تعكس التصريحات الأخيرة لوزراء حكومة بايرو بشأن الجزائر حجم الانقسام بشأن التعاطي مع الأزمة الدبلوماسية بين باريس والجزائر، ففي الوقت الذي لوح وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو بالاستقالة في حال ليّنت باريس موقفها حيال الجزائر، قال فرانسوا بايرو «أن الدبلوماسية لا يمكن أن تُحدد بالاضطرابات والمواقف الشعبوية.» وهو تصريح يتطابق مع ذهب إليه وزيره للخارجية جان نويل بارو الذي قال الأسبوع الماضي أنه «لا توجد رغبة في التصعيد مع الجزائر».
يواصل وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو حملته الشعواء تجاه الجزائر، في كل ظهور إعلامي له، وهو ينفث سمومه برعاية اليمين المتطرف، محاولا بشتى الطرق والوسائل القذرة تعميق الأزمة الدبلوماسية أكثر بين الجزائر وباريس، في وقت تواجه حكومته انتقادات لاذعة من قبل اليسار وأقصى اليسار بسبب فشل الحكومة
في إيجاد الحلول للمشاكل التي تتخبط فيها فرنسا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهي مشاكل قد تعجل بسقوط الحكومة الفرنسية ودخول البلاد في أزمة سياسية غير مسبوقة.
في محاولة لكسر أي محاولة للتهدئة وبعث قنوات الحوار بين فرنسا والجزائر بعد تصريحات الرئيس ماكرون بشأن اتفاقية الهجرة، خرج وزير الداخلية روتايو «بخطاب تهديدي» ملوحا بورقة بالاستقالة من منصبه في حال اختارت باريس “التهدئة” مع الجزائر وابتعدت عن منطق التشويه والابتزاز الذي سلكه منذ توليه حقيبة الداخلية مدعوما بأنصاره من اليمين المتطرف الراغبين في إعلان القطيعة مع الجزائر لاستخدامها كذريعة لإلغاء كل الاتفاقيات القائمة بين البلدين وعلى رأسها اتفاقية الهجرة، حيث يسعى من خلال حملة التضليل والتشويه التي يرددها عبر وسائل الإعلام ضد الجزائر لاستمالة المتطرفين في أقصى اليمين تحسبا لانتخابات رئاسية محتملة. ولم يلق هذا التلويح بالاستقالة الدعم من رئيس الحكومة فرنسوا بايرو الذي سارع إلى تصحيح موقف وزيره للداخلية، موضحا بأن الدبلوماسية لا يمكن أن تُحدد بالاضطرابات والمواقف الشعبوية، وهي ثاني صفعة يتلقاها روتايو بسبب مواقفه من العلاقات مع الجزائر، بعد التصويب الذي جاء على لسان الرئيس الفرنسي ماكرون الذي تدخل لتذكيره بشكل خاص أن تعديل الاتفاق الثنائي لعام 1968، الذي ينظم تنقل وإقامة الجزائريين في فرنسا، هو من اختصاص الإليزيه فقط. وهو التصويب الذي حمل رسالة واضحة أن مهمة تحديد وتوجيه السياسة الخارجية في فرنسا لا تدخل ضمن صلاحيات وزير الداخلية.
«كما رد، أمس، الوزير الأول الفرنسي، فرانسوا بايرو، على تصريحات روتايو وذكر أن بلاده تحتفظ بعلاقات تاريخية وإنسانية عميقة مع الجزائر، وأن التوترات الدبلوماسية لا يمكن معالجتها من خلال التهديدات العلنية. وقال: ‘هل لدينا صعوبات مع الشعب الجزائري؟ لا، مؤكّدًا على أهمية التعاون مع ملايين الفرنسيين من أصل جزائري الذين يعيشون في فرنسا.»
وتؤكد تصريحات الوزير الأول الفرنسي ردا على تهديد برونو ريتايو، الانقسام الكبير داخل الحكومة الفرنسية في التعامل مع ملف العلاقات الثنائية مع الجزائر، وابداء عديد الوزراء رفضهم لمنطق القبضة الحديدية وتفضيل الحوار لحل المشاكل العالقة، وهو ما أكده وزير الخارجية جان نويل بارو، في تصريح امام نواب البرلمان، الذي أكد أن بلاده تريد إقامة علاقات جيدة مع الجزائر، وأعرب في جلسة في الجمعية الوطنية قبل أسبوع عن تطلّع بلاده إلى “إقامة علاقات جيدة مع الجزائر، وهي دولة مجاورة تربطنا بها علاقات وثيقة” على حد قوله.
من جانبها اتهمت رئيس المجموعة البرلمانية لحزب فرنسا الأبية، ماتيلد بانو، وزير الداخلية بالاستحواذ على صلاحيات لا يخولها له الدستور وقالت: ‘هو ليس وزير الخارجية ولا رئيس الجمهورية›. واعتبرت في تصريح لقناة «أل.سي. اي» الإخبارية، أن وزير الداخلية «هو مسبب للمشاكل’. محذرة من انحدار نحو «الأصول العرقية» في فرنسا مع تنامي التطرف وظهور التيارات النازية المتطرفة التي لا تجد ردا من وزير الداخلية، لأنه مشغول جدًا بالتصعيد مع الجزائر...»
ونبّهت، في وقت سابق، إلى رغبة اليمين المتطرف وممثليه في فرنسا في أن يفرضوا على العلاقات الجزائرية – الفرنسية “ضغائنهم المليئة بالوعيد والتهديد، وهي الضغائن التي يفصحون عنها علنا ودون أدنى تحفظ أو قيد”، ويؤكد التركيز المفرط لوزير الداخلية الفرنسي على الجزائر أنه “مكلف بمهمة”.
ع سمير