كاتب «أم الحواضر» الذي نسته قسنطينة
لم تتذكره قسنطينة ولم تقف في ذكرى ميلاده ولا وفاته الموافقة ليوم10 ماي من كل سنة، في مناسباتها السارة العلمية منها والثقافية وكذا وهي تحتفي بنفسها عاصمة للثقافة العربية، على الرغم من أنه كان مُبرمجا أن يطبع خلالها كتابه عن تاريخها الذي أفنى سنينا من عمره منقبا عنه ومتتبعا في كتب الأقدمين والمحدثين، ولكن ذلك لم يتحقق ومرّت السنة ولم يذكر له اسم خلالها ولم يطبع له أثر وضاعت فرصة  طباعة كتب أخرى لصاحب "أم الحواضر في الماضي والحاضر، تاريخ مدينة  قسنطينة" العمل الوحيد الذي عرف طريقه للطبع، هو الذي ترك كما هائلا من الوثائق والبحوث والكراسات والملفات في مختلف الفنون والعلوم والآداب مخطوطة بيده في معظمها، وأخرى مرقونه بآلة كتابة ومتروكة  في بيته بحي الكدية وسط قسنطينة، تنتظر التحقيق والتصنيف لتعرف بدورها طريق النشر، فالرجل اشتهر بكتابه الوحيد المنشور عن تاريخ عاصمة الشرق ، والغريب أنه لا أحد يعرف اسم مؤلف الكتاب بقدر ما يعرفون الكتاب، هذا ما وقفنا عليه في جولة في مكتبات المدينة ، حيث قال من تحدّثنا إليهم أنهم يسمعون عن الكتاب ولم يصل إلى  أيديهم، حيث يتلقون طلبات من قراء بين الحين والآخر، عمي عمر وحده أطال الله في عمره صاحب المكتبة الجزائرية في مدخل شارع «الأربعين شريف» يعرف الكتاب وصاحبه، الذي كان مقررا إعادة طبعه بمناسبة تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، ولم يتحقق ذلك وتم طبع الكثير من الوثائق وتم عرضها وسط المدينة في معرض تم تنظيمه بالمناسبة وكل ما تم عرضه كان مكتوبا باللغة الفرنسية ، وسألنا حينها المشرفين على الجناح وأكدوا لنا أن ما هو معروض وحده ما تم طبعه في ذات المناسبة. وكانت النصر قد التقت ابن أخيه وكفيله ووريثه الذي عادت إليه تركته المادية والعلمية ويسكن بيته في شارع بن مليك بحي كدية عاتي، فريد باي الذي اكتشفنا وفاته بعد كتابة هذه السطور، و الذي كشف للنصر جوانب خاصة من حياة عمه الذي رافقه في حله وترحاله وكل مراحل حياته والمناصب التي شغل ومن كان يزوره في بيته، والجدير بالذكر أن فريد دلنا عليه أحد أصدقائه بمنحنا رقم هاتفه، ورفض الحديث إلينا أول الأمر، ولكنه لم يلبث أن استسلم أمام إصرارنا على لقائه والحديث إليه ولما علم بهدفنا فتح لنا قلبه.
أعد الملف: رضوان صالح الطيب

فريد باي ابن أخ محمد المهدي شغيب و كفيله للنصر
عمي أدار الكتانية حين كان بومدين و كافي  من طلابها وتزوّج ابنة أخت عبد الحميد بن باديس
يقول فريد أن عمه جاء إلى قسنطينة بعد أن ضاقت به قالمة في نهاية العشرينيات من القرن الماضي، وأصبح سنة 1948 مدرّسا في الكتانية ودرّس وأدارها في وقت مرّ عليها تلاميذ كان لهم الأثر الكبير في بناء تحرير البلاد ، وبناء الدولة الجزائرية بعد الاستقلال على غرار الرئيسين هواري بومدين ابن منطقته ولاية قالمة والعقيد علي كافي القادم من الحروش ولاية سكيكدة، وغيرهم كثير.
فشخصية الرجل حسب فريد من الصعب تناولها والإحاطة بتفاصيلها خلال  88 سنة عاشها، منها طالبا ومعلما وصحفيا وقاضيا ثم استاذا ومؤرخا وكاتبا للقصص الشعبية والتراجم والتحقيق والمقالات وغيرها كثير، إضافة إلى قرضه الشعر وكراسات دوّن فيها أهم الأحداث التي عايشها، من أشهر تلاميذه بالكتانية الرئيس الراحل هواري بومدين وعلى كافي وزيغود يوسف ولمين دباغين والعربي دماغ العتروس، حسب ابن أخيه وكفيله فريد باي، الذي أكد أن من بين من كان يزوره في بيته الأستاذ الوزير مولود قاسم والشيخ محمد الغزالي الذي كان والده صديقا للشيخ محمد المهدي شغيب بن علي، الذي ولد سنة 1908 بولاية قالمة وحفظ القرآن على يد والده الذي كان يعلم القرآن ويعيش من حرفة الخياطة يقول فريد باي  و لم يكن له أبناء، ماتت أمه سنة 1917 ثم والده عام 1924 وهو ابن 16 سنة، لم تثنه حياة اليتم عن طلب العلم بل واصل مسيرته وفتح له أول مدرسة في عنابة، التي لم يمكث فيها طويلا وعاد إلى قالمة ولكنها ضاقت به فغادرها وحطّ الرحال في قسنطينة فشغل مناصب وأدى مهاما إلى غاية  سنة 1947 أين درّس في معهد الكتانية إلى اندلاع الثورة التحريرية سنة 1954،  وأثناء ذلك تزوج من الكريمة حليمة بن العابد وهي ابنة أخت الشيخ عبد الحميد بن باديس خيرة المدعوة الزهرة وهو نسب شرّفه ورفع من مكانته فكانت نعم الرفيقة إلى أن توفيت سنة 1973، فتزوج خادمتها التي كانت من بنات الحسنى على عادة العائلات القسنطينية العريقة، وهي السيدة ربيحة بنت مرزوق سنة بعد وفاة زوجته، وحجت معه بعد أن صحح وثائق حالتها المدنية وتوفيت بدورها يوم 28 نوفمبر 1991.
يغادر منصب قضاء بسكرة ويعود لحاضرة العلم والعلماء قسنطينة
ويقول فريد أن عمه اشتغل بالقضاء في وادي سوف ثم بسكرة من سنة 1954 إلى غاية سنة 1964 وهو العام الذي  فضل فيه العودة إلى التعليم وقسنطينة، وأثناء ذلك عمل مدير تحرير إذاعتها الجهوية باعتباره كان يتقن العربية والفرنسية، تم قدم حصصا بها تعليمية وتاريخية وأخرى خاصة بالأطفال كان يحاوره فيها كل من المرحوم الربيع دعاس ونادية شوف وعثمان أمقران، هذا إلى جانب اهتمامه بالمطالعة والبحث والكتابة ولا حديث له إلاّ في هذه المجالات، في حياته أهدى مكتبة الشيخ صالح بن العابد القسنطيني ومكتبته الخاصة إلى جامعة الأمير عبد القادر لتدعم مكتبة الشيوخ التابعة للمكتبة المركزية بمناسبة افتتاح أول سنة دراسية لها وتولت المهمة السيدة بن العابد فريدة رئيسة الغرفة بالمجلس الشرعي بقسنطينة وزوجة الأستاذ عبد الحميد أبركان – عميد جامعة عنابة يومئذ – وهي حفيدة الشيخ صالح بن العابد، وبلغ عدد الكتب المهداة 343 كتابا، وعن حقيقة ما تركه من أرشيف وجهنا فريد باي إلى الأستاذ الدكتور اسماعيل سامعي، كان ذلك قبل سنتين وكان بدوره بصدد تأليف كتابه عن حياة وآثار عمه وكفيله على اعتبار أنه الوحيد الذي اطّلع عليها ،وحالت حينها ظروف قاهرة دون مواصلة كتابة هذا الموضوع عن العلامة محمد المهدي شغيب بن علي الذي ملأ الدنيا في حياته كتابة وتأليفا وحصصا إذاعية ومحاضرات، ومات في صمت في مدينة العلم والعلماء يوم 10 ماي 1996 ودخل بذلك زوايا النسيان ولم يعد اسمه يذكر على لسان، النصر أرادت بهذا الموضوع إحياء ذكرى الرجل الذي عمل بها في فترة السبعينيات من القرن الماضي كمتعاقد أو متعاون وهذا في عهد رئيس تحريرها محمد شباطة، وذلك بمقالات تاريخية عن مدن الجزائر كانت تنشر في الجريدة، وأول مقال له في الجريدة « تاريخ مدينة قسنطينة « ثم ترجمة «لابن الخطيب القسنطيني – ابن قنفذ – وذلك في 11 نوفمبر 1974 وانهى تعامله مع الجريدة بعد مضي 6 أشهر عندما تخلى عن رئاسة تحريرها محمد شباطة سنة 1975.وللإشارة فإن كتابه «أم الحواضر في الماضي والحاضر تاريخ مدينة قسنطينة» صدر عن مطبعة البعث سنة 1980 في طبعة أولى ويضم 579 صفحة في 3000 نسخة وهي الطبعة الوحيدة للكتاب، وكان مقررا طبعه في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية يقول فريد ولكن لم يتم ذلك لظروف لا يعلمها.

الدكتور إسماعيل سامعي للنصر
المهدي شغيب  تأثر بالكتاب الفرنسيين و كل ما كتبه صحيح و موثّق
صدر للدكتور اسماعيل سامعي أستاذ التاريخ بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة أواخر السنة الماضية كتاب تناول فيه حياة الشيخ محمد المهدي شغيب 1908 1996-، المعلم والمربي والصحفي والقاضي والمؤرخ، صاحب كتاب "أم الحواضر في الماضي والحاضر، تاريخ مدينة قسنطينة" وكتاب الأستاذ الدكتور اسماعيل سامعي ترجمة لحياته وإطلالة على جهوده وقراءته من شأنها أن تعيد للرجل الذي تمر غدا ذكرى وفاته الموافقة  لـ10 ماي 1996 مكانته العلمية وتفيد الباحثين والقراء، فالرجل رغم جهوده لا منبر اليوم يذكره، ولا مقال يحيي ذكراه، ولا اهتمام بما ترك من أثر، بعد أن فشلت محاولة إعادة طبع أثره الوحيد المطبوع عن تاريخ قسنطينة وهي تعيش فعالياتها عاصمة للثقافة العربية، فكان لنا هذا الحوار مع المؤلف الدكتور سامعي.
النصر: جاء في كتابكم أن بيئة المغرب العربي والجزائر خصوصا بيئة طاردة لرجال العلم والفكر أكثـر منها جاذبة، أو مغيبة ومميتة أحيانا ، أو يغيّبون فيها أو تُغيّب أعمالهم إلى حدّ الموت، أو تتجاهل أعمالهم وجهودهم حتى أصبحوا غرباء في بلادهم وبين أهليهم؛ فهل انطبق ذلك على مهدي شغيب؟
الدكتور سامعي: البيئة في الجزائر بصورة عامة والمغرب العربي تعودنا فيها على الثقافة الشفهية وليس المكتوبة، ولهذا نجد الكثير من الكتاب والمثقفين لم يكتبوا كثيرا وابن باديس نفسه لم يكتب كتابا رغم أنه كتب في العقيدة والحديث والتفسير في جرائد جمعية العلماء المسلمين وله مقالات كثيرة وفسّر القرآن في عامين، وخلّد ذلك الشاعر محمد ال عيد الخليفة، والشيخ بيوض فسّر القرآن بدوره ولكن شفهيا، فهذا نوع من التعود الذي دأب عليه علماء الجزائر نظرا لظروف الجزائر، فعلماؤها يخصصون الوقت لتربية وتثقيف المجتمع مباشرة لأن أغلب المجتمع كان أميا، فأصبحت هذه العادة تلازم الجزائريين وأصبح ذلك كأنه عادة موروثة حتى يومنا هذا، فقادة الجزائر وزعماؤها لم يكتبوا مذكراتهم وهذا يرجع إلى عقدة التواضع المفرط لأنهم يعتقدون أن من يكتب كتابا يجب أن يكون على درجة كبيرة جدا من العلم فيموتون ولا يكتبون، والشيخ النعيمي من هؤلاء له مكتبة كبيرة وكان معروفا بجمع المخطوطات ومثقف كبير ولكنه لم يكتب، إلا أن الشيخ المهدي شذّ عن هذه القاعدة، ترك أثرا واحدا مطبوعا عن تاريخ قسنطينة، إلى جانب آثار كثيرة مخطوطة، فهو على الأقل ترك مكتوبا وحاول أن يدون ترجمة لحياته ولكنه رغم ذلك ترك الكثير من نقاط الظل فيها.
النصر: أنتم الوحيد الذي انفرد بالاطّلاع على ركام الوثائق التي ترك الشيخ على حدّ تعبيركم، فما هي المجالات التي بحث فيها  وهل هي قابلة للنشر؟ وما القيمة المضافة التي يمكن أن تثـري بها المكتبة الجزائرية في حال طبعها؟وفيما انفرد عن غيره في أبحاثة وآثاره المخطوطة ؟
الدكتور سامعي: كان التاريخ المحلي هاجسه لمّا عمل في الاذاعة بقسم التعريب طوال الحرب العالمية الثانية، أين كان يحضّر حصصا تاريخية ويقدمها في القسم العربي من إذاعة الجزائر عن تاريخ المدن الجزائرية وينشر ذلك في مجلة تابعة لنفس الاذاعة تسمى « هنا الجزائر « ولم يكن قصده من عمله الاسترزاق بل تمرير رسالة توعية للشعب الجزائري، كما خصص برنامجا في إذاعة قسنطينة بعد الاستقلال يركز على نفس الاهتمام، « التاريخ المحلي لحواضر الشرق والغرب وقصص شعبية «، وقد كانت أهم مصادره فرنسية ، وهي اللغة التي تعلمها عصاميا وأجادها ويظهر ذلك في عمله بالقضاء أين كان يترجم الوثائق والعقود. والمخطوطات التي تركها تحتاج إلى تحقيق لأن بعضها لم يكتمل وبعضها لم يوثق والاهتمام بها يمكن أن يضيف الكثير إلى المكتبة الجزائرية، إلى جانب ذلك اهتم بالتدريس وله مخطوط عن طرق تدريس التربية الاسلامية وآخر بعنوان « الحارس لطلاب المدارس «، وكان يهتم كثيرا بالأطفال وله برنامج إذاعي خاص بهم يقدم فيه قصصا تحمل مواقف وبطولات من التاريخ الاسلامي ، كما  كتب عن بعض المدن الجزائرية وهذا ما يرجح فكرة اهتمامه الكبير بالتاريخ.
النصر: ذكرتم في ترجمتكم لمسار المهدي شغيب أنه عصامي التكوين لم يدخل مدرسة نظامية ولم يتخرج من جامعة ولا يحمل شهادة فما المنهج الذي اتخذه في أعماله وبحوثه ؟
الدكتور سامعي: اتبع منهاج الإخباريين الخالي من التحليل والتعليل ومناقشة الأحداث دون نقد وهو نهج السلف، الإخبار دون تبويب ولا ترتيب وهو ما يلاحظ على كتابه أم الحواضر في الماضي والحاضر، تاريخ قسنطينة، وهو ما ظل وفيا له ولم يستفد كثيرا مما تمكن منه من ثقافة ومناهج العصر، وأسلوبه في عرض المادة العلمية تغلب عليه الخطابة والوعظ، وكأنه يكتب لتلاميذ المدارس، ولكن كل ما كتبه صحيحا ودقيقا فبلغ القمة في الأمانة العلمية،ولكنه تأثر بالكتاب الفرنسيين فجاء منهاجه مزيجا بين الأصالة والحداثة ولكن طريقة السلف غلبت في الكتابة، وتميز بأن كل ما كتبه ونقله صحيح وموثق.
النصر: أحب مهدي شغيب التعليم ومارس الصحافة المكتوبة والمسموعة وعمل قاضيا طوال الثورة وما بعد الاستقلال ببسكرة، شخصية متعددة المواهب تجد نفسها بعد أن استرجعت البلاد حريتها، مطالبة بما يثبت المستوى العلمي بعد أن استقال من القضاء وفضل العودة إلى الفضاء الذي أحبه؛ التعليم يوم 9 أكتوبر 1964، كيف واجه ذلك وقد اتهمه فيما بعد مفتش للتربية بقلة الاهتمام؟
االدكتور سامعي: واجه ذلك بصبر وكتم غيظه ورضخ للقانون وأثبت مستواه بشهادة مزاولة التعليم بالمعهد الكتاني بقسنطينة أصدرها رئيس الرابطة العلمية لذات المعهد مصطفى بن معطي، ولما عاد إلى المهنة التي أحبها كان أول المؤطرين للندوات في جيجل بعد تعريب النشاط الثقافي  في المدارس الجزائرية فما وصفه به مفتش التربية سرعان ما نسيه، وواصل مشواره في التعليم إلى غاية تقاعده.
 النصر: أستاذ سامعي ما الذي تقترحونه فيما يخص الآثار التي تركها الشيخ محمد المهدي شغيب مخطوطة بيده ومرقونة على الآلة الكاتبة والتي مازالت محفوظة في بيته بعيدا عن أيدي الباحثين والمهتمين؟
الدكتور سامعي:: نطلب من عائلته توفير مجال للباحثين في بيته ممن يريدون الاطلاع على آثار الشيخ أو اهدائها للجامعة الاسلامية أو مركز التوثيق بالولاية لتكون في متناول الباحثين خاصة وأن لهذا الأخير كل الامكانيات والوسائل لحفظها وتبويبها ووضعها في متناول من يطلبها.
النصر : ما الدوافع وراء اسهامكم بهذه الإضافة العلمية للمكتبة الجزائرية عن هذه الشخصية التي تم تغييبها ولم يعد أحد يذكرها على الرغم من أن كتابه عن تاريخ قسنطينة يعتبر أهم ما كتب عن تاريخ المدينة.
الدكتور سامعي: اعتبرها دوافعا شخصية، فقد عرفته سنة 1984 بمناسبة انعقاد الملتقى التاريخي الأول للتاريخ والآثار الموسوم « تاريخ الشرق الجزائري ومنطقة قالمة « بقالمة، وأهديته كتابي « قالمة عبر التاريخ وانتفاضة 8 ماي 1954» ثم توطدت العلاقة بيننا وكان يشجعني على الكتابة، سواء بالكتابة أو باللقاء به في بيته، وهذه الشخصية ولدت وترعرعت بقالمة وأنا منها قبل أن ينتقل إلـــــى قسنطينة، إضافة إلى اهتمامي بإحياء ذكرى رجال العلم والعلماء المغمورين، وكان إسهاما مني في تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، إلا أنه لم تتح لكتابي طبعه في إطار هذه التظاهرة لظروف لا أعلمها، فما كان مني إلا أن طبعته على نفقتي الخاصة، باتصالي بمؤسسة حسين راس الجبل للنشر والتوزيع بقسنطينة، التي لم تدخر جهدا لإصداره، وهذا وفاء للرجل ولأعرّف به وبما ترك من آثار تنتظر أن يماط عنها الستار، كانت نتاج عمر قضاه في الاجتهاد والبحث والتنقيب في مختلف المصادر بين العربية والفرنسية، جراء تعدد ثقافته، فكتب عن المراكز الثقافية في قمم جبال بلاد القبائل والجزائر في العصر التركي، وقسنطينة مساجدها وعلماء الجزائر من الأسقف  سان أوغستين إلى ابن العنتري وابن باديس كما كتب مذكراته وفي التأليف المدرسي ومشروع تحقيق لمصنف علاج السفينة في بحر قسنطينة، ومذكرات عن الثورة وتصدير لرواية الثلاثة للشيخ الابراهيمي، وقصص شعبية مختارة موجهة للأطفال وله رسائل ومراسلات مع العلماء والمشايخ من بينهم عبد الحميد مهري، وأشعار ومواضيع كثيرة كان يقدمها في حصصه عبر إذاعة قسنطينة الجهوية.

الصحفي و المدير الأسبق لإذاعة قسنطينة  عثمان أمقران
فخر علماء قسنطينة  بعد ابن باديس
الشيخ محمد المهدي شغيب من علماء الأمة الذين خدموا هذا البلد خدمة فيها مسحة من الحكمة والبيّنات، ودعوة إلى الالتزام بالوفاء لتاريخ هذا البلد، وتضحيات أهله عبر القرون، عملت معه في إذاعة قسنطينة الجهوية، وقدمت له برامج كتبها لهذه الاذاعة وكنت من الذين أكثروا من الحديث عنه، وكنت أقدم هذه الحلقات التي تعنى بتربية وتزكية النفس، وتنقية القلب وتطهير المجتمع، من كل دواعي الافساد والفساد فكان الرجل مرابطا في ثغره، رباطا كله علم وكله فضل، وكله نبل فكنت ألقاه أحيانا في بيته يستقبلني يهش لي ويبش لي ، فيقول لي أنه يسمع إلي وأنا أقدم برامجه في الإذاعة فيُطرب أيّما طرب؛ لأنك تقدم ذلك بأسلوب فيه روح وريحان، والحقيقة كنت متجاوبا تجاوبا كبيرا مع ما يخطه قلمه، وما يدبّج به بيراعه تلك النفائس، تلك العرائس عن قسنطينة، عن تاريخ قسنطينة، عن جهاد قسنطينة عبر القرون، هذه المدينة التاريخية، هذا الحصن الحصين لأصالة الجزائر، قسنطينة ذات التاريخ العريق، 25 قرنا وهو تاريخها في هذا الوجود، قسنطينة نوميديا، قسنطينة الفتح الاسلامي، قسنطينة هذه الحاضرة، التي خرّجت للجزائر علماء حلماء، والشيخ شغيب يمثل ذلك العالم الذي انتجته قسنطينة وكان فخر علمائها، بعد الشيخ ابن باديس رحمه الله، وإن أنسى ولا أنسى ولن أنسى، أنه كان من الأوفياء لجمعية العلماء كان يرى أن هذه الجمعية قد رسخت جذور انتماء هذه الأمة لأصالتها لتاريخها.
الشيخ شغيب فقد كان حقا كما قلتها ذات زُمين يشغب على الباطل يشغب على الشر يشغب على الجهل والجهالات، ويقول أن هذه الأمة لا منجى لها ولا ملجأ إلا ربها تداوي النفوس بالحكمة والحنكة تعالج الأذواء والأمراض بطريق الحكمة.
وبارك الله في صحيفة النصر الغراء التي اهتمت بهذا الشيخ الجليل اهتمامها بعلماء كل هذه المنطقة فالنصر حقيقة صحيفة نصرت ومازالت تنصر العلم والعلماء والحكماء وكل من يعمل لصالح هذا البلد أشهد أن النصر التي كتبتُ فيها ذات زُمين أشهد أنها ظلت مرابطة في ثغر الوفاء والولاء للوطن.    

الرجوع إلى الأعلى