عدنا إلى نقطة الصفر  في السينما  لأن الإنتاج لم يتخلّص من التبعية للدولة
قال المنتج و المخرج محفوظ عكاشة بأن وضع الإنتاج السينمائي و الدرامي ببلادنا عاد إلى نقطة الصفر بعد تنفس المنتجين و السينمائيين الصعداء، لما رأوه من تحرّك في وتيرة الإنتاج على عدة مستويات فنية في السنتين الأخيرتين، محدثنا أوعز السبب إلى عدم تخلّص قطاع السينما من التبعية للدولة، في الوقت الذي كان من السهل تخليصه من آثار الأزمة بخلق صندوق دعم خاص بالاستثمار الثقافي و السينمائي، مفتاحه بيد المموّلين الخواص و كبرى الشركات الاقتصادية.
حاورته مريم بحشاشي
صاحب العمل التاريخي «رجال الفرقان»و«أخّام نالدّا مزيان» تطرّق في حواره للنصر إلى الديون التي توارثها التلفزيون الوطني عن الإدارات السابقة و الذي تسبب في عدم استفادة الكثير من المنتجين بمن فيهم هو شخصيا من مستحقات بمبالغ هائلة، أوقعتهم في مشاكل مع الفنانين و التقنيين.
محفوظ عكاشة الذي أسر بعدم استعداده لخوض تجربة إنتاج عمل تاريخي جديد، قبل الحصول على ميزانية مناسبة، لا تقل حسبه عن 15مليار سنتيم أكد اكتفاءه بأعمال السيت كوم إلى حين تحسن الأوضاع. كما تحدث عن كواليس الجوائز السينمائية العالمية التي يرى بأنه لم يعد الإبداع و التميّز الفني مقياسا لانتقاء الأعمال الناجحة مشيرا إلى هاجس السياسة المسيطر في نظره على كل شيء.  
النصر:عاد الحديث عن قلة الإنتاج إن لم نقل انعدام الإنتاج السينمائي؟
- محفوظ عكاشة: صحيح لقد عدنا إلى نقطة الصفر بعد أن تنفس المنتجون و السينمائيون الصعداء، لما رأوه من تحرّك في وتيرة الإنتاج على عدة مستويات فنية في السنتين الأخيرتين، و السبب في اعتقادي عدم تخلّص قطاع السينما من التبعية للدولة، في الوقت الذي كان من السهل تخليصه من آثار الأزمة بخلق صندوق دعم خاص بالاستثمار الثقافي و السينمائي، مفتاحه بيد المموّلين الخواص و كبرى الشركات الاقتصادية، خاصة و أننا نجحنا في تجاوز مشكلة السيناريو ببروز كتاب و صحفيين موهوبين في هذا المجال، و أنا شخصيا تعاملت مع كتاب جدد لهم مستقبل واعد في ميدان السيناريو و هذا بشهادة المختصين حتى من خارج الجزائر.
 لماذا في رأيك لم تتكرّر مواهب كوميدية كتلك التي برزت في الماضي رغم قلة الإمكانيات حينها عكس اليوم و شبابنا يتمتع بكل فرص التألق؟
- عوامل عديدة تقف وراء ذلك، فالسينما الجزائرية اليوم تحظى بطاقات و مواهب لا يستهان بها و الدليل تمكن ممثلينا من فرض أنفسهم على المستوى العربي و الغربي، بفضل وجودهم الظروف المناسبة للإبداع. و من بين الأسباب التي تحول دون تمكن الممثل من تفجير طاقته ضعف السيناريو الذي يعجز الممثل مهما كان موهوبا في تجسيد دوره كما يجب من جهة و عدم اهتمام بعض المخرجين الجدد بهذا الجانب، ففي السابق كان المخرج يكتشف الموهبة، لأن نظرته العميقة و خبرته تساعدانه على شم رائحة بذور الإبداع و النجومية و الاعتناء بها لتثمر، أما في وقتنا الحالي باتت الكلمة للأمور الهامشية و الحديث عنها قد يتطلّب وقتا طويلا لتشعبها.
لا يمكن إنكار صرف ميزانيات ضخمة على قطاع الإنتاج السينمائي و الدرامي، لكن دون جدوى، فنحن عاجزين عن الارتقاء إلى مستوى الصناعة السينمائية، و صناعة النجوم، إذا المسألة ليست مسألة مال و إنما عوامل أخرى.

حظوظ التمويل الفني لم تنصف الدراما
- لكن أغلب المنتجين يشتكون نقص التمويل؟
- لو كشف عن حجم المبالغ التي خصصتها وزارة المجاهدين لإنتاج بعض الأفلام الثورية و كذا وزارة الثقافة، لأدركنا بأن المشكلة ليست في التمويل، لأن الكثير من المنتجين استفادوا من ميزانيات مهمة لا تقل عن 13 مليار كأدنى حد، و نحن لسنا ضد ذلك لكن في رأيي من المهم أيضا توزيع الحظوظ بين السينما و الدراما، و منح الفرصة لمن يستحقها فعلا و يخدم الفن، فليس من العيب تخصيص ميزانيات هائلة و الرهان على إنتاج أعمال ضخمة من حجم الأفلام الخالدة كالأفيون و العصا و معركة الجزائر، لكن ما يثير الاستياء هو التوزيع غير العادل في الفرص بين السينما و التلفزيون رغم أن جمهور الشاشة الصغيرة بات أكبر من جمهور الشاشة الكبيرة.
- لماذا اعتمدت على الممثلين السوريين و المصريين في فيلمك الأخير «رجال الفرقان» رغم بروز ممثلين يتقنون اللغة العربية؟   
- لا يمكننا إنكار حاجتنا إلى خبرة السوريين و المصريين عندما يتعلّق الأمر بالأفلام التاريخية و الدينية على وجه الخصوص، و هذا لا يعني أنه ليس لدينا ممثلين ومخرجين بارعين، بل البحث و الطموح إلى الأعمال المتقنة يضطرنا للبحث عن المواهب و الكفاءات حتى خارج الوطن، و هذه طريقة يعمل بها كبار المخرجين و لا ينزعجون من الاستعانة بممثلين من مختلف الأجناس، طالما أن الهدف يبقى إنتاج فيلم ناجح.
لا يمكننا الاستغناء عن الخبرة السورية و المصرية في إنتاج الأعمال الدينية
- لكن لم تتم مواصلة عرض العمل على الشاشة مثلما كان متوقعا؟
-صحيح و السبب طول مدة الحلقة الواحدة التي تصل مدتها حوالي 45دقيقة و هو ما حال دون إيجاد التوقيت المناسب لبثه، لكن سيعاد بثه قريبا.
- ماذا بعد «رجال الفرقان»؟
-صراحة لن أخوض الآن في عمل تاريخي جديد، على الأقل، ليس قبل الحصول على ميزانية مناسبة، لا تقل عن 15مليار سنتيم كأدنى حد، لست مستعدا لمواجهة المشاكل التي واجهتها في أعمالي السابقة التي لا زلت لم أستفد حتى الآن من جزء مهم من مستحقاتي و مستحقات الأسرة العاملة معي، لذا قرّرت الاكتفاء بأعمال السيت كوم إلى حين تحسن الأوضاع.

-من تقصد بالجهة التي لم تسدد مستحقاتك؟
-صراحة أنا لا أقول هذا كشكوى أو انتقاد و إنما لنقل واقع و معاناة، الأشخاص الذين لم يحصلوا على أجورهم منذ سنوات، بسبب عدم تسديد التلفزيون الوطني لجزء مهم من المستحقات التي بقيت عليه، و إن كنت أدرك جيّدا بأن المشكلة تتجاوز المسؤولين الحاليين الذين توارثوا هذه المشاكل من الإدارات السابقة، لكن ما ذنبي وذنب الكثير من المنتجين غيري ممن يواجهون اتهامات و مشاكل مع الأشخاص الذين عملوا معهم في أعمال تم عرضها، دون إتمام مستحقات أصحابها، و أنا شخصيا لا زالت أنتظر تسديد التلفزيون الجزائري لمستحقات الجزء الثالث من مسلسل «أخّام نالدّا مزيان» و ذلك منذ 2012، و هو ما أضطرني إلى التخلي عن إطارات بشركتي و إرجاء تجسيد الكثير من المشاريع التي كنا انطلقنا فيها، لأن أموالنا محتجزة، و بعد أن أنتجنا أفلاما كثيرة حققت نجاحا معتبرا، بما فيها مسلسل «البذرة» بتنا غير قادرين على إنتاج و لو فيلم وثائقي بسيط بسبب ذلك.
- لماذا غيّب نجوم الشاشة الجزائرية ؟
- ثمة نجوم غيّبوا أنفسهم، لرفضهم التعامل مع الحوارات و السيناريوهات الضعيفة، لأنهم مهنيين و لا يقبلون بأي دور أو أي نص و نذكر منهم على سبيل المثال الممثل القدير عثمان عريوات، فيما اكتفى آخرون بالظهور الشكلي، و هناك أيضا من أصبحوا عاجزين عن التمثيل و منافسة الشباب.
الأوسكار فقدت مصداقيتها الفنية و الإبداعية
- رأيك في اختيار فيلم «البئر» للمنافسة على جوائز الأوسكار؟
- صراحة لا أؤمن بمصداقية الجوائز السينمائية العالمية، لأن ما يتحكم في مقاييس الاختيار يبقى مريبا، و الجميع يعلم بأن السياسة تقف وراء ذلك، و حسابات عديدة أخرى، و شخصيا أرى بأنه لم يعد الإبداع و التميّز الفني مقياسا لانتقاء الأعمال السينمائية و قد وقفنا في عديد من المرات على مدى تأثير الأحداث السياسية في العالم على توجهات و اختيارات لجان التحكيم للأفلام المتوّجة، و أنا شخصيا أتساءل كيف لفيلم مثل فيلم الرسالة للعبقري مصطفى العقاد عدم تبوؤ هذه الفرصة و القائمة طويلة لذا أفضل الاحتفاظ برأيي لنفسي و يكفي أن نستذكر واقع تهميش النجم ميل غيبسون لمجرّد التعبير عن موقفه و غيره كثيرون.

م/ب

الرجوع إلى الأعلى