بدأت الجزائر تجني ثمار الإصلاحات التي باشرها رئيس الجمهورية في مجال الاستثمار، والتي ترتكز على دعم المبادرة ورفع العراقيل البيروقراطية والإدارية واعتماد مسار شفاف وموحد لإيداع الملفات ومتابعة تجسيدها، وهي السياسة التي سمحت بتسجيل آلاف المشاريع الاستثمارية شُرع في تجسيد العديد منها، بالأخص الاستثمارات الكبرى التي تتم في إطار الشراكة وتشمل قطاعات عديدة ستسمح بتغيير وجه الجزائر في غضون سنوات قليلة.
وضع رئيس الجمهورية على رأس أولوياته تشجيع الاستثمارات ورفع العراقيل التي حالت دون تجسيد المئات من المشاريع، بسبب قرارات إدارية أدت بشكل أو بآخر إلى تعطيل عجلة التنمية، وقد باشر إصلاحات سمحت برسم هندسة نمو جديدة تم تفعيلها عبر قانون الاستثمار الذي تضمن تدابير محفزة بعيدا عن التقييد الإداري فضلاً عن دعم منظم يعزز قدرة الجزائر على جذب الاستثمارات، سواء كانت وطنية أو بالشراكة مع أجانب.
وتركزت هذه السياسة على رفع كل التعقيدات الإدارية والتي كانت سببا في تعطيل مئات المشاريع خلال فترة النظام السابق، وعمل على إطلاقها، لينتقل في مرحلة ثانية إلى هندسة جديدة للاستثمار من خلال إقرار الشباك الوحيد حتى يصبح نافذة يجد فيها المستثمر جميع الخدمات بالتركيز على نقطتين أساسيتين أولهما رخص البناء وثانيهما رخصة الاستغلال.
وترمي السياسة المذكورة إلى تحسين مناخ الاستثمار بغرض زرع الثقة لدى المتعاملين الاقتصاديين بما يعزّز النمو الاقتصادي ويحقّق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي بنيت على ثلاث ركائز أساسية أولها وضوح واستقرار التشريعات، تبسيط الإجراءات وتيسيرها بما يتيح خدمات ذات جودة للمستثمرين في إطار الشفافية والمساواة في المعاملة بما يعزز ثقتهم، وتوافق سياسة الاستثمار مع التوجهات الاستراتيجية الكبرى للدولة.
وقد أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خلال اللقاء الإعلامي الأخير، أن تجسيد المشاريع الاستثمارية يسير وفق ما تمت برمجته إلى غاية نهاية السنة الجارية، مبرزا أن كافة العراقيل البيروقراطية التي كان يواجهها المستثمرون لاسيما في مجال العقار قد تم رفعها. وأضاف رئيس الجمهورية أنه تم تحقيق “من 80 إلى 85 بالمائة من الأهداف المسطرة في مجال الاستثمار وتحريك عجلة التنمية”، منوها بحجم المشاريع الاستثمارية المسجلة في عديد القطاعات.
تسجيل أزيد من 15 ألف مشروع استثماري
وقد سجلت الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمارات، أزيد من 15 ألف مشروع استثماري بقيمة إجمالية قدرت بـ 50.8 مليار دولار مع توقعات بخلق 378 ألف منصب عمل. واعتبر مدير الوكالة عدد المشاريع المسجلة دليلا على ديناميكية اقتصادية تشهدها البلاد. كما أشار إلى وجود 702 مشروع تخطت مرحلة الإنجاز ودخلت مرحلة الإنتاج.
كما بلغ عدد المشاريع المرتبطة بالأجانب، سواء كاستثمارات مباشرة أو بالشراكة، 270 مشروعا بقيمة إجمالية مصرح بها تقدر ب9 مليار دولار.
وأوضح ركاش أن هذه الاستثمارات ترتكز على قطاعات نشاط متعددة، خاصة الصناعة والفلاحة والطاقات المتجددة، مؤكدا أن عدد المشاريع المسجل لحد الآن هو "رقم أولي فقط، نظرا لتلقي العديد من الرغبات الأجنبية في الاستثمار .
استثمارات كبرى ذات طابع استراتيجي
وحسب تقديرات أجنبية فانّ قيمة المشاريع والاستثمارات المنجزة في الجزائر حاليًا بلغت 37 مليار دولار، تتضمّن البناء والإنشاءات بقيمة 2.3 مليارات دولار، الطاقة والصناعة 12.9 مليار دولار، الطاقة والمياه 4.7 مليار دولار، والنقل 14.4 مليار دولار أميركي. أمّا قيمة المشاريع الاستثمارية التي هي قيد الإنجاز حاليًا، فتبلغ 79.4 مليار دولار، تتضمّن الصناعة والطاقة 41.4 مليار دولار، والنقل 22.3 مليار دولار، المياه والطاقة 9.5 مليار دولار، وأخيرًا البناء ب 6.3 مليار دولار.
وظفر الاقتصاد الجزائري بأكبر قيمة عقود وصفقات استثمارية في عام 2024، لتبلغ 9.8 مليار دولار، مقابل 3.7 مليار دولار في عام 2023، و3.2 مليار دولار في عام 2022، 6.8 مليار دولار عام 2021، و3.6 مليار دولار في عام 2020.
وتمحورت المشاريع في الغالب في استثمارات كبرى ذات طابع استراتيجي، منها مشاريع البنى التحتية والطاقة. والملاحظ في جميع هذه المشاريع أنها تحت إشراف وملكية شركات جزائرية وبكفاءات وخبرات جزائرية بنسبة 100 بالمائة، إلاّ مشروعين طاقويين فقط يقعان بالشراكة والتعاون بين “سوناطراك” وشركائها الأجانب مثل “سيبسا” الإسبانية و”إيني” الإيطالية.
وتم تسجيل مشروع ضخم لمجمّع "ليون" الماليزي الذي "سيستثمر في الحديد والصلب والألمنيوم، بمبلغ إجمالي يقدر بـ8 ملايير دولار موزع على أربع مراحل، حيث تقدّر القيمة الاستثمارية الإجمالية للمرحلة الأولى المتعلقة بتوطين الاستثمار من ماليزيا بـ3,7 مليار دولار”. وسيعزز هذا "المشروع الواعد والجاد" الصورة الإيجابية لمناخ الاستثمار في الجزائر كما سيتم العمل والحرص على تجسيده نظرا لمناصب الشغل التي سيوفرها ولخبرته التي ستساعد في إنشاء المناطق الصناعية وتهيئتها.
كما يجري تنفيذ مشاريع هامة من خلال مجمعات عمومية ومنها المشاريع التي تديرها "مدار القابضة" على غرار مشروع سحق البذور الزيتية المسمى بـ”كتامة للأغذية الزراعية (كتامة أغريفود)، الذي يعد من أهم مشاريع مجموعة “مدار القابضة”، إضافة إلى مصنع لتكرير السكر. حيث وقعت مؤسسة “تافاديس” المتخصصة في تكرير السكر في الجزائر وهي فرع تابع لمجمع “مدار“،على مذكرة تفاهم مع المؤسسة الأمريكية “رياسول” بهدف تطوير مشروع مندمج لصناعة السكر.
ويتضمن برنامج الحكومة تنفيذ مجموعة من المشاريع الهيكلية ذات حجم عالمي منها ما هو قيد الإنجاز أو الدراسة، أهمها المصفاة الجديدة بمنطقة حاسي مسعود بقدرة إنتاجية 5 مليون طن وقد خصص مبلغ 3,7 مليار دولار لإنجاز هذا المشروع، ومحطة تحويل زيت الوقود بمصفاة سكيكدة بقدرة انتاجية 4,6 مليون طن وقد خصص لها مبلغ 1,4 مليار دولار، ومشروع MTBE بمنطقة أرزيو من أجل تثمين الميثانول وجزء من البوتان بطاقة إنتاجية 200 ألف طن وقد خصص مبلغ 520 مليون دولار لإنجاز هذا المشروع، ومشروع "ألكيل بنزان الخطي" بسكيكدة من أجل استبدال الواردات المستخدمة كمادة أولية لإنتاج المنظفات وتثمين الكيروسين والبنزين لإنتاج 100 كيلو طن وقد خصص مبلغ 460 مليون دولار لإنجاز هذا المشروع.
ومشروع آخر لإزالة الهيدروجين من البروبان وإنتاج البروبيلانبارزيو بالشراكة مع شركة توتال بقدرة إنتاجية 550 ألف طن / السنة وقد خصص لهذا المشروع مبلغ 1,4 مليار دولار، وكذا مشروع الميثانول ومشتقاته بمنطقة أرزيو من أجل التسويق دوليا مع أولوية تموين السوق الوطني بقدرة إنتاجية 720 ألف طن وقد خصص لهذا المشروع مبلغ 6,3 مليار دولار.
اهتمام صيني بالمشاريع الاستراتيجية في الجزائر
تحسن مناخ الاستثمار كان عاملا حاسما في جذب الاستثمارات الصينية في عديد المجالات، حيث تمّ إحصاء 42 مشروعا صينيا بقيمة تفوق 4.5 ملايير دولار، 22 مشروعا منها استثمارات مباشرة و20 مشروعا آخر بالشراكة بين مؤسّسات صينية ومتعاملين وطنيين، وتتعلق أغلب هذه المشاريع بالقطاع الصناعي مما يعكس ثقة متنامية في السوق الجزائرية. ويعكس هذا التوجّه رغبة حقيقية في توسيع الحضور الصيني في الجزائر، والانتقال من المشاركة في المناقصات، الطلبيات والخدمات إلى استغلال ما تقدّمه الجزائر من مزايا تنافسية من أجل إنجاز استثمارات منتجة.
حصلت الشركة الصينية “جينقدونج ستيل”، الأسبوع الماضي، على عقد امتياز يمكنها من الحصول على عقار اقتصادي لإقامة مصنع لإنتاج الحديد والصلب بولاية المسيلة، بقيمة تقدر بـ500 مليون دولار. وذكرت الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار في بيان لها، أن الشركة الصينية ستجسد هذا المشروع المهيكل بالمنطقة الصناعية “ذراع الحاجة” على مساحة 36 هكتارا، بقدرة إنتاجية إجمالية تصل إلى 500 ألف طن سنويا من الصفائح الفولاذية والأنابيب الفولاذية بمختلف أنواعها.
وارتبطت الجزائر والصين بحزمة مشاريع حيوية، لا سيما إنجاز خط السكك الحديدية بشار غار جبيلات، واستغلال منجم الحديد بغار بتندوف (ظفرت به ثلاث شركات صينية لاستخراج خام الحديد بأكثر من ملياري دولار)، ومشروع استغلال وتحويل الفوسفات ببلاد الهدبة بتبسة (استثمار صيني بقيمة سبعة مليارات دولار في قطاع الفوسفات لإنتاج 5.4 ملايين طن من الأسمدة بمختلف أنواعها سنوياً)، ومشروع الأسمدة الفوسفاتية في واد الكبريت بسوق اهراس الحدودية مع تونس، وتطوير منجم الزنك والرصاص بواد أميزور ببجاية شرقي البلاد، وغيرها من المشاريع الحيوية بالنسبة للجزائر.
ويعد منجم غارا جبيلات رهانا كبيرا لمستقبل التعدين والصناعة في الجزائر، نظرا لما يحمله من إمكانات ضخمة على المستويات المحلية والوطنية والدولية، ويتوفر على احتياطيات تُقدّر بـ3.5 مليار طن من الحديد، منها 1.5 مليار طن قابلة للاستغلال الصناعي، بنسبة تركيز حديد تتراوح بين 55 و58 بالمائة، ما يجعله واحدا من أغنى المناجم غير المستغلة في العالم.
ويرتبط المشروع بعدة منشآت مرافقة، أبرزها خط السكة الحديدية بطول 950 كيلومتر بين تندوف وبشار لنقل الخام إلى موانئ التصدير أو المصانع، كما يشمل إنشاء محطات لتحلية المياه لتوفير الموارد المائية الضرورية للمنجم، إضافة إلى مصانع معالجة لفصل الفسفور وتحويل الخام إلى منتجات قابلة للتصنيع أو التصدير.
نقلة نوعية في الاستثمارات القطرية بالجزائر
و عرفت الاستثمارات القطرية نموا متواصلا في الجزائر كما سجلت نقلة نوعية من خلال التركيز على مشاريع هامة في قطاعات مختلفة، على غرار الحديد والصلب، ثم الصحة من خلال المستشفى المشترك وصولا إلى مشروع إنتاج مسحوق الحليب لتمتد الاستثمارات إلى قطاع الطاقة الذي شهد دخول أول شركة قطرية.
وبهذا الخصوص خطا مشروع "بلدنا" خطوة جديدة في طريق التجسيد بعد التوقيع أمس الأول، على أول حزمة من العقود الممهدة لتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع المزرعة المتكاملة لإنتاج الحليب المجفف، المقرّر إقامته في منطقة أدرار، باستثمار إجمالي يُقدّر بـ3.5 مليار دولار أميركي. وتُمثّل هذه الشراكة خطوة جديدة في مسار التعاون الاستراتيجي بين البلدين، وتتيح للجزائر تحقيق أحد أبرز أهدافها في مجال تعزيز الأمن الغذائي الوطني على نحوٍ مستدام، من خلال إنشاء نظام حديث ومتكامل لإنتاج الحليب يعتمد على أحدث التقنيات وبالتعاون الوثيق بين الفاعلين المحليين والدوليين.
ومن المقرر إطلاق عملية إنتاج الحليب مع بداية تكوين القطيع (الأبقار) ابتداء من سنة 2026, من خلال استيراد سلالات أبقار منتقاة بعناية وفق أعلى المعايير العالمية من حيث كفاءة الإنتاج والقدرة على التأقلم مع المناخ المحلي.
ويعد هذا المشروع الثاني الذي يجري تنفيذه منذ زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى الدوحة، حيث يجري إنجاز مشروع مستشفى عصري، بسعة 400 سرير، يستوفي المعايير الدولية في مجال الهندسة الاستشفائية والتسيير العصري.
كما يعد مجمع بلارة للحديد والصلب المملوك لشركة قطر للحديد، من أكبر وحدات الاختزال في العالم، كما يصنف واحدا من أضخم المجمعات الصناعية في الجزائر وأفريقيا، ويتوقع أن ينافس عالميا عند بلوغ معدل الإنتاج 5 ملايين طن سنويا، ووحدة الاختزال هي واحدة من تسعة يضمها المصنع وتبلغ طاقتها الامتحانية 2,5 طن سنويا من الحديد المختزل.
كما سجلت قطر حضورها لأول مرة في قطاع المحروقات بالجزائر، بعد دخول "قطر للطاقة" في قطاع الاستكشاف الطاقوي بالجزائر، ويعد هذا المشروع أول حضور فعلي للشركة القطرية في السوق الجزائرية. وتغطي منطقة أهارا، التي تقع عند نقطة تقاطع حوضي بركين وإليزي المعروفين بغزارة الإنتاج، مساحة تقارب من 14 ألفا و900 كيلومتر مربع.
استثمارات عُمانية بقيمة 10 ملايير دولار
وتستهدف الجزائر استقطاب الاستثمارات العمانية، حيث تهدف الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار إلى تعزيز الاستثمارات العُمانية في الجزائر لتتجاوز 10 ملايير دولار، من خلال تأسيس صندوق استثمار مشترك، مع تسجيل طلبات استثمارية في قطاعات متنوعة.
وتم تسجيل طلبات لعدد من الشركات العُمانية للاستثمار في الجزائر، تم خلالها الاتفاق على بعض القطاعات كإنشاء خط شحن بحري مشترك بين البلدين، ويجري حاليًّا التفاوض بين مجموعة أسياد ومجمعي "مدار" و" جاتما" الجزائريين، كما يجري العمل على إنهاء الإجراءات الخاصة بإقامة مشروع سيارات هيونداي بالجزائر، إضافة إلى مشروع إنشاء أسطول صيد بحري مشترك بين البلدين مع الجانب الموريتاني طرفاً ثالثاً.
كما توجد مشاورات بين الجانبين العُماني والجزائري للاستثمار في القطاع الدوائي والصيدلاني بالإضافة إلى الاتفاق على إقامة مشروع مصهر للألمنيوم .
مشاريع عمـلاقة بين الجزائر وإيطاليا
وتنظر إيطاليا إلى الجزائر كـ "بوابة إستراتيجية للأسواق الإفريقية، حيث تستفيد الجزائر في هذا الصدّد من الاستثمارات الكبرى، خاصة في الجنوب الذي يحتضن أضخم مشروع متكامل لشركة (بونيفيكي فيراريزي-بي.إف) الإيطالية، بقيمة 420 مليون دولار، لإنتاج الحبوب والبقوليات والعجائن الغذائية، في إطار خطة الحكومة لزيادة الإنتاج المحلي من الحبوب. وتجري مباحثات بين الطرفين لبحث سبل توسيع المشروع الفلاحي الجزائري-الإيطالي المندمج بولاية تيميمون ليشمل إنتاج اللحوم الحمراء .
كما أبدت شركات إيطالية، رغبة للاستثمار، لتنفيذ مشاريع صناعية وفلاحية كبرى، في ظل التقارب الكبير بين الجزائر وإيطاليا ونجاح شركات إيطالية في تنفيذ إستثمارات صناعية ضخمة على غرار عملاق السيّارات ستيلانتيس، الذي نجح في تصنيع سيّارة فيات في الجزائر.
كما تخطط الحكومة لزيادة التعاون مع الشركات الأميركية بمشاريع في النفط والغاز والتعدين والطاقة المتجددة. حيث شهدت العلاقات بين البلدين في مجال الطاقة تطورا محسوسا في الفترة الأخيرة خاصة حول التعاون في تطوير مكامن المحروقات وكذا ما يتعلق بتطبيق تقنيات الاستخراج المعزز للنفط، بغرض تعظيم الإنتاج وتعزيز عوامل الاسترجاع النهائي.
ع سمير