أكد رئيس لجنة ذاكرة العالم، في منظمة اليونيسكو بالجزائر، أحمد بن زليخة، يوم أمس، على أهمية استغلال الحلول التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات، وخاصة الذكاء الاصطناعي، من أجل الحفاظ على التراث الوثائقي صونا للذاكرة الوطنية وتعزيزها.
وفي محاضرة قدمها في مقر اللجنة الوطنية للتربية والعلم والثقافة، لليونيسكو بالجزائر العاصمة، أوضح السيد بن زليخة أهمية استغلال التقنيات الحديثة «وبشكل مدروس» للمساهمة في حفظ التراث الوثائقي وإتاحته لقطاعات واسعة من الجمهور بطرق مبتكرة وجذابة، مبرزا في هذا الصدد أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تتيح الوصول إلى التراث الثقافي من خلال تطبيقات ذكية، ما يعزز من مشاركة أكبر للفئات المختلفة من المجتمع في حماية هذا التراث.
وبعد أن استفاض في إبراز أهمية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحويل الوثائق التاريخية والتراثية إلى صيغ رقمية، وتحسين الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالتراث الوطني من خلال أنظمة ذكية للبحث والتوصية، بأكثر فاعلية وسهولة، وبالتالي تعزيز الذاكرة الوطنية للأجيال القادمة، أكد الباحث بن زليخة، بأن الحفاظ على الذاكرة الوطنية وترقيتها في ظل التحديات الجيوسياسية أمر بالغ الأهمية لضمان استمرارية الهوية الثقافية وحماية المصالح الوطنية، ما يتطلب – كما شدد - تضافر جهود الأفراد والمؤسسات الوطنية، واستغلال التكنولوجيا الحديثة لضمان توثيق هذا التراث وحمايته.
وقال ‹› إن التزام الأجيال الحالية بحماية تاريخها وثقافتها سيكون له تأثير بالغ في تعزيز الاستقرار السياسي و الاجتماعي، وتعميق الفخر الوطني للأجيال القادمة››، مضيفا، ‹› إن الحفاظ على الذاكرة الوطنية وترقيتها في ظل التحديات الجيوسياسية يتطلب وعيا وفهما عميقين لأهمية هذا التراث في الحفاظ على المصالح الوطنية».
وفي إبرازه لأهميته، أكد بن زليخة أن التراث الوثائقي، يُعد من الركائز الأساسية في صون الذاكرة الوطنية، باعتبار أنه يتيح توثيق الهوية والتاريخ، ويعد عاملا أساسيا في إبراز أهم محطات الأحداث الكبرى والتفاصيل اليومية التي شكلت هوية الأمة ومسارها التاريخي، إلى جانب الحفاظ على السيادة الثقافية، كمرجع يُثبت أصالة الثقافة الوطنية واستقلالها، ويمنع طمسها أو تحريفها من قبل الآخرين.
كما أشار بن زليخة وهو خبير في علوم الإعلام والاتصال أن التراث الوثائقي يوفّر مصادر أولية للباحثين لفهم الماضي وتحليل تطورات المجتمع على أسس واقعية موثقة، فضلا لاضطلاعه – كما أضاف – بوظيفة ‹›تعزيز الانتماء الوطني، باعتبار أن الاطلاع على هذا التراث يغذي الشعور بالفخر والانتماء للوطن، ويُعرّف الأجيال الجديدة بتاريخها وأمجادها..
وإلى جانب ذلك فإن التراث الوثائقي يلعب دورا محوريا – حسب المحاضر - في تعزيز التماسك الاجتماعي والثقافي من خلال عدة جوانب أساسية، أهمها – كما ذكر - ‹› تعزيز الهوية الوطنية والثقافية، ونقل القيم والموروثات، وتعزيز الحوار والتفاهم، وبناء الذاكرة الجماعية، مبرزا في هذا الصدد بأن الوثائق تحفظ الأحداث المهمة التي شكلت تاريخ الأمة، وتسهم في صياغة الذاكرة الجماعية التي تجمع أفراد المجتمع حول سرد مشترك››.
وإضافة إلى ذلك يؤكد الكاتب بن زليخة، أن التراث الوثائقي يلعب دورا جوهريا في كتابة التاريخ وتعزيز المقاربات الموثقة، باعتباره مصدرا أساسيا للمعلومة، فضلا عن كونه يتيح التحقق من صحة الروايات، من خلال مقارنة الوثائق المختلفة، و يمكن للمؤرخ أن يتحقق من مدى صحة الروايات الشفوية أو النصوص التاريخية، مما يعزز الموضوعية والدقة في السرد التاريخي.
كما يتيح التراث الوثائقي – يضيف المحاضر - كشف الزوايا المنسية من التاريخ، وبناء مقاربات علمية متعددة.
وفي استعراضه للتجارب الدولية في هذا المجال أكد المحاضر أن التراث الوثائقي يمكن أن يكون أداة قوية لتوحيد الشعوب وتعزيز التضامن بينها، مشيرا في هذا السياق إلى الذاكرة المشتركة بين الجزائر المكافحة ويوغوسلافيا، مبرزا الروابط التاريخية والقيم المشتركة التي يمكن للتراث الوثائقي أن يحافظ عليها وينقلها للأجيال القادمة.
كما أعطى رئيس لجنة ذاكرة العالم، عدة أمثلة حول تجارب دولية في الحفاظ على التراث الوثائقي على غرار فنزويلا التي أنشأت مؤسسة «أرشيف بوليفار الوطني»، والتي تحتفظ بوثائق أصلية تخص خطابات سيمون بوليفار، ورسائله السياسية، وحملاته العسكرية، والتي أعلنت اليونسكو إدراج مجموعة منها في 2013 ضمن برنامج «ذاكرة العالم» لحماية التراث الوثائقي العالمي.
ع.أسابع