تعاني شريحة من كبار السن عزلة اجتماعية، ونوعا من الوحدة والتهميش، إذ يميل أشخاص إلى التعامل مع ذويهم  بمنطق مدة صلاحية معينة، تنتهي بمجرد تجاوز سن محددة، أو بعد التقاعد أو عند تدهور حالتهم الصحية، وهي نظرة خاطئة تؤثر سلبا على حالتهم النفسية والجسدية كذلك، وذلك لأن الإنسان يتأثر بمحيطه الاجتماعي
و بمستوى التقدير الذي يحظى به، كما تثبته الدراسات ويؤكده المختصون، الذين يشددون على ضرورة إشراك كبار السن في الأنشطة اليومية بشكل مستمر.
يشهد المجتمع الجزائري تغيرا كبيرا من حيث مكانة عناصر الأسرة، فبعد أن كان كبيرها يمثل عماد البيت و القائد والحكيم الذي يتم الرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة، حتى بالنسبة للأبناء بعد زواجهم وللأحفاد أيضا، تراجع  هذا الدور كثيرا، وأحيل  البعض على ما يمكن وصفه   بـ «التقاعد الاجتماعي»، لتتحول يومياتهم إلى روتين متكرر لا يخرج من دائرة  الجلوس دون نشاط،
أو مشاهدة التلفاز وانتظار منحة التقاعد إن وجدت.
تغيّر نمط الأسرة أفرز نوعا من التهميش
ترى المستشارة الأسرية و المدربة حبيبة حطابي، أن مكانة كبار السن بين الماضي والحاضر عرفت تغيرا كبيرا، خاصة في الأسرة المعاصرة التي تبنت أسلوبا مختلفا عن نمط العيش القديم، ما ألغى فكرة « بركة « كبير العائلة، و قزم مكانته ودوره، وحوله إلى شخص ثانوي و عبء بالنسبة للبعض.
وقالت الأخصائية، إن الأسرة في عصرنا صارت صغيرة، و أكثر ميلا إلى الاستقلالية في القرار و تهميش رأي ودور كبار السن، بعدما كان هؤلاء بمثابة مرجعية في محطات و مواقف حياتية كثيرة، نظرا لما يحظون به من احترام و تقدير و حكمة، و أضافت بأن التهميش قد يظهر في أسلوب المعاملة و تراجع مستوى التواصل، وهو ما يؤثر بشكل كبير على تماسك الأسرة و يكرس الفردانية. و دعت المستشارة، إلى إشراك كبار السن في الحياة اليومية و في اتخاذ القرارات داخل الأسرة، و الحرص على تنظيم وقتهم وإشغالهم بأمور تفيدهم كالرياضة مثلا، و كل ما يتعلق بالنشاطات الترفيهية والقيام ببعض الأعمال التي تساعدهم على تجاوز المرحلة الانتقالية التي تلي قرار التقاعد، وذلك بما يتماشى وحالتهم الصحية خاصة وأن هناك من يعانون من أمراض مزمنة، مؤكدة أن العزلة تزيد من معاناتهم وتتسبب في موتهم تدريجيا، داعية المسؤولين أيضا، إلى الالتفاف إلى هذه الشريحة  والتفكير في توفير فضاءات مناسبة لها تعوض الحدائق العمومية والمقاهي.
الحوار حلقة مهمة في العلاقة بباقي أفراد العائلة
من جانبها، أكدت الأخصائية النفسانية دلال حمادة، على ضرورة إشراك كبار السن في كل التفاصيل المهمة التي تخص الأسرة، سواء تعلق الأمر بالأخبار الجديدة أو المشاريع، لتجنيبهم ذلك الإحساس بالإهمال والتهميش لأنه ينعكس سلبا على نفسيتهم خصوصا ما تعلق بتقدير الذات و الرغبة في العيش.
 مضيفة، أن إشراكهم في مختلف النشاطات العائلية من أهم الأمور التي تؤثر إيجابا على هذه الشريحة ولا تتسبب في تعبها، وذكرت على سبيل الحصر، الرحلات والنزهات العائلية، كما أكدت على ضرورة الحصول على الرعاية والاهتمام من خلال السؤال عن هؤلاء بشكل يومي وتنظيم غذائهم وأدويتهم.
وحذرت النفسانية، من تبعات الانشغال عنهم بالهواتف و تقليل التواصل المباشر، داعية لتكثيف التفاعل معهم خاصة وأنهم من جيل يؤمن بالاحتكاك و الحوار، مشيرة إلى وجوب تقدير الاختلاف في نمط العيش وتأثير ذلك على تقبلهم للأمور، إذ أن هؤلاء كبروا على التجمعات و الجلسات العائلية، في حين أن العزلة تفرض منطقها على الأسر حاليا، بفعل عمل الزوجين وزحف التكنولوجيا، وهو ما يجب أن ينتبه إليه الأبناء.
 وقالت الأخصائية، إنه من المفيد جدا للصحة النفسية، تذكير هؤلاء بأهميتهم في حياة الآخرين كأفراد وكأسرة، ناهيك عن تنشيط ذاكرتهم من خلال العودة على محطات إيجابية، زيادة على العناية بهم و تقديم الهدايا التي تعكس الحب والتقدير، ليشعروا بمعنى لاستمرارهم في العيش و يتجنبوا الاكتئاب الذي قد يؤثر سلبا على الصحة الجسدية.
أما بالنسبة للأنشطة الترفيهية المناسبة لهم، فركزت النفسانية على النزهات، وقالت إنه من المهم تنظيم وقتهم بين الأكل الصحي والرياضة و بخاصة المشي، مع الحرص على تنظيم خرجات عائلية من شأنها أن تضبط نفسياتهم وتعطيهم شعورا بأنهم لا يزالون عنصرا مهما في المجتمع، و اللجوء إليهم والاجتماع بهم حتى وإن كانوا لا يعيشون مع أبنائهم في بيت واحد.          إيمان زياري

الرجوع إلى الأعلى