تحولت كاميرات الهواتف المحمولة إلى وسيلة للتحرش بخصوصية الآخرين والتشهير بهم وملاحقتهم في الأماكن العامة وحتى في الأعراس ومكاتب العمل، إلى درجة أن هناك من أصبحوا يحُدّون من تحركاتهم خشية لقطة مسروقة قد تُحوّل حياتهم إلى جحيم.
منذ أسابيع أثيرت ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول حسابات تنشر لقطات من داخل قاعات الأعراس يقال أنه تمت قرصنتها من هواتف خاصة، كما شنت هذه الأيام حملات ضد النساء بالتهديد بفضح كل من تسمح لنفسها بأن ترتدي لباسا « غير محتشم» على الشاطئ.
 ويوميا  تنشر صور لرجال ونساء في أماكن مختلفة، إما للتهكم أو لإصدار أحكام حول اللباس أو طريقة الأكل والجلوس، لتوضع  بذلك الحياة العامة تحت عدسات كاميرات محمولة في الجيوب وعدساتها مفتوحة على كل ما يدب في الأرض دون مراعاة خصوصية الآخرين.
وهو ما يجعل  الفرد اليوم محاصرا من كل الجهات بعد أن أساء كثيرون استعمال التكنولوجيا و اعتقدوا أن حيازة هاتف ذكي يمنحهم حق التوثيق لحياة الغير، بل والعبث بمستقبل أناس لا يمتون لهم بصلة.
 من المؤكد أن من يطوّرون الهواتف وأجهزة التصوير بشكل متسارع هدفهم تسهيل الحياة على الإنسان وفتحها بشكل يحدده المعني لا غيره، وحتى مع التسليم بوجود هوامش خطر، لا يمكن أن يصل الأمر حد مطاردة الآخرين، فهناك من تركوا كل شيء في حياتهم وتفرغوا لمهمة وحيدة وهي تعقب من حولهم والبحث عن هفوة أو فضيحة و فبركتها.
الكثير من الصفحات فتحت فقط بغرض الإساءة والقذف، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى جيران وأقرباء وزملاء في العمل تجسسوا على هواتف خاصة ونقلوا لقطات من مجريات الحياة اليومية، ليصنعوا منها حدثا ينشغل به الرأي العام.
القوانين الجزائرية تحاول التكيف مع هذا المستجد في الحياة وقد تم استحداث آليات لكشف الجريمة الالكترونية، وبيّنت الإحصائيات الصادرة عن الدرك والأمن أن هذا النوع من الجرائم لا يخرج عن الابتزاز والتشهير والإساءة، وأن أغلب الضحايا نساء وفتيات و مسؤولين، من السهل جدا ابتزازهم مقابل صورة أو رسالة خاصة.
ما نقلته النصر في عدد أمس بشواطئ وهران مجرد عيّنة على أن التكنولوجيا تستخدم عندنا للتضييق على الحياة بدل تسهيلها وأن التخلص من  الممارسات الخاطئة يكون بمواجهاتها لا بالرضوخ لها، بدليل أن نساء قرّرن تجاهل الأمر وتحدين هواة القنص بممارسة حياة طبيعية وكسر حاجز الخوف من « الفضيحة».
وإن كانت للبعض جرأة المواجهة فعلى المجتمع بأكمله أن يحارب الظاهرة المنافية لعادات المجتمع والقوانين والأخلاق، وهو أمر يبدأ من الأسرة قبل أن يخرج إلى الشارع، فظاهرة نشر الصورة في بلادنا تأخذ أبعادا خطيرة تنم عن حالة من عدم التفريق بين ما هو خاص وما هو عام.
تدريجيا انتقلنا في تعاطينا مع التكنولوجيا من مرحلة مشاركة الغير لحظات في حياتنا إلى التجسس ونصب المحاكم الافتراضية، ما خلق حالة من الوصاية « الأخلاقية»  تضع أي مواطن في خانة المتهم وتخول لأي مراهق يشعر بفراغ في حياته حق تعرية الآخرين تحت مسمى «الوعظ».
النصر

الرجوع إلى الأعلى