تطوّع مقاولون ورجال أعمال بولاية سطيف لإنجاز  وتجهيز مشاريع ذات منفعة عامة من أموالهم الخاصة وتكفلت مكاتب هندسية بالقيام بدراسات مجانية كما قام مواطنون  بميلة و تبسة بأشغال تهيئة على مستوى أحيائهم  لردم الحفر وإصلاح تشوهات الطرقات والأرصفة وشكل سكان قرى بتيزي وزو حالة استثنائية لحماية البيئة ونظافة المحيط.
هي صور مشرقة عن جزائر  يمكن أن يسودها الوعي والحس المدني، جزائر قادرة على تجاوز حالة العشوائية الطاغية على الحياة العامة وثقافة النهب و الإستغلال التي تسيطر على فئة من أصحاب المال والمقاولين، فبعد فترة رغد طويلة صنعت غنى من كانوا مجرد مغامرين في مجال الأشغال العمومية والبناء قبل أن يظفروا بصفقات دسمة جعلت منهم أغنياء المرحلة، هاهي بلادنا اليوم بحاجة لأن يشارك هؤلاء في تجاوز الضائقة المالية بالمساعدة على تجسيد مشاريع جمدت لأسباب إقتصادية، ما حصل في سطيف مثلا لا يمكن اعتباره تصدقا إنما هو حس تشاركي لم نتعود عليه من أصحاب المال، لكنه موجود لدى المواطن البسيط ونعيشه في كل تفصيلة من حياتنا اليومية.
فهذه الولاية التي تعد نموذجا عمرانيا و حضريا  ناجحا لم تصبح كذلك من العدم إنما بفضل أبنائها الذين حرصوا على أن ينجزوا بمواصفات جمالية بعيدا عن الرتابة الطاغية على معالم باقي مدننا، طبعا في تلك الفترة تلقوا المقابل لكن مجرد حرصهم على ألا تقع الولاية تحت سيطرة الرداءة الهندسية، فتلك مقدمة لوعي تجسد خلال الأشهر الأخيرة في سلوك أسمى، من خلال تسخير المال والعمال لإنجاز طرقات وعيادات وترميم هياكل، مواكبة لتطوع مواطنين في مداشر معزولة لفتح معابر وتهيئة الشوارع.
لو أن هذا النمط من التفكير توسع لباقي أصحاب المال والأعمال لتحقق الكثير بالنظر لعدد من كونوا ثروة داخل الجزائر بفضل الإنجاز والمناولة والتموين وتسهيلات الإستثمار، فمن كان يملك « برويطة» أصبح اليوم صاحب مقاولة كبيرة بفضل تلك المشاريع الضخمة التي كان للكثيرين منها نصيب، والنتائج لم تكن مضمونة في كل الحالات، لأن سجل الأشغال عندنا لا يخلو من التقصير و التأخرات والعيوب التقنية.
من تطوعوا اليوم  قدموا عربون وفاء ربما  يريدون من ورائه ضمان صفقات في فترة تراجع فيها حجم الاستثمار العمومي، إلا أنها تبقى خطوة جديرة بالإشادة بعيدا عن النوايا المبنية على المنطق التجاري، فعلى الأقل ساهموا في امتصاص العجز وخلقوا ثقافة جديدة قد تصقل مستقبلا،  سيما وأن حراكا اجتماعيا مشابها يسجل في مناطق عدة يبعث على التفاؤل.
سكان بمناطق كثيرة  بادروا بأشغال فتح مسالك وبناء جسور صغيرة وكذلك عمليات تهيئة وتجميل وحملات نظافة تحرك معها وعي جمعي بضرورة المشاركة في الحفاظ على المحيط وإتمام ما لا يمكن للجماعات المحلية القيام به دون انخراط الأفراد والجماعات، رغم أن هؤلاء يظلون أقلية مقارنة بمن يرسمون ديكور المزابل ويخربون المساحات الخضراء ويطلقون العنان لشحنة العنف حتى تأتي على ساحات لعب وملاعب جوارية يفترض أنها موجهة للترفيه عن أبنائهم.
ما يدعو للغرابة أن سكان الوسط الريفي والأحياء الشعبية أصبحوا أكثـر حرصا على النظافة وإنجاز الطرق وتبليط الأرصفة فيما ينتظر أصحاب فيلات فخمة مشاريع البلدية للحصول على رواق يصلح للسير داخل الحي المسمى بالراقي، ولا يشعرون بالحاجة للمبادرة.
النصر

الرجوع إلى الأعلى