنا إلى السوق المركزي بوادي سوف والمعروف أيضا باسم سوق الأعشاش، أين صادف تواجدنا العدد الكبير من التونسيين الذين يتجولون بين المحلات ويقتنون ما يعتبره الكثير من الجزائريين سقط متاع.
عبد الله بودبابة
محلات بيع الأواني، الأفرشة والمواد الغذائية وجهة التونسيين الأولى
قصدنا سوق الأعشاش حوالي الساعة التاسعة صباحا من يوم الثلاثاء، محاولين العثور على بعض التونسيين الذين يدخلون الحدود الجزائرية بطريقة عادية عبر معبر الطالب العربي الذي يبعد عن بلدية الوادي بحوالي 150 كلم، ويعد أحد المعابر النشطة والتي تشهد عبور المئات من الجزائريين والتونسيين يوميا عدى البضائع التي تنقل بين البلدين، وبعد فترة من بحثنا، أوضح لنا أحد التجار أن الجهة التي يكثر فيها تواجد المواطنين التونسيون هي محلات بيع الأواني المنزلية، وكذا الأفرشة ولباس النسوة أو العرائس، ومحلات بيع المواد الغذائية، كما أوضح لنا أن بهذه الجهة من السوق بعض الممرات الضيقة التي يتخذها سائقوا سيارات تونسيون لجمع ما يمكن من سلع لنقلها إلى نحو الجهة المقابلة من الحدود بعد مرورهم على المركز الحدودي، وأغلب هذه السيارات هي مركبات تجارية مثل سيارة "رونو اكسبير" والتي تعتبر السيارة الأولى للتونسيين المتنقلين بين الحدود لقدرتها على حمل كمية كبيرة من السلع إلى جانب أنها تتميز بسرعة كبيرة.
وفور وصولنا إلى المكان المطلوب والذي يتواجد في اتجاه حي "سيدي مستور"، وقد لاحظنا تواجد أعداد كبير من النساء التونسيات اللاتي تتنقلن بين المحلات لمعاينة السلع واقتناء ما يعجبهن، وقد بدت النساء التونسيات مختلفات عن نظيراتهن الجزائريات كونهن كن يتجولن بمفردهن دون مرافقة الرجال وهو مشهد قلما شاهدناه بوسط المدينة، إلى جانب أن مظهرهن يوحي بأنهن غريبات عن المنطقة، لكونهن يرتدين قباعات وقفازات وفي بعض الأحيان جوارب وذلك للوقاية من ضربات الشمس عكس الجزائريات اللاتي بدون غير مكترثات بالحرارة التي تعرفها المدينة خصوصا خلال فصل الصيف والتي تتعدى غالبا عتبة الخمسين درجة خلال ساعات الذروة.
وقد بدا واضحا أن أغلب التونسيات تبدين اهتماما بالغا بمحلات بيع الأواني المنزلية والأفرشة وهو الواقع الذي وقفنا عليه خلال جولتنا وأكده لنا أغلب التجار الجزائريين الذين تحدثنا إليهم، حيث أوضح سليم وهو صاحب محل لبيع الأواني المنزلية: "لقد تعودنا على تواجد التونسيين في السوق خصوصا بعد تغيير النظام سنة 2011، حيت عرفت الأسواق التونسية وقتها نقصا كبيرا في السلع، ومع الرحلات الأولى اكتشف التونسيون الفرق الكبير في الثمن بين البلدين، وقد ألفنا وجودهم بيننا، وقد ضمنا زبائن جدد، ومنحوا السوق انتعاشا كبيرا" وتابع سليم حديثه: "تعتبر الأواني المنزلية والأفرشة أكثر ما يقتنيه التونسيون، بل هناك الكثيرات من المقبلات على الزواج يأتين لاقتناء جهازهن من هنا، وهذا أنعش تجارتنا بشكل كبير، خصوصا وأن التونسيين ينفقون أكثر من الجزائريين بسبب الفرق الكبير في الدخل والقيمة بين العملتين".
السوق السوداء لصرف العملة
كما اعتبر إسماعيل وهو تاجر مختص في بيع الأواني ويملك أكثر من محل بسوق الأعشاش وكذا سوق ليبيا أن تواجد التونسيين أمر جد عادي بالنسبة له حيث يقول: "بالنسبة لي ولكثير من التجار لا تهمنا جنسية الزبائن بقدر ما يهمنا خدمته، أما بالنسبة للتونسيين فإننا نعتبرهم جزائريين وهم ببلدهم وهو يحسون بذلك، وتواجدهم هنا يزيد من نشاطنا، بل هناك ممرات معروفة تقف فيها سيارات تقوم بنقل السلع نحو مدينة بني غرب بالحدود التونسية عبر معبر طالب العربي، وذلك مقابل مبالغ مالية تختلف بحسب كمية السلع التي تنقل بين الجهتين" وعن طريقة التعامل مع الزائن التونسيين قال محدثنا أنها لا تختلف أبدا عن طريقة التعامل مع الزبائن الجزائريين حيث يفاصل التونسيون في سعر السلع ويطلبون خصما في الثمن كما أن الكثير منهم يستغل طيبة الجزائريين معهم للحصول على أثمان جيدة، مضيفا أن الفرق الكبير في قيمة العملة بين الدينارين الجزائري والتونسي يسمح لهم باقتناء ما يعجز الجزائريون عن شرائه، حيث تقبل النسوة كثيرا على أطقم شرب القهوة بين 7 آلاف وإلى غاية 10 آلاف دينار أو أكثر.
وذهب عمار وهو تاجر مختص في بيع الأفرشة في نفس الاتجاه عندما قال: "بالنسبة للسعر فإن ما يجده الجزائريون باهض الثمن يعتبر بالنسبة للتونسيين معقولا، فهم يقتنون أفرشة يتجاوز ثمنها 100 ألف دينار للاستعمالات اليومية، بينما تقتني العروس التونسية أفرشة أغلى بكثير، أما بالنسبة لتواجدهم بيننا فهو أمر عادي وهنا لا نفرق بين جزائري وأجنبي بقدر ما نحاول بيع سلعنا فقط مع محاولة منح صورة جيدة عن الجزائر في بعض الحالات خصوصا لبعض الأشخاص الذي أصبحوا زبائن أوفياء للسوق وتجاره".
وبالمقابل حاولنا التقرب من بعض التونسيين المتواجدين بالسوق للحديث معهم حول سبب تفضيلهم للأسواق الجزائرية وتكبدهم عناء التنقل عبر الحدود لمسافات طويلة غير أنهم رفضوا الحديث معنا بعد معرفتهم لهوياتنا، وهو ما دفع بنا للتقرب منهم والحديث معهم من دون الكشف عن هويتنا.
وقد أكدت لنا إحدى النساء وهي امرأة يظهر أنها في منتصف العقد الرابع من العمر أن الفرق في الأسعار بين تونس والجزائر كبير جدا، كما أن سوق وادي سوف قريب جدا من مقر سكنها في مدينة بني غرب، كما أنه كبير جدا ويتيح عددا غير محدود من الخيارات عكس تونس التي لا تعرف وفرة في السلع، زد على ذلك فإن لجوء الكثير من تجار مدينتها إلى الجزائر لاقتناء سلعهم جعلها تنتهج نفس الطريقة وذلك للاستفادة من الفرق في القيمة مع الاستمتاع بجولة سياحية.
كما صرحت مرافقتها أنها اعتادت على التجول بين أسواق مدينة وادي سوف بكل راحة ومن دون تعرضها لأي مضايقة، كما أنها تستأنس بالمعاملة الجيدة التي تجدها من تجار السوق ورواده عموما، مضيفة أنها اعتادت شراء أهم ما تحتاجه من هنا، حيث تنتقل رفقة أحد أقاربها إلى وادي سوف في الصباح الباكر، ثم تقوم بجولة في السوق ثم تعود عند منتصف النهار إلى تونس عبر معبر طالب العربي، غير أن محدثتنا رفضت تقديم معلومات أخرى عن طريقة تحويلها للعملة وهو نفس ما اعترضنا عند اقترابنا من ناقلين تونسيين كانوا بالسوق.
وبالمقابل أسر لنا بعض التجار أن التونسيين يتوجهون إلى السوق السوداء لتحويل العملة، حيث يتواجد عدد من التجار غير الشرعيين للعملة بالسوق معروفون لدى رواد السوق، كما يلعب الناقلون التونسيون دور الدليل بالنسبة للوافدين الجدد، وهو الأمر الذي تأكدنا منه في جولتنا حيث وقفنا على تواجد عدد من تجار العملة الذين يعرضون خدماتهم على رواد السوق، ويقتنون كل ما يصادفهم من عملة صعبة على غرار "الأورو" والدينار التونسي، هذا الأخير بلغ سعر صرفه في السوق السوداء بـ 7300 دينار جزائري مقابل 100 دينار تونسي.

إنزال تونسي بوادي سوف في عطلة نهاية الأسبوع
من جهة أخرى كشف مصدر من مديرية السياحة بولاية الوادي رفض الكشف عن هويته، أن ذروة توافد التونسيين على مدينة وادي سوف يتزامن مع عطلة نهاية الأسبوع بالنسبة لتونس والمصادفة ليومي السبت والأحد، حيث تمتلئ أغلب الفنادق بهم، ويصبح من الصعب إيجاد غرفة شاغرة بعد الظهيرة، وتابع محدثنا تصريحه قائلا: "خلال يوم السبت يتوافد التونسيون على الفنادق بمعدل حافلتين اثنتين لكل فندق، أين يقيمون ليلتهم، على أن يتوجهوا في الصباح الباكر من يوم الأحد نحو مختلف الأسواق على غرار سوق ليبيا وسوق الأعشاش لاقتناء ما يحتاجونه، ثم يتم نقل ما يشترونه في مركبات يملكها تونسيون إلى ما وراء الحدود".
ولم يخف عدد من تجار السوق المركزي بوادي سوف أن كل شيء قابل للشراء من طرف التونسيين، حيث سردوا لنا الكثير من القصص عن بعض الصفقات التي أدهشتهم، على غرار إقبالهم على اقتناء بيض الدجاج بشكل كبير خلال فصل الشتاء، حيث يقومون بكسر البيض وتفريغه في براميل كبيرة لنقله نحو أحد المصانع الكبيرة لصنع غسول الشعر بتونس"، مقابل الاستفادة من الفرق الكبير في سعره بين البلدين، كما أكد تاجر يدعى فاتح ويملك محلا لبيع مواد غذائية بالجملة أنه أصبح يبيع بشكل كبير للرعايا التونسيين كميات كبيرة من المواد الغذائية على غرار "ياغورت" و"المادلين" إضافة إلى إقبالهم الكبير على المشروبات الغازية .
اتحاد التجار يرحب بالظاهرة ويؤكد
"توافد التونسيين ظاهرة ايجابية حفزت النشاط التجاري"
رحب رئيس اتحاد التجار بولاية الوادي السيد جمال شلغوم بتوافد التونسيين على أسواق الولاية من أجل اقتناء ما يحتاجونه، معتبرا أن هذا التوافد زاد في تحفيز النشاط التجاري بالمدينة وساعد التجار على تحقيق فائدة كبيرة، كما أوعز السبب إلى العلاقة الجيدة بين البلدين والشعبين والتي تعود إلى الماضي البعيد.
وأوضح محدثنا أن تاريخ العلاقات التجارية بين الشعبين الجزائري والتونسي له جذور تاريخية طويلة تعود إلى الثورة التحريرية، حين كانت الأسواق التونسية تعرف نزوحا كبيرا من الجزائريين، وهي الظاهرة التي تواصلت إلى سنوات ما بعد الاستقلال، حيث واصل الجزائريون إقبالهم على الأسواق التونسية، لما كانت تزخر به هذه الأخيرة من سلع نادرة في الجزائر، وقد استمرت هذه الظاهرة إلى أيامنا هذه، والتي انقلبت فيها الصورة، حيث أصبحت الأسواق الجزائرية تستقطب زبائن كثر من الأشقاء التونسيين، واصفا الظاهرة بالصحية والتي يجب أن يتم ايلاؤها عناية كبيرة، خصوصا مع الوضع الاقتصادي الذي تعرفه البلاد تزامنا والانخفاض الكبير لأسعار البترول، حيث من الممكن لهذه العملية أن توفر مصدر تمويل مهم ومصدرا كبيرا للعملة الصعبة.
وتابع محدثنا، أن ذروة هذا الإقبال تتزامن مع عطلة نهاية الأسبوع بتونس والتي تصادف يومي السبت والأحد، حيث تستقبل مدينة وادي سوف عددا كبيرا من التونسيين القادمين على متن حافلات عبر المعبر الحدودي التجاري بين البلدين طالب العربي، مضيفا، العملية ساهمت في إنعاش المعاملات التجارية لأصحاب المحلات في الأسواق الكبرى، كما كشف أن الليبيين من جانبهم يقبلون أيضا على أسواق مدينة وادي سوف ولكن بشكل أقل من نظرائهم الليبيين.
وأضاف محدثنا أنه من بين التونسيين الوافدين إلى أسواق وادي سوف من لا يزال يعتمد على المقايضة، أو قيامه ببيع بعض المواد الاستهلاكية التي تشتهر ببلديهم على غرار الطماطم المصبرة، الحلوة الشامية والتوابل، حيث يقومن ببيعها واقتناء بثمنها ما يلزمهم من سلع.

الرجوع إلى الأعلى