بدأ الجزائريون يكتشفون الانجليزية، وبدأت هذه اللغة تكسب فضاء ببلادنا، في ظاهرة لا يمكن وصفها بغير الصحيّة حين يتعلّق الأمر بمجتمع مغلق ومنغلق.
وحتى وإن كانت «لغة العالم» لا تتمتّع بحظوة في نظام التعليم، فإن جزائريين باتوا يدفعون من أجل تعلّمها بعدما فتحت ثورة الاتصالات أعينهم على العالم وبعدما مكّنهم التواصل مع الشعوب من اكتشاف حقيقة مؤداها أن من لا يتقن هذه اللّغة سيبقى على هامش الحياة المعاصرة، أي أنه سيتواصل بالإيماء والإشارة  وسيكون محروما من تلقي المعارف والفنون.
طلبة وتجار ومثقفون وعشّاق محتملون وعاشقات و مرشّحون لهجرة شرعية أو غير شرعية سارعوا إلى القواميس والمعاهد الخاصّة لتدريب اللّسان والأصابع على اللغة الجديدة، اختلفت الأغراض لكن الحاجة واحدة سواء لطالب العلم أو الراغب في الدردشة أو التاجر الذي لا يريد مترجما مع مُمونيه، و الأمر، هنا،  يتعلّق بقوّة لغة تجعل الناس في حاجة إليها  وليس بلغة مفروضة بالقوّة كما هو حاصل عندنا، حيث يسود نزاع عبثي بين من يفرضون الفرنسية كلغة أمر واقع على الجزائريين وبين من ينافحون لفرض العربية محاولين تجاوز خذلان الواقع بخطاب القداسة.
والرهان سيكون على ديناميكية تثيرها الحاجة اللغوية، لتجاوز أمراض اللغة و الهوية التي تعرفها الجزائر في مرحلة ما بعد الكولونيالية (المستمرة)، مرحلة أنجبت نخبا "عصابية" يرى طرفا منها في الفرنسية لغة الحداثة والعلم، ويعتبر العربية لغة الإرهاب والتخلف، ويرى الطرف الآخر في الفرنسية لغة المستعمر التي يستمّر من خلالها في إدارة العقل الجزائري.
و لأن الطرف الأول يتحكم في زمام الأمور نجح في فرض لغته التي تحولت إلى لغة الحكم، في حين تحولت لغة الطرف الثاني إلى لغة الغضب.
وحتى وإن كان خبراء ومختصون يرون أن استنبات الانجليزية في الجزائر يحتاج إلى وقت طويل، فإن بداية ظهورها على اللسان الوطني المعذّب من شأنها أن تكون مقدمة للعلاج من المسّ الكولونيالي، لتتحول الفرنسية إلى لغة عادية كالإيطالية والإسبانية وليست لغة تفوق ولغة طبقة متعالية، وتتحوّل العربية إلى لغة وطنية منزوعة السلاح، أي لغة منصرفة إلى دورها الطبيعي ومعفاة من المقاومة.
ومن شأن انتشار هذه اللغة بين الأجيال الجديدة أن يمكن من استدخال ثقافة جديدة تحل محل ثقافة العنف والعجرفة!
سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى