بعد استقلال الجزائر قبل 63 عاما، انطلقت معركة محو الأمية المتفشية بين السكان، كهدف مقدس ينبغي تحقيقه مهما كان الثمن، فكانت المدرسة الابتدائية النواة الأولى لمنظومة التعليم في بلد خارج للتو من استعمار طويل، ترك وراءه الفقر و الأمية و المستقبل الصعب. و لم يكن بوسع الجزائر المستقلة بناء المؤسسات التعليمية الحديثة، لاستقبال مئات الآلاف من الأطفال الذين بلغوا سن التمدرس، و لم يلتحقوا بعد بالمدرسة، التي كانت في ذلك الوقت حلما بعيد المنال، كانت الإمكانات المالية و البشرية محدودة، لكن معركة محو الأمية كانت الخيار الصعب، الذي ينبغي المضي فيه، لبناء الجزائر المستقلة على أسس قوية عمادها التعليم المجاني الذي يعد ثمرة الاستقلال و التحرر من ليل الاستعمار الطويل.
بولاية قالمة كما في كل مناطق الوطن، كانت المدرسة الابتدائية على الخطوط الأولى لتطويق الجهل و الأمية، و كان القرار ببناء مدارس الصفيح، و استغلال كل ما يصلح للتدريس، حتى لو كان مستودعا، أو بناية قديمة في منطقة نائية، بالكاد يصل إليها المعلمون راجلين أو على ظهور البغال و الحمير.
و تعد مدارس الصفيح الجاهزة، إحدى الخيارات التي كانت متاحة في ذلك الوقت، لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الأطفال الذين جاؤوا من كل حدب و صوب لتعلم القراءة و الكتابة و الإفلات من مستنقع الأمية، الذي أغرق الجزائريين، و مازالت آثاره إلى اليوم بادية على هؤلاء الرجال و النساء، الذين لم يكن بوسعهم الدخول إلى المدرسة، حتى لو كانت من الصفيح و الأميونت و القرميد المتداعي. و قد انتشرت المدارس المغطاة بصفائح الزنك و الأميونت على نطاق واسع، لكنها كانت حلما يراود كل عائلة تسعى لتعليم أبنائها و التوجه إلى مستقبل جديد.
لم يكن الناس في ذلك الوقت ينظرون إلى جمال المدرسة و هندستها و نوعية أقسامها، كان التعليم و هو المقدس و المعلم القدوة، و المدرسة الحلم الذي لا يفارق كل طفل و عائلة حتى لو كانت هذه المدرسة من الصفيح المتداعي بمنطقة جبلية نائية. و مع مرور السنوات، زادت أعداد الملتحقين بالتعليم عبر مختلف مناطق الولاية، و زادت الحاجة إلى مزيد من المدارس الابتدائية، في كل قرية و في كل مدينة، و لم يكن من الممكن الاستغناء عن أقسام الصفيح، التي بقيت تشتغل بعدة مناطق حتى السنوات الأخيرة. و تعمل السلطات الولائية على غلق هذه الأقسام و تفكيكها، بعد إنجاز المئات من المدارس الابتدائية الجديدة، و تمدد الهياكل التعليمية إلى مزيد من الأحياء السكنية و القرى و المدن الجديدة، مدارس بهندسة متطورة، و طاقة شمسية نظيفة، و وسائل بيداغوجية متطورة، في تحول جديد للمدرسة الابتدائية، التي طوت حقبة طويلة من تاريخ الجزائر، و كفاحها المستمر ضد الجهل و الأمية، التي تعد من بين الجرائم الاستعمارية المرتكبة في حق الأمة الجزائرية التي توشك على القضاء النهائي على الأمية و مدارس الصفيح بلا رجعة.
و قال رابح زغلول، الإطار بقطاع التربية بقالمة للنصر، بأن تعداد المدارس الابتدائية بلغ 314 مع الدخول المدرسي الجديد 2025/2026 مضيفا بأنه لم يبق أي قسم من الصفيح أو الأميونت يشتغل عبر تراب الولاية، مشيدا بالجهود الكبيرة التي تبذل لتطوير المدرسة الابتدائية، و تقريبها من السكان، حتى تؤدي دورها التعليمي و التربوي، باعتبارها الحلقة الأقوى في المنظومة التعليمية الوطنية.
فريد.غ