يتأسس استقرار المجتمعات على العدل؛ فهو أساس الملك، بينما يعد ‘الظلم مؤذنا بخراب العمران’ كما هي السنة الاجتماعية في نظر ابن خلدون، ومن أجل المحافظة على العدل يتوجب نصرة المظلوم فردا كان أو جماعة، في أي مكان وعصر وحال، بغض النظر عن دينه ولونه ولغته وانتمائه الوطني؛ لأن نصرة المظلوم مطلوب شرعا وعقلا، تدعو إليه الشرائع الدينية الصحيحة والفطرة السليمة، فكلها تقر بقبح الظلم وضرورة إزالته. وبقدر ما حرم الله تعالى الظلم وتوعد الظالمين بعقوبات دنيوية وأخروية، أمر كذلك من خلال نصوصه التأسيسية أو أحكامه الشرعية بضرورة نصرة المظلوم، وعدّ ذلك واجبا على الأفراد والكيانات والمجتمعات.

وأول نصر يتوجب على المسلم هو نصر أخيه المسلم، وذلك واجب شرعي لا يسقط عنه، وهو من مقتضيات الولاء، لقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[التوبة: 71]، وما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) [رواه البخاري]، وقوله: (المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) [رواه البخاري ومسلم]، وما روي من عليه الصلاة والسلام: (‌ما ‌من ‌امرئ ‌مسلم ‌يخذل ‌امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه حرمته، إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته)[رواه أحمد]، ويقول البراء بن عازب في «الصحيحين»: أمرنا رسولُ الله ﷺ بسبعٍ»، وذكر منها: عيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر المظلوم، وغيرها من الآيات والأحاديث الآمرة بنصرة المظلوم المسلم؛ بل إن الإسلام أمر المؤمنين بنصرة إخوانهم الذين رفضوا الهجرة إلى دار الإسلام رغم أنهم لا ولاية لهم؛ فقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} [الأنفال: 72]، فنصرة المسلم واجبة لا تسقط بحال في أي مكان يتواجد فيه، ومن مقتضيات نصرة المسلم لأخيه المسلم أن لا يوالي عدوه؛ لأن موالاة العدو يعد نصرا لذلك العدو على حساب الأخ المسلم؛ فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ  [النساء: 144]، وقال سبحانه:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  [المائدة: 51]، ونصرة المسلم تكون بكل وسيلة يرفع بها عنه الظلم؛ سواء بالكلمة أو بالمال أو بالسياسة أو بالسلاح إن اقتضى الأمر ذلك، فهذا الأمر تقرره طبيعة الظلم وحاله ومكانه وقدرات المسلم المأمور بالنصرة؛ لكن ينبغي رفعه بكل حال ولا يجوز ترك المسلم يئن تحت الظلم والمسلمون قادرون على رفعه عنه.
وما يعانيه الأشقاء في غزة من ظلم علني تجاوز كل مفاهيم الظلم الشرعية والعقلية والفطرية، يتطلب من المسلمين العمل على رفعه بكل الطرق الممكنة؛ حتى تتوقف الحرب ويتوقف القتل والتشريد والتجويع والحصار والتهجير وكل صور وأنواع الظلم التي يتعرض لها الأشقاء هناك، وكل مسلم يقدم ما يقدر عليه لأداء ما هو مطالب به، كما يجب على المسلم أن يمنع عن أخيه المسلم ظلما تعرض له بشكل فردي في أي مكان، ويشتد الواجب على من كلف بمنع ظلم الناس لبعضهم البعض من المكلفين بالأمن ثم يتدرج الأمر لكل قادر من عموم الناس، فلا يجوز ترك المسلم يتعرض للظلم على مرأى المسلمين؛ سواء بالاعتداء عليه ضربا أو قتلا ، أو الاستيلاء على ماله وممتلكاته أو محالة انتهاك عرضه، أو إجحافه في مكان عمله أو تمدرسه أو تسوقه، أو منعه من حقوقه المادية أو الأدبية أو تعرضه لمحاباة أو غرر أو خداع أو غش أو غير ذلك من صور الظلم.
ومن عظمة وعدالة الإسلام أنه لم يكتف بأمر المسلمين برفع الظلم عن بعضهم البعض بل أمرهم كذلك برفع الظلم عن كل مظلوم في الأرض ولو لم يكن مسلما، فقال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} [النساء: 75] وهذا من مقتضيات العدل الذي أمر الله تعالى أن يكون بين المسلمين وبين غيرهم أيضا؛ .فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8].فالمسلم يعد الظلم فعلا قبيحا مذموما شرعا وعقلا وفطرة، ويحرص على رفعه عن كل من تعرض له أنى وجد.
ع/خ

الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب أروع مثال في نصرة المظلوم
إن مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في نصرة المظلومين كثيرة جدا؛ لأن رسالته بالأساس تهدف لإقامة العدل ورفع الظلم بشتى صوره الاعتقادية والتشريعية والأخلاقية؛ لكن ونحن في العشر الأواخر من شهر رمضان وعلى بعد يومين من ذكرى فتح مكة ينبغي التذكير أن سبب الفتح المباشر هو نصرة المظلوم، فقد ذكر المؤرخون وكتاب السير ومنهم ابن إسحاق أن (سبب الفتح بعد هدنة الحديبية ما ذكره محمد بن اسحق...: كان في صلح الحديبية أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد -صلى الله عليه وسلم- وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة وقالوا نحن ندخل في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر وقالوا نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرًا، ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلًا بماء يقال له الوتير وهو قريب من مكة، وقالت قريش: ما يعلم بنا محمد وهذا الليل وما يرانا أحد، فأعانوهم عليهم بالكُراع والسلاح وقاتلوا معهم للضَّغن على رسول الله صلى الله عليه وسلم)
 وكان قائد بني بكر هو نَوْفل بن معاوية الدَّيْلي، فقاتلوا خزاعة حتى حازوا إلى الحرم، فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر: يا نَوْفل إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك. فقال كلمة عظيمة، لا إله له اليوم، يا بني خزاعة، أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه.ولجأت خزاعة إلى دار بُدَيْل بن وَرْقَاء ودار مولى لهم يقال له رافع، عقب حدوث هذا العدوان قدم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن سالم الخزاعي حليف رسول الله ومعه وفد من خزاعة، وبلَّغه ما تعرض له قومه من الغدر والقتل على يد بني بكر وحلفائهم القرشيين، وهم آمنون غافلون وأنشده فقال:

يَا رَبِّ إنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا … حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنَّا وَالِدَا … ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا … وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا … إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا … إنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُوَكَّدَا … وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رُصَّدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا … وَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا
هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدًا … وَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا
فلما انتهى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((نصرت يا عمرو بن سالم))، وحدث بعدها الفتح الأعظم الذي غير مجرى التاريخ.
ع/خ

مفتي وقـاضي لبنان
جامـع الجزائر المعلم الأبرز الذي يؤكد هوية الجـزائر ويعرف بها
استقبل وزير الشؤون الدينية والأوقاف الدكتور يوسف بلمهدي أمس الأول السبت بمقر الوزارة فضيلة الشيخ الدكتور أسامة عبد الرزاق الرفاعي، المفتي والقاضي بجمهورية لبنان الشقيقة، وذلك في إطار زيارة مجاملة عقب مشاركته فعاليات ملتقى الدروس المحمدية الذي تنظمه الزاوية الهبرية البلقايدية بوهران. حسب موقع الوزارة، وقد قدم الوزير لضيف الجزائر نسخا من مصحف «رودوسي» ومصحف الجزائر بطريقة برايل.
وحسب وكالة الأنباء الجزائرية فقد تم التأكيد أثناء هذا الاستقبال على أهمية التعاون بهدف دعم الفكر الوسطي.
وفي تصريح صحفي عقب الاستقبال الذي جرى بمقر الوزارة، رحب السيد الوزير بضيف الجزائر، مثنيا على خصاله باعتباره «أحد العلماء والدعاة المميزين بحضورهم الفعلي في توجيه الطلبة والناس إلى ما يصلح شأنهم في الدين والدنيا»، مبرزا أن الزيارة تأتي «لتبادل الخبرات والتناصح فيما يهم الأمة الاسلامية، وتبادل التجارب ليكون كل طرف سندا للآخر».
من جهته، أبرز الشيخ أسامة عبد الرزاق الرفاعي، أن الزيارة «تأتي لمزيد من التواصل بهدف بناء الإنسان الوسطي الذي يتحلى بفهم الإسلام كما يجب، وإعانته على أن يكون مواطنا صالحا يبني الأوطان ويدافع عنها ويشعر بالمسؤولية».كما نوه بالموقف المشرف للجزائر حيال القضية الفلسطينية، مؤكدا أن « ذلك ليس غريبا عن الجزائر التي قدمت الملايين من أجل التحرر فأعطت بذلك المثال الأعظم».وبالمناسبة، أثنى الشيخ الرفاعي على النهضة العلمية التي تعرفها الجزائر والتي -مثلما قال -لمسها من خلال زياراته الدورية، إلى جانب التطور الحضاري، معتبرا أن تدشين جامع الجزائر يمثل المعلم الأبرز الذي يؤكد على هوية الجزائر ويعرف بها.
كما تم خلال الزيارة إهداء ضيف الجزائر بعض ما أنجزته وزارة الشؤون الدينية بمناسبة ستينية الاستقلال على غرار مصحف البراي ومصحف رودوسي الموسوم بمصحف الجزائر في الأوساط الإفريقية.

الرجوع إلى الأعلى