يقوم أصحاب قاعات حفلات ذات واجهات فاخرة وروضات أطفال عصرية وعيادات خاصة متطورة وفيلات ضخمة ومحلات تجارية لغسل السيارات ونشاطات أخرى وكذا مواطنين، باستغلال المياه بطريقة غير قانونية على مستوى بلديات قسنطينة والخروب والمقاطعة الإدارية علي منجلي، وذلك منذ سنوات، بعد أن قاموا بتوصيلات غير شرعية تمتد غالبا من الشبكة الرئيسية، ما يترتب عنها تسربات مائية وتذبذب في توزيع المياه لبقية الزبائن، وكذا التسبب في تكبد شركة «سياكو» لخسائر مادية معتبرة، وفق ما وقفت عليه «سياكو» في معاينة ميدانية حضرتها النصر.
تحقيق: حاتم بن كحول
ورافقت النصر مصالح «سياكو» على مستوى 3 مناطق بولاية قسنطينة، على مدار يومين (أمس وأمس الأول) في معاينة ميدانية حول الاستغلال غير القانوني للمياه الصالحة للشرب لعدد من الهياكل التجارية أو الخدماتية أو بالنسبة للزبائن العاديين، والغريب أن «أبطال» الخروقات أشخاص ميسورو الحال، بل وصل الأمر ببعضهم استعمال تلك المياه في مسابح بفيلات الفاخرة دون تسديد سنتيم واحد.
بداية التحقيق قادتنا إلى منطقة تعج بقاعات الحفلات ببلدية قسنطينة، ويتعلق الأمر بمنطقة الجذور، أين لاحظنا عند وصولنا عددا كبيرا من القاعات ذات الواجهات العصرية الجميلة المتربعة على مساحات واسعة، لنستغرب لما علمنا من ممثل «سياكو» أنها القاعات المعنية باستغلال المياه بطريقة غير قانونية، ليتنقل وفد مكوّن من مصالح «سياكو» متمثل في المكلفة بالإعلام ومنظمة العملية آمال بن طوبال، ورؤساء مختلف المصالح وكذا مفتشة بمديرية البيئة، عمويري لامية إلى أصحاب تلك القاعات.
قاعات حفلات تستقبل العرسان بمياه غير قانونية
ووجد الوفد المراقب توصيلات عشوائية بقاعة عصرية، قام صاحبها بتوصيلات مباشرة من الشبكة الرئيسية، مكنته من التزود بالمياه الصالحة للشرب منذ أزيد من 3 سنوات بطريقة غير قانونية، وقالت شوادرية إسلام، رئيسة وكالة الزبائن بالكيلومتر الرابع، أن مصالحها شددت عدة مرات على صاحب القاعة بضرورة تسوية وضعيته، إلا أنه لم يلب الدعوة، موضحة أنه يملك قاعة أخرى وتم قطع توصيلة غير قانونية إلا أنه أعاد التوصيل مرة أخرى. كما دخل محل لإطعام السريع حيز الخدمة مؤخرا واسمه التجاري نفس اسم القاعة، كما سار صاحبه على خطى القاعة واستغل المياه بطريق غير شرعية أيضا، وتم ترك استدعاء لصاحبها بغية تسوية وضعيته.
توجهنا بعدها لقاعة أخرى تقع في حي بن عبد المالك رمضان، واتضح أن صاحبها يستغل المياه بطريقة غير قانونية من الجهة العلوية وتحديدا بسكنه العائلي، أين قام بتوصيلة من خارج السكن ممتدة إلى داخله عبر أنبوب أبيض، وتفطن أعوان «سياكو» لتوصيلتين أخريين تمتدان لقاعتين، وأكد أحد الأعوان أن الاستغلال غير شرعي يتواصل منذ سنة 2018، وتعذر عليهم مقاضاة أصحابها بسبب رفضهم إظهار هويتهم الحقيقية. ليثمر التحقيق بكشف توصيل آخر يمتد من تلك الشبكة إلى مزرعة صغيرة تقع بمحاذاة القاعة بحوالي 50 مترا.
وأوضحت شوادرية إسلام، أن تلك التوصيلات تؤثر كثيرا على توزيع المياه لبقية الزبائن، خاصة وأن الكميات المحددة مهيأة لتزويد عدد من العائلات ولكن أزيد من 100 توصيل عشوائي يفسد ذلك البرنامج ويقلص حصة البقية، مضيفة أن «سياكو» تفطنت لتوصيل القاعة الأولى بعد ورود شكاوى من مواطنين، بعد أن قام المعني بشق الطريق من أجل التوصيلة وتركها على حالها.
وأكد رئيس مصلحة مكافحة الغش، محمد بوجريو، وجود 3 توصيلات غير قانونية باتجاه قاعات حفلات، وتم ترك استدعاء لأصحابها من أجل تسوية وضعيتهم، موضحا أن «سياكو» تفضل الحل الودي قبل التحول إلى المقاضاة، خاصة وأن سرقة المياه يعاقب عليها القانون، فيما أكدت ممثلة مديرية البيئة أن أصحاب هذه القاعات رفضوا إظهار سجلاتهم التجارية ما جعلها تشكك في حيازتهم لها.
بيع مياه «سياكو» على أنها مياه طبيعية بحي أول نوفمبر
انتقلنا بعدها إلى حي أول نوفمبر، أين وجدنا مذبحا للدواجن يقع بمحاذاة الطريق الولائي رقم 158، يستغل المياه بطريقة غير قانونية، من خلال توصيلة ثانية، ورفض صاحبه فتح الباب، متظاهرا أنه غير متواجد به، وأكد ممثل الجهة الموزعة للمياه أنه ستتم مقاضاته، فيما لفت انتباهنا عدد من الشاحنات المحملة بصهاريج تقوم بملء الخزانات، لتؤكد ممثلة «سياكو» أن تلك المياه تباع على أنها مياه طبيعية، إلا أنها عبارة عن مياه «سياكو» وتم التأكد من ذلك بعد إخضاعها إلى الاختبارات اللازمة.
وقام صاحب المذبح برمي مخلفات ذبح الدواجن بالقرب من محله، وهنا تدخلت مفتشة البيئة لامية عمويري، مؤكدة أنها ستعد تقريرا بسبب تلك المهملات والنفايات التي تنبعث منها روائح كريهة، على أن يتم استدعاء المعني لجلب ترخيص الاستغلال وإلا سيتم إخضاعه للإجراءات اللازمة، موضحة أن مهامها تتمثل أيضا في إحصاء ومراقبة المؤسسات التي تنشط دون رخصة ولديها تأثير على البيئة والمحيط من ناحية الإنبعاثات الجوية أو النفايات الصلبة أو السائلة،
توجهنا بعدها إلى وكالة القنطرة، من أجل الوقوف على مدى قيام المواطنين بتوصيلات غير شرعية في الأحياء التابعة للوكالة، بداية بمذبح للدواجن على مستوى حي الأمير عبد القادر، أين أكد صاحبه أنه لم يستجب لاستدعاءات «سياكو» لأنه لا يملك مستحقات تسديد عملية التوصيل أو الاستغلال غير القانوني للمياه منذ سنوات، ليطمئنه فوزي بوطيطة، رئيس وكالة القنطرة، الذي وعده بأنه سيتلقى كل التسهيلات اللازمة من أجل تسوية وضعيته، عند حلوله بالوكالة، وأضاف المتحدث أن الهدف من العملية هو تحصيل مستحقات «سياكو» من خلال القضاء نهائيا على التوصيلات العشوائية والتي تؤثر سلبا على عملية التوزيع العام.
مواطنون يحتالون لاستغلال المياه بحي باب القنطرة
لنتوجه بعدها إلى حي باب القنطرة، أين وقفنا على توصيلات في مبنى يضم 3 سكنات فردية من خلال أنبوب طويل موصول بتلك السكنات القديمة، ليقوم القائمون على العملية بمنح استدعاءات لأصحابها بغية تسوية وضيعتهم.
وأكد رئيس وكالة القنطرة، أن التوصيلات غير القانونية تنتشر أكثر في أحياء الباردة وبشتارزي والأمير عبد القادر وبن تليس وباب القنطرة والتي يقوم فيها الموطنون بتوصيلات غير ظاهرة وبطريقة ذكية جدا، مضيفا أن التهرب أصبح ظاهرة يقوم بها أصحاب تلك السكنات، وحتى من ميسوري الحال الذين وجدتهم «سياكو» حسب المتحدث يقومون بملء مسابحهم بالمياه مجانا.
وأكدت رئيسة مصلحة المتنازعات بالمديرية العامة، إيمان طالبي، أن مصالحها تفضل دائما الحل الودي والتسوية مع المعنيين بالاستغلال غير الشرعي، موضحة أن البداية تكون دائما بطلب المعنيين بتوفير ملف لتسوية الوضعية، وهو ما يستجيب له الكثير من الزبائن، فيما تضطر الوكالة إلى مقاضاة الرافضين للحل الودي.
روضة أطفال وورشات بناء تنهب المياه وتؤثر على التوزيع
وتوجهت فرق المراقبة وقمع الغش إلى المقاطعة الإدارية علي منجلي، لنجد شكلا آخر من الاستغلال غير الشرعي للمياه، بداية بمحل لبيع اللحوم البيضاء بالوحدة الجوارية 18، من خلال توصيل عشوائي من شبكة التوزيع الرئيسية، لنتفاجأ بعدة تجار يغلقون محلاتهم التجارية ظنا منهم أننا لجنة مراقبة من مديرية التجارة، لنجد أن محلا للإطعام السريع يستغل أيضا المياه بطريقة غير قانونية ولكنه قام بغلق محله قبل وصول المحققين.
وحدة أخرى تعرف انتشارا واسعا للتوصيلات العشوائية، ويتعلق الأمر بالوحدة 20 أين وقفنا على توصيل دقيق وخفي أنجزه صاحب قصابة من خلال إخفائه بمادة حديدية تستعمل في تغطية واجهات المحلات، إلا أنه كان مغلقا أبوابه أثناء تواجد أعوان «سياكو»، لننتقل إلى هيكل آخر أثار استغرابنا، ويتمثل في روضة للأطفال منجزة بطريقة عصرية وحديثة وتتوفر على واجهة تثير الإعجاب، شوهتها أنابيب بيضاء صغيرة القطر ممتدة من الأرض إلى داخلها بكل واضح، ليقوم أعوان «سياكو» بعملهم في توجيه استدعاء لمسير هذه الروضة والذي وعد بتسوية ملفه في القريب العاجل، والغريب في الأمر أن الروضة تستغل المياه بهذه الطريقة منذ سنوات، لنصادف بناية في طور الانجاز يقوم صاحبها أيضا باستغلال مياه «سياكو في عمليات البناء.
فيلات فاخرة وعيادة خاصة بواجهة عصرية تستغل المياه مجانا
توجهنا بعدها إلى حي مفترق الطرق الأربعة أين وقفنا على استغلال عيادة خاصة تتميز بواجهة جميلة جدا، كما تتوفر على معدات طبية حديثة وقفنا عليها عند ولوجنا إليها، وأكد مسيرها أنه يستغل المياه بهذه الطريقة منذ سنوات، وهو نفس حال فيلات فاخرة وقاعة بمحاذاة العيادة، يستعمل أصحابها المياه مجانا رغم حالتهم المادية الميسورة.
كما وقفنا على استغلال مدرسة خاصة في طور الانجاز للمياه بطريقة غير قانونية، وبعد إصرار أعوان «سياكو» على دخول الورشات الواسعة، فتح حارسها الباب ليجد الأعوان صعوبة في إيجاد التوصيل، ليكتشفوا بعد مدة أن الحارس قام بإخفاء صنبور الماء بعلبة بلاستيكية، و هنا أكد عبد المنير ناصري رئيس وكالة علي منجلي 2، أن الرافعين يتفطنون لذلك التوصيل، ليتم الاتصال بفرقة مكافحة التوصيلات غير الشرعية ومصلحة المنازعات، موضحا أن البعض من التوصيلات تمتد لسنوات وأخرى لشهور، فيما يتم التفطن لأخرى في الحين، خاصة وأن بعض النشاطات تتطلب توفير كميات معتبرة من المياه، وهو ما يحدث مع ورشة انجاز مدرسة خاصة التي تستهلك كميات معتبرة عبر قناة قطرها 30 ملم، ما يؤثر سلبا على التوزيع، خاصة وأن الأشغال انطلقت بها شهر أكتوبر من سنة 2024.
توجهنا بعدها إلى الوحدة الجوارية 13، أين وجدنا محلا لغسل السيارات يستغل المياه دون مقابل منذ أزيد من 3 سنوات، مستعملا توصيلة طويلة تمتد لأمتار من داخل مجمع سكني، وعند إلقاء نظرة على مكان التوصيلة، وجدنا أن كل قاطني الطوابق الأرضية بهذا المجمع السكني الضخم يستغلون المياه مجانا، بعد أن قام المقاول بتلك التوصيلات محولا محلات تجارية إلى سكنات.
كما وجدنا في تحصيص بالوحدة الجوارية 5، أن عددا من الفيلات الفاخرة التي يركن أصحابها مركبات عصرية سعرها يفوق مليار سنتيم، يتزودون بالمياه مجانا، لنتحول بعدها إلى مدينة الخروب وتحديدا بحي «سوريبين»، أين تمتد توصيلات عشوائية من الشبكة الرئيسية داخل مجمع سكني إلى محلات تجارية واقعة في الجهة المقابلة وقام أصحابها بتغطيتها بمادة الاسمنت لإخفاء الأمر عن مصالح «سياكو»، وتنشط تلك المحلات في بيع الدواجن ومواد حديدية وترصيص وورشة ألمنيوم، وذلك منذ سنوات، كما صادفنا محلا لبيع اللحوم الحمراء في مدخل ماسينيسا، يستغل المياه من شبكة داخلية بعمارة، إلا أنه لم يتقبل استدعاءه لتسوية وضعيته، بل طالب بإصلاح التسربات عوضا عن مراقبته، لتختم الخرجة الميدانية بمزرعة سيدي أعمر أين قام صاحب سكن بها بتوصيلات غير قانونية وغادر المزرعة تاركا قنوات تستغل من طرف أصحاب محلات تجارية وكذا من طرف مواطنين يستعملونها في غسل مركباتهم وهو ما وقفنا عليه عند تواجدنا هناك.