من حقّ فرنسا أن تحتفي بالكتّاب الذين ينقّبون عن «ثرائها» المهمل في المستعمرات السابقة.  يجوز لبوجدرة أن يغضب . يحقّ لكمال داود أن يرفض حشره في جماعة مسلّحة. يحقّ لخضرة أن يستاء. لكن الملفت في القصّة هو العنف المتبادل بين منتجي جمال لا يتردّدون في تقديم مصطلح “قِتال” للبرهان على رجاحة المُوقف، حيث يخبرنا كمال داود ضمن مبرّرات قرار مقاضاة بوجدرة، أنه كان يقاتل بالقلم في تسعينيّات القرن الماضي، وبالتالي فإن بوجدرة أخطأ في تصنيفه، ويخبرنا خضرة أنه كان يقاتل في الجبال حين كان بوجدرة متوقّفا عن القتال، وبالتالي لا يجوز له إصدار فتوى بخصوص “فضل الليل على النهار”!
أما بوجدرة فقد دخل "المعركة" بنيّة واضحة: "تصفيّة" الخصوم!
وفي السيّاق سينضمّ مُقاتلون إلى كلّ فيلق، وسيكون فيلق كبير المحاربين هو الأضعف لأنّه غير مسنودٍ سوى بتاريخ طويل من الإبداع ومن الشّغب.
من حقّ المتابع أن يتساءل عن أسباب تحوّل كتّاب  إلى “مُقاتلين” يخرجون من الأدب إلى ساحةٍ أخرى  يتركون فيها ريشهم  وبقايا سُمعة ربّما تقاذفتها أقدامُ تجّار الإثارة الذين لا يحتاجون من الكاتب سوى بعض الجمل القاتلة في حقّ أخيه الكاتب لتوفير سلعة مطلوبة في سوق الكراهيّة.
قدّ تتعدّد الإجابات، لكن المحزن في الأمر أنّنا لا زلنا نتماهى  مع غيرنا، ولازال من كُتّابنا من تضطرّه ظروفه إلى بيع الموقف قبل بيع الكتاب طلبا لمجدٍ  سريعٍ  أو لخبزٍ مرّ. و المحزن ثانيةً أنّنا لا زلنا نغفل القيمة في تقييم الإبداع ونعتمد المعايير السيّاسية والاجتماعيّة والدينيّة وغيرها...
 والمحزن مرّة أخرى، أن المبدع الحقيقي مُستثنى من التقدير الاجتماعي والسياسي فيما يتقدّم المزيّف إلى مقدّمة المشهد، لأن الصدّور لا زالت تضيق كلّما تعلّق الأمر بالنقد أو بقول الحقيقة بلا سجع أو قافية.
وقد يكون ذلك ما يدفع مثقفين إلى القتال، بحثا عن مكانة وهميّة، خصوصا وأن “حرب النّجوم” التي لا تغفلها الصّحافة تخفي حروبا صغيرة تدور على شبكات التواصل الاجتماعي بين كتّاب لم “يتعنّبوا» بعد ينشدون المكانة ذاتها.
ملاحظة  
حين يخرج المبدعُ من مداره، قد يضطرّ إلى استخدام أدوات يسيء استخدامها إليه: أدوات العامّة والسّاسة.
سليم بوفنداسة

 
    • الخروج من حُجرة الكتابة

      خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو الذي فضّل أن يختتم الرحلة في الحجرة ذاتها التي شهدت ميلاد أبطاله، تمامًا كبطله  العجوز "بلانك" المحتجز في غرفةٍ ليُحاسب على ما...

    • قطارُ الباطل

      سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما...

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى