تعتبر المدرسة القرآنية « أحمد بوسماحة « بالطاهير شرق ولاية جيجل نموذجا حيا عن التنافس في حفظ كتاب الله العزيز، إذ تستقبل عددا معتبرا من حفظة القرآن الكريم من مختلف الأعمار، وقد تحولت خلال الشهر الفضيل و بالتوازي مع العطلة الربيعية، إلى قبلة و ملاذ للأطفال و الحفظة، بفضل برنامج خاص يضم مسابقة بين الأقسام و أمسيات قرآنية وضعته إدارتها لزيادة الاستقطاب وتعزيز التنافس في أجواء روحانية، خصوصا وأن الإقبال عليها من الجنسين.

مدرسة نموذجية بعمران مميز
المدرسة القرآنية واحدة من بين المدارس النموذجية الأولى التي افتتحت بالولاية، حيث شرعت في استقبال الدارسين سنة 2013، و تصل طاقة استيعابها بتطبيق نظام الدوام الواحد إلى ما يقارب 396 طالبا، ويرتفع العدد وفق نظام الدوامين إلى ما يقارب 792 طالبا.
 انطلقت الأشغال في المؤسسة الداخلية سنة 2014 و انتهت سنة 2016، ويضم الفرع 28 غرفة، بطاقة استيعاب تصل إلى 112 سريرا، و قد استقبلت في بداية السنة الدراسية ضمن جميع فئات المتمدرسين حوالي 973 تلميذا، و لكن العدد تضاعف بسبب الأفواج التي تم فتحها وفق برنامج مضبوط يتماشى مع مختلف رواد المدرسة القرآنية، وكلفت عند إنجازها غلافا ماليا فاق 8 ملايير سنتيم، سيرتها الجمعية الدينية.
أنجزت بمواصفات معمارية عالية ووفق طابع إسلامي مميز، حيث نحتت زخارفها بأنامل مبدعة، مع التركيز على النمط الأندلسي المنتشر في المغرب العربي، والذي يتميز بالمنارة المعبرة و الأقواس، بالإضافة إلى الفناء الداخلي المنجز بطريقة فنية، والمشربيات الخشبية الجميلة.
و تتبع المدرسة منهجية تدريس خاصة بها، فبعد الالتحاق بها و الإعلان عن مسابقة الدخول، تتم دراسة الملفات و ترسل استدعاءات إلى المشاركين لمباشرة التربص، ويراد بذلك حسب القائمين على المدرسة التعرف على قدرة و كفاءة الطالب من حيث الدراسة و التحصيل، حيث يدوم التربص أسبوعا إلى شهر كامل، إذ يجلس المسير أو من ينوب عنه مع كل طالب و يطرح عليه أسئلة تكون دقيقة أحيانا و ذلك قصد التعرف عليه و وتحديد توجهه الفكري.
منهجية تعليم متخصصة و دقيقة
عند انطلاق الدراسة يتابع الطالب دروسا مكثفة في أحكام التلاوة ويركز على سور « الحجرات» و «ق» و « تبارك» لما فيها من أحكام، و بعد مدة من تدريس أحكام التلاوة يفصل الطلبة و يقسمون إلى أفواج حسب مستواهم و قدراتهم على الإتقان و يشرعون في الحفظ.
تأتي بعدها مرحلة الحفظ، حيث يحفظ الطالب يوميا ثمنا أو ربعا من السور حسب قدرته، ويستظهر خلال الأسبوع ما حفظه كاملا، و يتضمن البرنامج التعليمي ست فقرات أساسية ترتب حسب مسؤولي المدرسة من الاستظهار إلى التقديم و التلقين، و تعتبر هذه الفقرة هي الأهم، لأن الأستاذ يقوم بقراءة الجزء الجديد على الطلبة قراءة مرتلة متأنية، ثم يكرر الطالب على يمين الأستاذ الآية الأولى و يصحح  المعلم الأخطاء و يقوم بالقراءة، بعدها يقرأ التلميذ الذي يليه نفس الآية و هكذا حتى آخر طالب في الحلقة  و يشرح الأستاذ خلال الجلسة، بعض الأحكام الخاصة بالتلاوة أو أوجه القراءة المختلفة.
تليها بعض المراحل  المتمثلة في  التفسير و التثبيت الشامل و التكرار      وأخيرا درس أحكام التلاوة النظري، و تقدم هذه الدروس في البداية بشكل مكثف لضمان تحكم الطالب في أساسيات التلاوة بداية بالحركات الإعرابية وضبط المدود و المخارج و الصفات و الأحكام العامة.
عشق لكتاب الله و إصرار على تعلم أحكامه
زرنا المدرسة القرآنية، وقد بدت أشبه بخلية نحل نشطة فجل أقسام الدراسة مكتظة عن آخرها، كما قابلنا عددا معتبرا من التلاميذ في الساحة، شدنا التفاوت في أعمار المتمدرسين وقد بدا الطلبة مركزين في الدروس داخل الأقسام، بمن فيهم نبأ وهي طفلة صغيرة عمرها 11 سنة، كانت تستظهر ما حفظته من كتاب الله، تقربنا إليها  فأخبرتنا عن تجربتها قائلة: « بدأت الدراسة في المدرسة القرآنية عندما كان عمري سبع سنوات، و خلال المدة التي قضيتها هنا استطعت ختم كتاب الله غز وجل، كما بلغت الآن مرحلة الحصول على الإجازة وقد ساعدني كثيرا أسلوب التدريس و ما تقدمه المعلمة من نصائح و إرشادات».
ضمت الأقسام كذلك سيدات فوق سن 35، يشاركن زميلاتهن الصغيرات حفظ القرآن في جو من الانسجام والتفاهم والتركيز، يعكس الغاية المشتركة حيث علقت سيدة :» لا يهم فارق السن في مجال التعلم، الغاية هي ما يجمعنا وكلنا هنا لنحفظ كتاب الله ونتدبر فيه، بالنسبة لي فإن العدد مهم لأنه يضاعف المنافسة بين الحافظات و يزيد التحفيز، لقد التحقت بالمدرسة منذ سنتين، واستطعت أن أقطع أشواطا كبيرة بفضل أسلوب التدريس و منتهجة التعليم حيث أسعى حاليا لختم المصحف كاملا».

حضرنا جزءا من حصة، وكانت المعلمة تتبع طريقة مبسطة جدا في الشرح، مع الاعتماد على أسلوب التكرار و طرح الأسئلة المباشرة على الطالبات للتأكد من استيعابهن للآيات القرآنية المبرمجة للحفظ و القراءة. قالت لنا، إنها فخورة بتلميذاتها خصوصا وأن بينهن ربات بيوت يلتزمن بالدراسة رغم مشقة تحضير الإفطار ومسؤولية الزوج والأبناء، موضحة  أن البرنامج مفيد كثيرا، حيث يقضين اليوم كاملا يستمعن إلى القرآن سواء في المدرسة أو خلال صلاة التراويح، و الأجواء روحانية و ربانية تساعدهن كثيرا على الحفظ.
وذكرت طالبات، أن وجود مدرسة مماثلة في دائرة الطاهير،  مفيد للنساء لأنه يمنحن فرصة للتعلم و التكوين دينيا، حيث صارت اليوم قبلة و ملاذا للعديد منهن، بما في ذلك الأمهات و الشابات و الفتيات الصغيرات، حيث تربطهن ببعض علاقة أخوة و صداقة ويجمعن كتاب الله على قلب واحد.
في انتظار افتتاح الفرع الداخلي
وحسب معلم بالمدرسة، فإن التركيز في عملية التعليم منصب على تحفيظ كتاب الله والتجويد بأحكام راوية ورش، قائلا إنه يلاحظ إقبالا متزايدا للتلاميذ في ظل توفير إدارة المدرسة للدعم و تحسينها لظروف التمدرس  مشيرا، إلى أن مستوى الاستيعاب والحفظ متفاوت بين التلاميذ، مع ذلك فإن الأساتذة يسعون لاحتواء الجميع و مساعدتهم على بلوغ الهدف والتقريب بينهم.
من جانبه، أوضح مسير المدرسة، الإمام محمد بوحبل، بأن المؤسسة تضم في الوقت الراهن تعدادا لا بأس به من التلاميذ يقدر بحوالي 1570 طالبا مقسمين على 50 فوجا،  يشرف على تدريسهم و تأطيرهم خلال الأسبوع 22 أستاذا، و يتخرج من المدرسة سنويا عشرة طلبة على الأقل بين حافظ و خاتم لكتاب الله.
 وينتظر بعد رمضان حسبه، المرور إلى مرحلة جديدة تتمثل في إقرار النظام الداخلي للطلبة الراغبين في الدراسة و التخرج من المدرسة القرآنية التي تحوز على اعتماد ومصادقة لبرنامجها.
أما حاليا، فذكر المتحدث، بأنه تم تسطير برنامج خاص، يتضمن مسابقة بين الأقسام و أمسيات قرآنية لصغار الحفظة وذلك تزامنا مع العطلة.                      كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى