كان يكفي أن تكسر نجمات سينما جدار الصّمت حتى يبدأ التداعي الحرّ، ويكتشف العالم ظاهرة لا دين ولا عرق لها، تضرب كوكبنا و لا فرق في مُمارستها بين سكان مدن الزّجاج و القبائل الطارئة على المدنيّة.
ظاهرة “نجحت” في توحيد الإنسانية، إلى درجة أنها جمعت بين منتجٍ هوليودي وضع منصّة لإطلاق النّجمات في فندقٍ وداعيّة إسلامي في أوروبا يحاول البرهنة لمريداته أنه أحلى في الواقع من صورته في التلفزيون وكبير أطبّاء في فرنسا يدعو طبيبات إلى الجلوس على ركبتيه.
بدأ الأمر بتحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز» ممارسات المنتج السينمائي هارفي واينستين و سلّط الضوء على مسيرة ثلاثة عقود من التحرّش بممثلات وعاملات في شركة الإنتاج، ودفعت الفضيحة المُنتج إلى الاعتذار العلني والاعتراف بأنه مريض نفسيا، وامتدت ألسنة اللّهب، هذا الأسبوع، إلى المخرج جيمس توباك الذي يواجه نحو أربعين امرأة بتهمة مقايضة نزواته بالأدوار.
و سرعان ما "تعولمت" إدانة التحرّش، حيث صرّحت إيزابيل عجاني أن رجال السينما في فرنسا يتعاملون مع نسائها كعاهرات، قبل أن تتدخّل وزيرة الصحة الفرنسية، وهي أستاذة في الطب، لتؤكد أنها تعرضت في مسيرتها المهنيّة لسلوكات غير لائقة كأن يدعوها رئيس مصلحة إلى الجلوس على ركبتيه، وحثت الوزيرة الرجال على مشاركة النساء في الثورة على التحرّش في بلد تقول أحدث استطلاعات الرأي أن ثلاثة وخمسين من نسائه  تعرضن للعنف الجنسي أو التحرّش، وتسقط نخبه السياسية في قصص قاتلة، أشهرها قصة الفيل الاشتراكي الذي ضيّع الطريق إلى الإليزي بسبب عاملة نظافة وآخرها حكاية تحرش بطلها نائب في الأغلبية الحاكمة.
الظاهرة تحوّلت في الأيام الأخيرة إلى خبز يومي للصحافة العالمية، ويبدو أن العالم في حاجة إلى مراجعة الدفاتر القديمة للطبيب النمساوي الأكبر وكاشف أسرار النفوس الذي بيّن كيف يوجه "الليبيدو"بني البشر في كلّ الأمكنة و الأزمنة.
وقبل اعترافات مُمثلات هوليود التي هزّت الغرب، بسنوات طويلة، كانت عالمة الاجتماع العربية الكبيرة فاطمة المرنيسي قد كشفت في كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب” أنه لا فرق بين الرجل الغربي وشقيقه العربي في النظرة إلى المرأة، أي في اختزالها إلى موضوع جنسي، وفق ما توصلّت إليه وهي تضع مثقفين غربيين تحت التجربة.
 لكن الفرق يبقى واضحًا بين مجتمعات تسلّط الضوء على الظواهر المشينة وتدينها و أخرى تبقيها في الظلام ، كما هو شأن المجتمعات العربية( مع ضرورة استثناء تونسيات خرجن إلى الشارع تنديدا بالظاهرة ذاتها في وسائل النقل) ولنا أن نتصوّر ماذا سيحدث لو تحرّرت ألسنة النساء العربيات و أخرجن إلى العلن ما تخفيه الصّدور.
سليم بوفنداسة

 
الرجوع إلى الأعلى