"بواسون"  يدشن التدريس بعين عبيد و زبيدة أول جزائرية تلتحق بالتعليم الفرنسي
تعتبر مدرسة الذكور سابقا، التي تعرف اليوم باسم مدرسة الأمير عبد القادر ، أول مدرسة في عين عبيد بولاية قسنطينة، و قد تخرج منها أجيال من التلاميذ، منذ افتتاحها في خمسينيات القرن الماضي، الكثير منهم إطارات و دكاترة و نواب في البرلمان، ساهمت في بناء الجزائر المستقلة،  و لا تزال المدرسة إلى غاية اليوم صامدة و شامخة، تحافظ على طابعها العمراني القديم، و تواصل مهامها في تزويد مئات التلاميذ لمختلف المعارف و العلوم.
النصر زارت هذا الصرح التربوي الذي لا يزال يحافظ على طابعه المميز فقد بني بالحجارة و يغطي سقفه قرميد أحمر، و يضم جدرانه نوافذ كبيرة، من الجهتين، لتوفير الإضاءة الطبيعية التي تساعد على التعليم و التركيز ، و قد شدّ انتباهنا الجرس النحاسي، الذي يعود إلى تاريخ فتح المدرسة في سنة 1953 و لا يزال محافظا على مكانه متوسطا الحجرات الثلاث التي كانت أولى حجرات التعليم في مدرسة الذكور، كما كانت تسمى، مذكرا بجلجلة رنينه وهو يعلن عن بداية الدوام و نهايته. المدرسة لا يزال بناؤها محافظا على هيبته و وقاره و تماسكه، و لم تظهر فيه تشققات ولا تصدعات، و خضع عدة مرات لإعادة الطلاء فقط، ويقابل الأقسام الثلاثة مسكنين وظيفيين بنفس الطابع العمراني، في حين  تتوسط الأقسام و المسكنين ساحة زينتها الأعلام الوطنية، و بنيت خلفها ثمانية أقسام حديثة، في طابقين الأول و  الأرضي، في مكان حجرات حديدية تمت إزالتها بعد الاستقلال، بالإضافة إلى بناية أخرى تتكون من طابقين و آخر أرضي يضم حجرتين، و هذه البناية كانت و لا تزال  مخصصة لمساكن المعلمين، و لا تزال واجهاتها تحافظ على نمطها الأوروبي، لكن هذه المساكن تشهد تدهورا كبيرا من الداخل، وتحتاج إلى ترميم يعيد لها ألقها.
أولى الأقسام بنيت في 1929
في أرشيف المدرسة الذي تمت المحافظة عليه من طرف من تعاقبوا على إدارتها قبل و بعد الاستقلال، فوجئنا و نحن نطلع على بعض الوثائق بأنه تم  فتح أولى أقسام التعليم في بلدية عين عبيد بصفة رسمية سنة 1929 ، و ذلك قبل بناء مدرسة الذكور، و أخبرنا مسؤول سابق من أبناء المنطقة، بأن البناءات الأولى بالمنطقة تعود إلى سنة 1890 ، وهي مبنى البلدية القديم و الكنيسة التي تم هدمها وتشييد مقر البلدية الحالي على أرضيتها، وتتوسطهما أول مدرسة بالمنطقة و تتكون من حجرتين يعلوهما مسكنان، ويستغلان حاليا كمقرين لذوي الاحتياجات الخاصة، من المعاقين سمعيا و حركيا، ليتم في ما بعد بناء حجرتين قريبا منهما ،عرفتا في ما بعد بأنهما يشكلان مدرسة البنات، في حين لم نعثر على سجلات تؤرخ للمرحلة التي سبقت 1929 و كان حينها الفوج الواحد يضم أكثر من مستوى تعليمي، بالإضافة إلى مقر الدرك الوطني.مدير مدرسة الذكور حاليا رضوان أحمد عبد العالي حاليا، وضع تحت تصرفنا سجلاتها، ففوجئنا بطريقة الحفاظ عليها، و قد مر على فتحها 88 سنة، وهي بذلك تعدّ وثيقة هامة تسجل تاريخ فتح أول مدرسة بعين عبيد و كان أول المعلمين فيها الفرنسي» بواسون « و خمسة تلاميذ فرنسيين ذكور هم أبناء الكاتب العام للبلدية وابن القابض البريدي وموزع البريد، و حرفي بناء وكذا ورئيس وعامل وحدة الأشغال العمومية وترميم الطرقات.
وهذا ما يؤكد سياسة التجهيل التي مارستها فرنسا في حق أبناء الشعب الجزائري ، و قد أكد لنا مسنون، بأن أبناء البلدية بدورهم قاطعوا التعليم الفرنسي على اختلاف مستوياتهم، أغنياء وفقراء، و الدليل على ذلك عدم وجود أسماء أبناء العائلات الغنية في سجل قيد أولى الأقسام التعليمية، إذ فضلوا الدراسة في مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كانت جزءا من المسجد العتيق الشيخ العربي لعلاوي، و كانت تحمل  اسم «المدرسة « وتتكون من قسمين. و كانت معظم الأسر الميسورة تحضر لأبنائها معلمين للقرآن الكريم خاصين بهم، بالموازاة مع فتح كتاتيب على مستوى معظم المشاتي والتجمعات السكانية رغم فقرها، من أجل الحفاظ على الهوية والشخصية الجزائرية.
قسم بخمسة  تلاميذ فرنسيين والسكان فضلوا جمعية العلماء
تشير نفس السجلات، إلى أن التعليم بدأ يشمل بعض الجزائريين، ابتداء من سنة 1930 بالنسبة للذكور، و يوجد سجل خاص بهم، فيما سجلت  أول تلميذة في التعليم الفرنسي يوم 1 أكتوبر 1945 و هي التلميذة زبيدة حطّاب ابنة ساعي البريد الذي اغتاله المحتلون هو وابنه خلال أحداث 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني و كانت آنذاك زبيدة في العاشرة من عمرها  و تحمل رقم 92 في سجل القيد المدرسي الذي بدأ في الفاتح أكتوبر، وهي الطريقة المعمول بها حاليا.
وحسب مدير المدرسة، فإن هذه المؤسسة تعتبر الخلية التي فرّخت وخرّجت كل الإطارات من أبناء البلدية في مختلف القطاعات من عقداء في الجيش وأطباء ونواب، منهم أول نائب فيها المرحوم حسين تموسي وبعده الدكتور كمال بومنجل وعضو مجلس الأمة السابق السعيد رضوان والحالي محمد راشدي، والنائب الحالي جمال مساعدي، والأستاذ الجامعي العربي حمدوش، وأساتذة جامعيين كثيرين،  منهم رئيس المجلس الشعبي البلدي الحالي فوزي بومنجل، و هو أستاذ بجامعة سكيكدة، وعضو نفس المجلس فوزي مجمج ، أستاذ الأنثربولوجيا بجامعة قسنطينة 3 وغيرهم.
إن جدران حجرات وفناء مدرسة الذكور سابقا، تشهد على أنها احتضنت صراخ و مواطئ  أقدام الآلاف من أبناء عين عبيد عبر عشرات السنين و لا تزال تتقلد نفس المهام، رغم تغير البرامج والمعلمين والمسؤولين الذين حافظوا على أرشيفها الذي يعود إلى بداية التعليم بصفة رسمية، حسب سجلات قيد التلاميذ التي تعود إلى 1929، و ذلك رغم من مرور ما يقارب 90 سنة .
ص/ رضوان

الرجوع إلى الأعلى