تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها الصّبغة الإنسانيّة، حتى  وإن لم تكن تلك القيّم غربيّة بالأساس، ويمكن اعتبارها من الغنائم التي جمعها الغرب في غزواته وسطوه على ثروات وخزائن الشعوب والأمم في أزمنة الكولونيالية التي لازالت نارها تسكنه وتدفعه لمباركة القتلة واللّصوص، لا لشيء سوى لأنّه يمتلك أدوات ترويج رواياته وأدوات الضغط لتصديقها، أي القوّة، التي هي سبيل الوحش لنيل ما لا يستحق.

سقطت في امتحان غزة الحكومات التي خاضت الحروب تحت عنوان إشاعة الديمقراطيّة والحريات والتدخل الإنساني، وسقطت منظمات مدنيّة وسقطت قلاعُ الصّحافة التي ظلّت لعقود واجهة برّاقة للغرب ومصدر إلهام  لمُمارسي هذه المهنة التّعيسة في مختلف أنحاء العالم، سقطت حين تخلى مانحو الدروس عن قواعد المهنة وأخلاقيّاتها، ولم يتردّدوا في امتداح قتلة الأطفال وتبرير همجيّتهم،  وقد تحوّلت قنوات إخباريّة عالمية إلى محاكم تفتيش  فضائيّة وهي تدفع ضيوفها من العرب والمسلمين إلى إدانة الضحايا والإقرار بأن ما يحدث من إبادة عقابٌ ضروريٌّ للفلسطينيين.
كل ذلك يشير إلى تحكم اللوبي سيء الذكر في المؤسسات الإعلاميّة العالميّة، إلى جانب هيمنته على المؤسسات السياسيّة باعتباره ضامنًا للفوز في الانتخابات الديمقراطيّة!  
وبلغ من سطوته على الحياة العامّة في بلاد الحريّات أن مدير وكالة الأنباء الفرنسية تعرّض للمساءلة حول السياسة التحريرية من طرف "السينا" لأنّ محرّري الوكالة لم يراعوا الأدبيات الإسرائيليّة في وصف المقاومة عند صيّاغتهم للبرقيّات!
وستسقط في الامتحان ذاته النّخب الطامحة للمجد شرقًا وغربًا، النّخب التي استفادت من درس "سيلين" الذي فضح الهندسة الخفيّة للصهيونيّة ودفع ثمن ذلك، بل إن الانتشار ونيل الجوائز باتا يحتكمان إلى "بند سري"، يفسّر الجبن الذي أصبح عليه كتّاب وفلاسفة عصرنا.
لكن سوط الصهيونية الذي تخشاه النّخب لم يعد يخيف الشعوب الغربيّة التي اكتشفت بهتان الرواية المكرّرة واكتشفت أنها محاصرة من طرف الأخطبوط ذاته الذي يحاصر غزّة ويقتل أطفالها. 

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى