تمضي الجزائر لتطوير شراكاتها مع المؤسسات الأمريكية العملاقة في مجال الطاقة، بهدف تحقيق مزيد من الاكتشافات النفطية والغازية في الحقول الواقعة جنوب البلاد، وكذا المكامن البحرية عبر سلسة من الاتفاقيات والتفاهمات بين سوناطراك وكبرى شركات النفط الامريكية التي أصبحت تتهافت لدخول مجال الاستكشاف النفطي في الجزائر خاصة بعد مراجعة الإطار القانوني الخاص بالاستثمار في مجال المحروقات والذي منح مزايا هامة للشركات الدولية الراغبة في الاستثمار.
تعمل الجزائر والولايات المتحدة الأميركية على تعزيز التعاون الثنائي في عديد المجالات على غرار التعاون الاقتصادي وتصدر قطاع الطاقة قائمة المجالات ذات الأولوية «ضمن رغبة ثنائية لتوطيد العلاقات بما يعود بالنفع على الجانبين، وتأكيدا لهذا التوجه استقبل رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في غضون يومين وفدين رفيعي المستوى عن الشركتين الأمريكيتين «شيفرون» و «اكسون موبيل» في سياق المفاوضات الجارية لإطلاق استثمارات هامة بالجزائر.
وحرص الرئيس تبون على استقبال وفد عن الشركة الامريكية «إيكسون موبيل» للتأكيد على الاهتمام الذي توليه الجزائر للتعاون مع إحدى أكبر الشركات الطاقوية الامريكية التي ترغب في إطلاق مشاريع هامة لتطوير المحروقات من جهة وبرامج لتحسين مستويات الاسترجاع النفطي في الحقول التي هي قيد الاستغلال والعمل على إعادة تشكيل الاحتياطي الوطني من المحروقات.
ويعد اللقاء الثاني من نوعه بين الرئيس تبون ومسؤولي الشركات النفطية الأمريكية الكبرى خلال 24 ساعة، بعد استقباله وفدا عن شركة شيفرون، بمقر رئاسة الجمهورية، حيث أكد نائب الرئيس للتطوير التجاري لـ”شيفرون”، جو كوك، قائلا: “هذا اللقاء يشجعنا إذ أنه يتطابق مع الاتفاق المبدئي من أجل التفاوض ومباشرة العمل، وقد لمسنا أن هناك تجاوبا لمواصلة المباحثات”.
وكانت الشركة الأمريكية قد سجلت عودتها إلى الجزائر في 2024 بعد التوقيع على اتفاقية مع مجمع سوناطراك، من أجل تطوير موارد المحروقات بحوضي أهنات وبركين، الواقعتين جنوب البلاد. وتُعد هذه المذكرة، وفقاً للطرفين، منصة حوار استراتيجية تُمهد لدراسة فرص استغلال الإمكانات المنجمية الكامنة بالحوضين، مع التركيز على الكفاءة التشغيلية، واعتماد التكنولوجيا المتقدمة، وأفضل الممارسات في مجالات الاستدامة والبيئة.
ووصف حينها الرئيس المدير العام للمجمع، رشيد حشيشي، الاتفاقية بـ”التاريخية” التي تجسد رؤية استراتيجية مشتركة، تسمح للطرفين بالعمل على استكشاف واستغلال الثروات الطاقوية الوطنية، مبرزا أن الاهتمام الذي أبدته الشركة الأمريكية يعكس “الثقة الكبيرة التي تحظى بها الجزائر كمجال منجمي واعد، وسوناطراك كشريك موثوق قادر على تطوير تعاون مثمر”.بعد ذلك، أعلنت سوناطراك شهر جانفي الماضي، عن توقيع اتفاق مع الشركة الامريكية، لإنجاز دراسة حول إمكانات موارد المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية. وتهدف هذه الاتفاقية، التي تمتد لمدة 24 شهرا، إلى إنجاز دراسة معمقة لتقييم إمكانيات الموارد النفطية في المنطقة البحرية الجزائرية، كما تمثل خطوة استراتيجية لتعزيز التعاون بين الجزائر وشركة “شيفرون” في مجال الدراسات التقنية والجيولوجية، مما يمهد الطريق لمشاريع استكشاف وتطوير مستقبلية تهدف إلى تثمين موارد المحروقات الوطنية.
تعزيز التعاون الطاقوي بين البلدين
وقد شهدت العلاقات بين البلدين في مجال الطاقة تطورا محسوسا في الفترة الأخيرة خاصة حول التعاون في تطوير مكامن المحروقات وكذا ما يتعلق بتطبيق تقنيات الاستخراج المعزز للنفط، بغرض تعظيم الإنتاج وتعزيز عوامل الاسترجاع النهائي. كما وقعت شركة سوناطراك مذكرتي تفاهم مع وشركة “أوكسيدنتال بتروليوم كوربوريشن” الأمريكية، على هامش المنتدى الجزائري الأمريكي للطاقة 2025، بهدف تعزيز وتوسيع تعاونهما في مجال استكشاف وانتاج المحروقات في الجزائر.وتتعلق مذكرة التفاهم الأولى، “بتحديد إطار المناقشات المتعلقة بدراسة إمكانيات التعاون في تطوير المكامن الكربوناتية”، أما المذكرة الثانية، فتنص على “تطبيق تقنيات الاستخراج المعزز للنفط، بغرض تعظيم الإنتاج وتعزيز عوامل الاسترجاع النهائي”. وتعمل سوناطراك وشركة أوكسيدنتال للتذكير، مع شريكين آخرين على استغلال محيط بركين التعاقدي، وذلك في إطار عقد للمحروقات تم توقيعه في 2022.
وتستهدف الجزائر، وفق ما صرح به وزير الخارجية أحمد عطاف، استقطاب الشركات الأمريكية العملاقة الثلاث (ميجور) أكسيدنتال وشفرون واكسن موبيل. كما سبق للسفير الجزائري في واشنطن، صبري بوقادوم، أن قام بعمل ترويجي في وسائل الإعلام الأمريكية لجذب استثمارات أمريكة وأوضح بوقادوم في حوار مع موقع “يو أس آي توداي بيزنس”، أن الولايات المتحدة، كانت أكبر شريك تجاري للجزائر قبل 15 إلى 20 عاماً، بحجم تبادل تجاري يتراوح بين 18 و20 مليار دولار سنوياً. ومع أن التحولات في إنتاج الطاقة الأميركية أثرت على ميزان التبادل التجاري، إلا أن النفط الجزائري، حسبه، لا يزال يتمتع بمكانة متميزة بسبب جودته العالية وانخفاض نسبة الكبريت فيه، مما يجعله يُباع بسعر أعلى بمقدار 2-3 دولارات للبرميل.
شدد السفير على أن الجزائر ظلت دائماً ملتزمة بتعهداتها في مجال أمن الطاقة، حيث لم تتوقف عن تزويد شركائها حتى في أصعب الفترات. ومع تزايد الطلب على موارد الطاقة الجزائرية، أكد أن بلاده ستواصل دورها كمزود موثوق للطاقة لأوروبا والعالم، مع التركيز على الاستدامة وضمان الاستقرار في الإمدادات.وفي وقت تواجه فيه أسواق الطاقة العالمية حالة من عدم اليقين، تسعى الجزائر إلى استعادة موقعها كمورد موثوق، لا سيما للسوق الأوروبية التي تبحث عن بدائل طويلة الأمد في ظل اضطرابات الإمداد من روسيا. وقد أظهرت الجزائر مرونة لافتة في السنوات الأخيرة عبر تعزيز شراكاتها مع إيطاليا، وإسبانيا، وألمانيا، وترسيخ مكانتها كقوة إقليمية في مجال الغاز الطبيعي.
ع سمير