يساهم بعض أبناء مدينة القليعة بولاية تيبازة، في إعادة إحياء موروثها التقليدي من خلال أفران مصنوعة من الطين، تملأ الشوارع بروائح خبز تقليدي يحضر ويخبز على طريقة الأجداد، وتشكل اليوم علامة مميزة لكل زائر وتفتح آفاقا نحو فرص عمل جديدة.
على قارعة الطريق الرئيسي لمدينة القليعة، وغير بعيد عن محلات بيع الخيزران وتلك السلال الممتلئة بمختلف أجود منتوجات المنطقة المعروفة بخيراتها الفلاحية، تتلاصق تلك الأفران الطينية ببعضها البعض، وأكوام الخبز المصفوفة أمامها، ودخان خفيف تتصاعد معه روائح الخبز الزكية ا.
طين الأجداد يصنع مستقبل الأجيال
وبين الفرن والآخر، تتوقف الكثير من المركبات بعد أن سحرتها تلك الرائحة، ورغبة في اقتناء ذلك الخبز التقليدي الذي يدفعك الحنين نحوه، يقول السيد أحمد أحد خبازي هذه الأفران أنه ومنذ سنوات وبعد معاناته من البطالة ما عدا العمل في بستان العائلة خلال وقت معين فقط من السنة، فكر في إيجاد عمل آخر لا يكون بعيدا عن خصوصية نشاط المنطقة، فقرر أن يجسد فرنا كذلك المتواجد في بيتهم القديم، حيث قام ببناء الفرن بواسطة نوع معين من الطين مع بقايا مادة الشعير ومواد أخرى، وقد ساعدته في ذلك زوجته التي تقوم بتحضير العجين، ليقوم هو بطهيه بطريقة محترفة يقول أنه تدرب عليها كثيرا.
ويضيف السيد أحمد أن مباشرته لبيع الخبز التقليدي بين مطلوع ورخسيس ومشاهدة ذلك الإقبال خاصة من الزوار من خارج المدينة في فصل الربيع وموسم الاصطياف، شجع العديد من أبناء المدينة على السير على خطاه، بحيث قام البعض ببناء أفران مشابهة في نفس المنطقة، بينما قام آخرون ببنائها بالقرب من الشواطئ، مستغلين التوافد الكبير للزوار وتقديم أجود أنواع الخبز التقليدي الذي تتميز به المنطقة خاصة المطلوع المصنوع من السميد.
عندما تنتصر الطبيعة
وعن الأنواع التي يوفرها هؤلاء الخبازون، قال من تحدثنا إليهم أنهم يقومون بتحضير الخبز التقليدي وبمكونات تقليدية وبسيطة دون إدخال مواد كيميائية عليها، وأضاف أحدهم أن هذا ما يساهم في استمرار هذا النشاط، كما أن الكثيرين يطلبون خبز الشعير والقمح الكامل، بينما قال أحد الزبائن أن الرائحة تجبر السائقين على التوقف حتى وإن كانوا ليسوا بحاجة للخبز، في حين قال آخر أنه يشتري يوميا الخبز التقليدي من هذه الأفران لجودته وخلوه من المضافات المضرة بالجسم بحسب تعبيره.
الخبز التقليدي لم يعد بمرور الوقت النشاط الوحيد لهؤلاء الخبازين، بل راحوا لإدخال خدمات أخرى منها صناعة المردوم وهو اللحم المطبوخ تحت الفحم، ويحضر بطلب مسبق خلال الأيام العادية بينما يوفر يوميا خلال موسم الاصطياف، فضلا عن أباريق الشاي المعد على الجمر والتي تزين طاولات الخبز وتغري كل من يرغب في شراء الخبز على ارتشاف كوب من الشاي لتكون النكهة تقليدية طبيعية بحسب ما قاله أحد الزبائن.
ولأن أفران الطين أضحت مؤخرا سمة مميزة بمنطقة القليعة، فإنها وبالإضافة لكونها ساهمت في إعادة بعث هذا الموروث من خلال الحفاظ على الوصفات التقليدية وطريقة الطهي بالخشب والطين، فقد ساهم هذا النشاط في خلق فرص عمل للعديد من البطالين بالمنطقة، فيما فكر آخرون في دمج هذا النشاط مع المطاعم العادية، علما أن كميات كبيرة من هذا الخبز توجه بحسب من يقومون بتحضيره للمطاعم الكبيرة والمتخصصة في تقديم كل ما هو تقليدي.
إ.زياري