سليم بوفنداسة
تُخفي الحربُ الدائرة حربًا مُضمرة، قد تُسمى باسمها خارج الدوائر الرسميّة والأدبيّات السياسيّة والدبلوماسيّة، إنّها حربٌ دينيّة مهما كثـرت في وصفها الأسماء، وهناك من يُطلق عليها اسم الحرب الحضاريّة لا سيّما في الغرب الذي ترى بعض نخبه بأنّ الكيان ينوب عنها في حروبٍ تسعى إلى تجميلها من خلال تقديمها كدفاع عن القيّم، لإخفاء السلوك الوحشيّ لكيان مُنفلتٍ يجري استخدامه ضدّ رافضي الهيمنة والاستعمار في طبعته الجديدة.
تُحيل المواقف السيّاسيّة والمعالجات الإعلاميّة الغربيّة للحرب الأخيرة، إلى مأزق أخلاقي، بل إلى فضيحة، فاغتيال علماء إيرانيين يعتبر إنجازًا شأنه شأن الاعتداء، أما ردّ الفعل فيوصف بالجريمة، وتعاطف المحلّلين المتصهينين في القنوات الفرنسيّة مثلا، لا يحدث سوى مع جهة واحدة، وكذلك يفعل صحافيون مخضرمون وكتّاب ينظرون إلى العالم من الزاويّة الواحدة المسموح بالنّظر منها.
هذا الانحياز ظهر أيضًا في المذبحة المفتوحة في غزة، و يؤكد بوضوحٍ الخلفيّة الدينيّة للصراع، أي التحالف اليهودي المسيحي ضدّ الإسلام.
يعمل التحالف المذكور على ابتزاز دول المعسكر المضاد وحرمانها من امتلاك أسباب القوّة وتفكيكها، إن كانت عصيّة على التطويع، ويحول دون تقاربها ولا يسمح لها ببناء كيانات اقتصاديّة.
لذلك تبدو بعض الأطروحات التي تتحدّث عن الحريّة والديمقراطيّة في إيران أو تستدعي الاختلافات المذهبية في هذا الظرف، مُجانبة للصواب، بل ومتهافتة.
وكذلك الأمر بالنسبة لأطروحات نُخبٍ عربيّة لازالت تُقدّم الغرب كراعٍ للحريّات وكوكيل معتمد للديمقراطيّة، وتُناضل من أجل ذلك على صفحات الجرائد و بلاتوهات التلفزيونات، في مواقف تبعث على الشّفقة والحزن، قبل أن تُثير الغضب.
فالغرب الذي بلغت شعوبه مستويات من الحريّة حقّق ما حقّقه نتيجة تطوّر اجتماعي له شروطه و مساره التاريخي، وبالتالي فإنه لن يهبك الحريّة، بل إنّه يحوّلك إلى عبدٍ بقميص نظيف، ويستخدمك لإيذاء أهلك. وهذا الغرب بالذات هو الذي غرس أشجار التخلّف ولا زال إلى يومك هذا يرعاها، وهو الذي ينهب ثروات البلدان ويسفك دماء الشعوب، من دون تأنيب ضمير، والكيان الذي يقدمه لك كواحةٍ للديمقراطيّة والحرية، هو الكيان ذاته الذي يحرق الأطفال تطبيقا لتعليمات الأساطير الدينيّة المؤسّسة، فإذا كنت ترى في قتل الأطفال وحرقهم فضيلةً ما، هنيئًا لك!