تدفعُ "نوايا حسنة" بعض الأكاديميين الجزائريين للمشاركة في برامج سجاليّة في قنوات عربيّة وأجنبيّة ناطقة بالعربيّة، دفاعًا عن وجهة النّظر الجزائريّة في حصصٍ مُعدّة ومُصمّمة، أصلًا، لإثارة مشكلة وليس لتسليط الأضواء على حدثٍ معيّن وفق القواعد المهنيّة.
لذلك لا تنفعُ الحماسةُ ولا وجاهة الطّرح أصحابها، في كثيرٍ من الأحيان، بل قد يكون ذلك بالضّبط ما تريده القناةُ المستضيفة، خصوصًا حين يكون "الخصمُ" في النّقاش والمنشّط ومعدُّ البرنامج من جهةٍ واحدةٍ، و لا يحتاج المتابعُ المطّلع إلى جهدٍ ليعرف بأنّ الميزان مختلّ وأنّ الجزائريَّ مستدرجٌ لاستيفاء البروتوكول الذي يقتضي طرح وجهتي النّظر، وربما نفع المتدخّلُ هنا خصمَه أكثـر مما خدم الطّرح الذي يدافع عنه، لا سيّما إن خانته اللّغة في بعض المواضع، أو لم يحضّر نفسه لمناقشة ملف معيّن فيسبق حماسُه الحُجّةَ.
يحتاجُ المتدخّل في قنواتٍ من هذا النّوع إلى معرفة قبليّة بتوجّه القناة والأجندات التي تخدمها، مثلما يحتاج إلى سرعة البديهة وإلى أن يكون "مسيّساً" يمتلك أدوات قراءة الوضعيّات الحواريّة التي يكون فيها، وأن يكون مدركًا
بأنّه مطالبٌ بإقناع المتلقي في نزالٍ فكريّ لا ضرورة فيه لتكرار خطاب سيّاسي داخلي، مثلما يفعل النّاشط السيّاسي كريم زريبي في قنوات فرنسيّة بما في ذلك اليمينيّة منها، حيث استطاع في كلّ التدخلات أن ينتصر للطرح الجزائري بأسلوب مُقنع، يقوم على إرباك الخطاب المضاد بإبراز تناقضاته وتهافته وعدم وجاهته و ازدواجية المعايير المستخدمة، وتمكّن في أكثـر من مرّة من تسفيه معلّقين ومنشّطين متواطئين في بلاتوهات مصمّمة لإحراجه.
ليس خافيًّا أن الإعلام (و حوامله من منصّات وشبكات تواصل)، تحوّل إلى سلاحٍ في الحروب الناعمة و الوحشيّة على حدّ سواء، و تُضمر برامج تلفزيونية استراتيجيات اتصال لترسيخ توجّهات وسيّاسات أو إلحاق الضّرر بصورة الآخر المستهدف بأساليب تحقّق الهدف، فإذلال صاحب موقف في مُناظرة أو سجالٍ يعني مراكمة رصيدٍ رمزي لصالح خصمه في نزالٍ غير معلنٍ بين الجهتين اللّتين يمثّلانها.
ما يعني أنّ التوجّه إلى بعض القنوات يقتضي "مؤهّلات" وقبل ذلك إحاطة بخفايا اللّعبة الإعلاميّة، ولا يكفي اللّقب الأكاديمي ولا المعلومات النّظرية ولا التألّق في قنواتٍ محليّة أحادية التوجّه، وقد تكون قاعدة الصّمت الذهبيّة أجدى، في كثير من الأحيان، من محاولات إبراز الحقّ في غابة الباطل.
سليم بوفنداسة