لا تزال قضية الإجهاض تطرح كأحد الطابوهات الاجتماعية التي يصعب كسرها في المجتمع الجزائري، خصوصا و أنها عملية معقدة تتشعب الأطراف المعنية بتحديد حالات السماح بإجرائها، لأنها قضية تتطلب تشريعا قانونيا و تشخيصا طبيا، و قبل ذلك موافقة رجال الدين، مع ذلك يعتبر الإجهاض في بعض الحالات ضرورة، لحماية الأم الحامل التي تعاني من مرض خطير و يجزم الأطباء بأن الحمل يلحق أضرارا بصحتها أو يعرضها للموت ، كما قد تجنب عائلة الجنين المعاناة النفسية، و نفقات التكفل به، سواء بالنسبة لذويه أو للدولة، وذلك عندما يتعلق الأمر بجنين مشوه أو معاق، يكاد يجزم الطب بوفاته مباشرة بعد الولادة.
موقف المجتمع من الإجهاض، المستمد مباشرة من موقف الدين الإسلامي، جعل الحديث عنه ضيقا و محدودا، لأنه يعتبر خطيئة، وقد حدد رجال الدين عمر الجنين الذي  يحظر إسقاطه من رحم أمه بحوالي 120 يوما، لأنه يصبح روحا بريئة حرم الله قتلها، ومن هنا تحديدا ذهب المشرع الجزائري إلى ضبط مادة خاصة في قانون العقوبات تجرم الإجهاض و تعاقب عليه، و يتعلق الأمر بالمادة 304، إضافة إلى مواد أخرى ، تقدم تفاصيل الأحكام الخاصة بهذا الفعل، سواء مورس من قبل المرأة الحامل أو الطبيب المختص و تصل عقوبته حد السجن من سنة إلى خمس سنوات، مع غرامة مالية تتراوح بين   20 إلى 50 ألف دج، علما أن العقوبات تختلف حسب طبيعة الجاني.
 بالمقابل الواقع المعيش يشهد  حالات كثيرة يرى المعنيون بها بأنها تفرض الاستثناء، و الحديث هنا يخص بعض العائلات الجزائرية، التي تواجه مشكلة الحمل بجنين مشوه أو معاق، تؤكد التقارير الطبية بأن حالته الصحية متدهورة، و احتمالات وفاته مباشرة بعد الولادة جد كبيرة، مع ذلك تضطر العائلة للاحتفاظ به، خوفا من أحكام الدين و سلطة القانون، لتلجأ بعد ذلك للتخلي عنه و تركه في المستشفى،لتنتقل مسؤولية التكفل به إلى الدولة، أو قد يشكل عبئا نفسيا و اجتماعيا و حتى ماديا على الأسرة في حال قررت التكفل به و رعايته ، علما بأن مثل هذا المولود سيعيش حياة جد صعبة و يظل يواجه الرفض الاجتماعي بمجرد أن يكبر قليلا.
تسجيل 50 حالة سنويا لأجنة مشوهة بمصلحة التوليد بقسنطينة

حسب البروفيسور علي صلاحي ،رئيس مصلحة التوليد بالمؤسسة الإستشفائية المتخصصة في أمراض النساء و التوليد بسيدي مبروك بقسنطينة، فإن المصلحة تقف سنويا على ما يربو عن 60 حالة، تخص الحمل بأجنة مشوهة تعاني من مشكل عدم اكتمال نمو الدماغ، وهي حالات عادة ما تنتهي بوفاة الجنين بعد ولادته، هذا الوضع يتم تشخيصه عموما بعد الثلاثي الأول من عمر الجنين، أي بعد تجاوزه أول شهرين من الحمل ، ما يجعل مهمة إجهاضه مستحيلة، أخلاقيا و دينيا و قانونيا و حتى نفسيا بالنسبة للأطباء، كما قال البروفيسور للنصر.
و يكمن المشكل الرئيسي ،حسب المختص، في أن المرأة تضطر إلى تحمل الحمل رغم مخاطره و كذا النسبة العالية لاحتمالات وفاة الجنين، لأن إجهاضه في هذه الحالة  يعد جريمة، وهو ما يخلف لديها مشاكل نفسية كبيرة قد تصل حد محاولة الانتحار، مع ذلك يجد الطب نفسه عاجزا أمامها، نظرا لصرامة القوانين الوضعية و استحالة مخالفة القوانين الإلهية ،كما عبر محدثنا.
و أضاف بأن مثل هذه الحالات، قد تجد حلا مستقبلا، في حال تطور الطب في الجزائر بشكل يسمح بالكشف عن سلامة الجنين في مراحل تكونه الأولى، أي قبل انقضاء الثلاثي  الأول من الحمل، كما يتوجب ،حسبه ، على المشرع الجزائري الاجتهاد أكثر في هذا الخصوص، و تقديم حلول قانونية تتناول هذا الجانب من الإجهاض الطبي المرخص.
أما فيما يخص حالات الإجهاض العادية فقد أوضح المتحدث بأن المصلحة لا تجريها إلا في حالات نادرة لا تتعدى حالة واحدة إلى حالتين سنويا، و هي حالات يسمح بها القانون لأن الحمل يكون بمثابة تهديد   لحياة المرأة، علما أن عملية الإجهاض تتم بموافقة الزوج و الزوجة و بناء على شهادة طبية مرخصة من طبيب مختص أو أكثر، تفيد بخطورة الحمل، وهنا يتم إخطار الجهات الإدارية أي مصالح الصحة، و تنصيب لجنة مكونة من ثلاث أطباء للتشاور، و الاتفاق حول إلزامية إجراء العملية لضمان سلامة الحامل .
 وذكر المختص بأن غالبية الحالات تخص مريضات القلب و الشرايين، إضافة إلى الحوامل اللائي يعانين من أمراض الأعصاب ،أو اضطرابات نفسية قد تهدد صحة الحامل أو حياة الجنين، وحي حالات يصعب جدا التعامل معها و التأكد منها.
ثغرة قانونية تعمق معاناة الأسر و مطالب بتعديل نص المادة 304

يتفق محامون على وجود ثغرة في المواد القانونية الخاصة بتحديد الإجهاض  كجريمة يعاقب عليها القانون، و تبدأ من المادة 304 من قانون العقوبات، لأنها مواد تتضمن فراغا قانونيا يعيق التعامل مع بعض الحالات الاستثنائية كإجهاض الأجنة المشوهة خلقيا أو التي تعاني إعاقة بنسبة 100 في المائة، و التي تثبت تقارير طبية دقيقة عدم سلامتها، لأن المادة تحصر التصريح بالإجهاض في حالة واحدة هي الخطر على صحة الأم العقلية و الجسدية.
يرى الأستاذ حمزة خويدمي ،محامي معتمد لدى مجلس قضاء قالمة، بأن قضية الإجهاض حساسة لأنها  تشمل عدة أطراف متداخلة للحكم عليها وهي الدين و الطب و القانون، ما يصعب نوعا ما على المشرع ضبط مواد دقيقة تعالج مختلف الأحكام الخاصة بها، مع ذلك تبقى المادة 304 ،حسبه ، مادة فضفاضة تتناول الموضوع بصفة عامة و ليس بدقة  و تفصيل، كما يقتضيه الواقع المعيش، و الذي يطرح مشكلة الأجنة المشوهة و المعاقة.
كما يضيف المحامي بأن العديد من الأطراف لابد و أن تساهم بشكل فعلي في إيجاد حل  منطقي قانوني يقبله الدين و يخدم مصلحة الأسرة بالدرجة الأولى، كأن تساهم الجهات القائمة على قطاع الصحة في توفير تجهيزات و تقنيات من شأنها الكشف عن الإعاقة في وقت مبكر ، كما هو معمول به في دول أخرى، وهنا يمكن للمشرع تكييف مواده بصفة تنظم أكثر هذا النوع من العمليات دون أن تتعارض  مع موقف الدين من القضية عموما.
و اعتبر محدثنا بأن القانون الحالي يفرض نوعا من الإجحاف في حق الجنين المعاق بنسبة 100 في المائة ،لأنه سيعيش حياة جد صعبة إذا ما تخلت عنه الأسرة، كما أن نفقات التكفل به ستثقل كاهل الدولة، لذلك يقترح إجراء تعديل على نص المادة304 ، و إضافة بعض التفاصيل بعد الأخذ بعين الاعتبار موقف الدين و الطب معا.
من جهتها، أوضحت المحامية كوثر كريكو من مجلس قضاء قسنطينة بأن الاحتكاك ببعض الجمعيات و الأسر الجزائرية، كشف بأن مشكل الأجنة المشوهة وراثيا أو خلقيا و التي تعاني من إعاقات مختلفة يطرح بقوة، خصوصا و أن بعض العائلات تتخلى عن أبنائها بعد ولادتهم، ما يعمق معاناتهم مستقبلا، مشيرة إلى مقترح تعديل النص القانوني المنظم للإجهاض ضمن مشروع قانون العقوبات الجديد و هو قيد الإعداد، و ذلك من خلال إضافة بعض المواد التفصيلية تتضمن اجتهادات دينية و آراء طبية، يكون من شأنها تقديم حلول لمثل هذه الحالات.

 الأستاذ كمال لدرع عميد كلية الشريعة و أصول الدين بقسنطينة
 الإسلام يبيح إجهاض الجنين المشوه إذا لم يتعد عمره 120 يوما

أكد الأستاذ كمال لدرع عميد كلية الشريعة و أصول الدين بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، بأن الدين الإسلامي يجرم مبدأ الاعتداء على الجنين في رحم أمه، لكنه يبيح عملية الإجهاض في بعض الحالات النادرة التي تصنف ضمن خانة الضرورة القصوى، كأن يشكل الحمل تهديدا لحياة المرأة، خصوصا بالنسبة للحوامل المريضات المصابات بأمراض مزمنة، كسرطان الثدي و أمراض الكلى و القلب و نزيف الرحم، وهنا يجوز للمرأة كما قال إسقاط الجنين، دون أخذ عمره بعين الاعتبار، شريطة أن يؤكد التشخيص الطبي خطورة الحمل عليها.أما في ما يخص قضية إجهاض الأجنة المشوهة، فقد أوضح المتحدث، بأن الإسلام دين يسر وهو ينظر للأمور من منظور دقيق، حيث يبيح في هذه الحالة إسقاط الجنين المشوه أو المعاق بنسبة 100 في المائة، إذا ما أثبت ذلك العلم و الطب، و اتضح بأن لجنين سيولد مشوها بدرجة كبيرة أو معاقا كليا، لكنه ربط هذه الحالة بشرط، وهو ألا  يتجاوز عمر الجنين 120 يوما، أي حوالي أربعة أشهر، لأنه يصبح روحا يحرم الاعتداء عليها ،كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: « لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق».
يضيف الأستاذ لدرع، بأنه وفي حال اتضح بأن التشوه ناتج عن أمراض وراثية متنقلة في عائلة هي نتاج زواج الأقارب، ويكون العلم قد أثبت ذلك، فإنه يجوز منع الإنجاب نهائيا، لتجنب الأضرار بسلامة الأم و الجنين معا، كما يجوز منع الزواج من الأقارب أصلا، إذا ما كشفت الفحوصات الطبية المسبقة وجود جينات مرضية قابلة للانتقال بين أفراد العائلة الواحدة.
 نور الهدى طابي

الرجوع إلى الأعلى