قال مدير بورصة الجزائر في حوار للنصر أن الخواص يتجنّبون دخول البورصة تفاديا لشفافية لا تلائمهم. قد تبدو المعاينة قاسية لكن الواقع لا يكذبها، ويكفي استدعاء الأرقام الخاصة بمساهمة هذه الفئة في الناتج الداخلي أو في الضرائب المدفوعة وحتى في توظيف اليد العاملة، للوقوف على حقيقة مؤداها أن الرأسمال الخاص في بلادنا يتمتع بصورة مضخمة لا تتناسب مع مساهمته الفعلية في الاقتصاد الوطني.
وإذا كان مدير البورصة قد لمّح إلى أن الخواص يرفضون التصريح بأرقام نشاطهم، بما يحيل مباشرة إلى التهرب الضريبي، فإن المعروف لدى العام والخاص أن الكثير من المؤسسات الخاصة في بلادنا تفرّط في أساليب التسيير الحديثة بتمسكها بالتسيير العائلي واعتمادها العشائرية والجهوية في التوظيف، في سلوك يكبح تطوّرها ويحرمها من مهارات متوفرة خارج شجرة السلالة، فملكية عائلة لمؤسسة لا يعني انفراد أعضائها بالتسيير حتى وإن كانت الاستثناءات واردة كما هو حال بعض "العائلات المالكة" التي يتمتع أفرادها بتكوين عال إلى جانب استثمارها في العنصر البشري من خلال إرسال بعثات إلى الخارج.
ولو حلّلنا الوضعية الاقتصادية وأداء الخواص لانتهينا  إلى نتيجة تؤكد أن المؤسسة الخاصة تعيش بجوار أختها في الرضاعة (المؤسسة العمومية) على سخاء الدولة، بكل ما يطرحه ذلك من أسئلة على سلامة الاقتصاد ومن مخاوف من الشبهات.
فمن المفترض أن تحوز المؤسسة على أسباب البقاء من خلال نشاطها الاقتصادي الصرف بل وتؤثر في محيطها بدفع الضرائب و عمليات التوظيف وقبل ذلك كلّه بإنتاج يلبي حاجة الساكنة ويغني البلاد عن استيراد يستنزف المقدرات المالية، خصوصا أن بعض "الخواص" لا يستوردون من أجل الاستيراد بل من أجل تحويل العملة إلى الخارج، وقد ضبطت مصالح الجمارك سلعا لا تخطر على بال بشر من نوع الحجارة والتربة...
بالمختصر المفيد فإن المتعامل الخاص يستفيد من المزايا التي تقترحها الدولة كالعقار الصناعي والقروض وبعض الامتيازات الضريبية، دون أن يقدم ما تنتظر منه المجموعة الوطنية إلا فيما ندر. لذلك تبدو الخطب المناسباتية التي يطلقها أرباب عمل بشأن مساهمتهم في تنويع الاقتصاد الوطني واقتحام الأسواق الخارجية خطبا ديماغوجية وغير واقعية، لا تعدو أن تكون مجرد مجاراة لخطاب رسمي، للبقاء قرب البئر والاستفادة من أي امتيازات تطرح بموجب هذا التوجه.
فعدد المؤسسات الجزائرية التي اقتحمت الأسواق الخارجية لا يكاد يحصى، ويتعلق الأمر باستثمارات مفيدة لأصحابها دون غيرهم، فتوطين رؤوس أموال في الخارج قد يتم على حساب الاستثمار في الداخل خصوصا بالنسبة للذين كوّنوا ثرواتهم داخل البلاد وتطرح استثماراتهم في الخارج الكثير من التساؤلات، حين نأخذ بعين الاعتبار القوانين الجزائرية المتشددة في مسألة تحويل الأموال.
وحتى وإن سجلنا الخطوات الخجولة التي باشرتها بعض المؤسسات لاكتشاف القارة الإفريقية، فإن ذلك يبقى غير كاف على الإطلاق، مقارنة بما فعله جيراننا الذين باتوا متواجدين في السوق الإفريقية باستثمارات في مختلف قطاعات الخدمات .
وربما كان المتوجسون من قدوم أصحاب المال إلى السياسة على حق، لأن دخول الحقل السياسي بات يعني لكثيرين، الاقتراب من مصادر صنع القرار وطلب الحصانة، وإلا لماذا يضيع رجل مال وقته في ممارسة غير مجزية ؟
تحتاج "المؤسسة الجزائرية" في هذه المرحلة الحرجة إلى إعادة نظر، ليس في أنماط التسيير المدعوة إلى العصرنة فحسب، بل في التخلص النهائي في مد اليد إلى الدولة واقتناص المزايا والتحايل، أي أنها مطالبة بالامتثال إلى قواعد الشفافية والإخلاص لنواميس الاقتصاد، لئلا تكون عبئا على الدولة وعلى المواطنين الذين يدفعون ضرائبهم كاملة غير مخفضة وغير قابلة للإعفاء.
النصر

الرجوع إلى الأعلى