طوابيـر و تدافع فـي "صولد" المراكز التجارية الكبرى
تسجل مختلف المراكز التجارية بالجزائر العاصمة مؤخرا، إنزالا بشريا كبيرا أحدثه انطلاق فترة التخفيضات الشتوية، التي فرضت اجراءات أمنية مشددة داخل محلات اضطرت للتعامل بسياسة الدور لدخولها، في مشاهد كشفت حقيقة انعكاس سياسة التقشف التي تنتهجها البلاد على عقلية المواطنين.
 حيث تعيش مختلف المراكز التجارية على وقع تسونامي بشري، يغزوها منذ افتتاحها في حدود العاشرة صباحا إلى أن تغلق عند العاشرة ليلا، و كأن الجميع ضبط عقارب ساعته على نفس التوقيت، حيث تبدأ الوفود في الدخول بأعداد هائلة في الصباح، لتصنع حالة طوارئ داخل مختلف المحلات و حتى الأروقة التجارية، الخاصة ببيع الأجهزة الإلكترونية و الكهرومنزلية.
طوابير و تدافع داخل المراكز التجارية
التخفيضات الشتوية المعلن عنها  من خلال الإعلانات على واجهاتها، أو بفضل اللافتات التي تزين سماء الفضاءات التجارية، أسالت لعاب المواطنين الذين قرروا عدم تفويت الفرصة لأجل اقتناء أكثر من غرض بسعر مغر، ما جعل الجميع في سباق مع الزمن ، الأمر الذي رفع أعداد الزبائن فتجعل كل من يزور هذه المراكز يعتقد بأنها فترة عيد، خاصة و أن البعض منهم زار المكان أكثر من مرة، كما قالوا، و أحضروا أقاربهم من ولايات مختلفة. و في جولة النصر داخل المركز التجاري باب الزوار، وقفنا على تدافع الزبائن داخل المحلات و حتى على مستوى بواباتها، من أجل الدخول و تفقد ما تعرضه من تخفيضات، و حتى السلالم المتحركة لم تخل من هذه المظاهر التي أدت في بعض الحالات إلى نشوب خلافات بين المواطنين، و استدعى الأمر الاستعانة بأعوان الأمن لتنظيمها خاصة عند النزول. أما بالأروقة، فالوضع كان شبيها بطوابير الزيت و السكر في الثمانينات، فأغلب المحلات، إن لم نقل كلها، عمتها حالة من الفوضى و الصفوف الطويلة و العريضة لمواطنين كانوا يتسابقون في ما بينهم من أجل التمكن من دخولها، و كأنهم سيحصلون على أغراض بالمجان.
أعوان الأمن لتأمين المحلات
و “الدور” لضمان دخولها
فترة “الصولد” التي يبدو و أنه تم الترويج لها بشكل جيد هذا الموسم، ضاعفت من أعداد الزبائن، حسبما أكده أحد التجار للنصر، حيث قال بأنه يعتبر الإقبال القياسي قد ساهم في تسويق كميات هائلة من السلع، خاصة الألبسة الشتوية رغم أن التخفيضات كانت عامة، غير أن التعامل مع الأعداد الهائلة من الزوار استدعى وضع إجراءات معينة، خاصة بالنسبة للمحلات التي تسجل أكبر نسبة من الإقبال.  على بوابة محل ماركة “سيتي سبور” للألبسة الرياضية مثلا، اندهشنا من سياسة مسيري المحل، حيث كان الباب مغلقا و العشرات ينتظرون دورهم للدخول في الخارج، ليؤكد لنا البائع في ما بعد بأن الإقبال الكبير و التدافع و الفوضى داخل المحل، دفعهم لانتهاج هذه السياسة لتنظيم العملية و تمكين الزبائن من التبضع بشكل مريح، مؤكدا بأنهم يدخلون 10 أشخاص فقط و لا يفتحون الباب، إلا بخروج مجموعة لإدخال أخرى. أما بمحل “زارا” لألبسة الرجال، النساء و الأطفال، و لكبر مساحة المحل، فإن الدخول كان مسموحا للجميع، غير أننا سجلنا حضورا مكثفا لأعوان الأمن بالزي الرسمي، حيث كانوا منتشرين بالمحل و يقومون بمراقبة الزبائن باستمرار، و هو  ما  قال عنه أحد الباعة بأنه إجراء أمني لتفادي السرقات أو أي شيء يخل بالنظام داخل المحل.
«الصولد» للميسورين و خيبة أمل لمحدودي الدخل
الزائر للمراكز التجارية و المتفقد لإعلانات الصولد، يتأكد بأن العملية ليست للجميع، فارتفاع أسعار ألبسة الماركات العالمية و رغم التخفيض المعلن عنه، لا تناسب مستوى الكثير من الأسر الجزائرية محدودة الدخل حسب من تحدثنا إليهم، فالسيدة نجاة تعتبره «صولد الميسورين» فقط، على حد تعبيرها،  كون الأسعار خيالية رغم التخفيض، إذ يبلغ سعر سروال إحدى الماركات مع التخفيض مثلا، 7000 دينار، بعد أن كان 9000 دينار، و لا ينزل سعر الصدار أو «التريكو» عن 8000 دينار بعد أن كان 12000 دينار. و حسب ما وقفنا عليه، فإن الصولد شكلي، أكثر مما يروج له بأنه يصل إلى نسب 50 أو 80 بالمائة، ما عدا بعض القطع التي خفضت أسعارها من 4500  دينار إلى 2500 دينار، فيما لم تنزل أسعار باقي القطع عن أثمانها الأصلية، إلا بأرقام رمزية لم تسمح لكافة الزائرين باقتناء ما لقي إعجابهم، فيما قال البعض بأن  هناك من التجار من استغلوا الفرصة لتسويق قطع قديمة لا تواكب الموضة
و إن كان الكثير من الزبائن، خاصة من الميسورين، خرجوا مثقلين بأكياس تحمل علامات مختلف الماركات العالمية، فإن الكثير من المواطنين  خرجوا خائبين و عادوا بأياد خاوية إلى بيوتهم، مثلما تقول سامية، فكل هذا ليس للعامة، حسب تعبيرها، إذ لم يتمكن من هم في مستواها، سوى من اقتناء بعض الأواني و ألبسة الأطفال رديئة النوعية، كما قالت. و بزيارة هذه المراكز في هذه الفترة تحديدا، يمكننا التأكد من أن الكثير من المواطنين يعيشون خارج الواقع، و كأن سياسة التقشف لم تطلهم، و لم يعيروها اهتماما، بل و كأنهم يعيشون في عالم آخر ينعمون فيه بالبحبوحة المالية لزبائن دفع أحدهم 5 ملايين سنتيم، لأجل  بعض القطع من الألبسة أمام أعيننا.
إيمان زياري

الرجوع إلى الأعلى