بقليل من الشّعر يكتسبُ الشاعرُ اسمه وصفته، مالك حداد مثلا. خالد بن صالح بكلّ تأكيد.
لا يتأخر الشعر في الإشارة إلى صاحبه. لا ينفع الإصرار. لا ينفع الصّراخ، فمن جملة غريبة واحدة يُرى الشاعر.
بثلاثة دواوين ألقاها في صمت وهدوء صار الشاعرُ شاعرا مكتمل الملامح و مُعفى من تقديم المزيد، لولا أن "الأشياء التي تتأخر في أن تصير عادية لأسباب واهية" تستدعيه كي تستكمل انتسابها إلى العالم لغة، بعد أن عانت من قلّة الانتباه خارجها، لولا أن ما ألقاه يشعلُ عطشا إلى ما يليه  ويعلي سقف الانتظار.
لم يكن في حاجةٍ إلى مدنٍ كثيرة، كانت الحياة المتاحة تكفيه كي يُشعل النار و يطلق أشباحه العابثة، و لم تكن «الأشياء العادية» وحدها التي تحتاج طفل «الديس» الذي أنضج نفسه بنفسه، بل كان الشعر في حاجة إليه و قد عانى من ردّة صاحبت الموت المجاني الذي زرعه الرّعاة  في الأقاليم، في السنوات المجنونة، التي رسمها  وحماها من خطابة راجت في الجسد الشعري الجزائري، ومثلت انتكاسة صاحبت الانتكاسة العامة، كأن سوء التدبير الذي أجاب بالحرب على مشكلات طارئة شقيق خلل في الذائقة يوجه ضحاياه إلى الجرار العتيقة كلّما دعتهم حاجة إلى الابتكار.
وصل  خالد بن صالح في الوقت المناسب، وشكلّ مع قلّة حساسيّة جديدة، وضعت النصّ الجزائري في عصره، متجاوزة  النقاشات السائدة عن الشعر، وكان مسلّحا بأدوات غير متوفرة لأبناء جيله: لغة غير قابلة للعطب، ثقافة بصريّة ورثها عن سوابقه التشكيلية، خلفيّة شعرية متعدّدة لا تبحث عن نسب تعتدّ به، نزعة سرديّة تتغذى على الرواية والسينما، معارف تسند اللغة، عفويّة معصومة من زلّات العفويين، وعي بغربة الشعر...
هكذا حفر الشاعر مجراه ، ويقول اليوم أنّه متخفّف من العالم، يقرأ الكتب ويشاهد الأفلام، في انتظار نموّ مدن قابلة للاحتراق ومشاريع جثث، في انتظار مطر يعيد الحياة إلى الوادي الصامت في بلدته والصخب المكتوم في لغته. لا يستعجل خالد بن صالح الشعر. لا يذهب إليه، كآدم كبير يعرف متى يأكلُ التفاحة.
سليم بوفنداسة

 
    • قطارُ الباطل

      سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما...

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى