السبت 27 جويلية 2024 الموافق لـ 20 محرم 1446
Accueil Top Pub

سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت الذي أعقب الروائع القليلة التي فتحت الشهيّة على أدبٍ راقٍ وأبقت المتلقي على جوعٍ أبدي.

يمسكُ بك مالك، فتسكن لغته وتطمئن في بذخها غير عابئٍ بكلفة الإيجار، وكذلك يفعلُ الأدب الحقيقي، في أزمنة الحرب والسلم و في كلّ الأوقات.
أربعُ حركاتٍ يستعين بها السّرد المقطّر من الشّعر في مرافقة مصائر مُتأرجحة بين ولعٍ يقتضي الواجب نسف الجسر المؤدي إليه، و تطلّع يصدّه البرود وخيّانة هي الجواب غير العادل على الوفاء، و نقل الحياة إلى الأدب بوصفها ظاهرة أدبيّة، و الخضوع إلى محاكمة لا تمتحن الموقف فقط بل تُخضع الضّمير إلى حسابٍ عسيرٍ. أربع حركات في السّرد وأغانٍ قليلة وصخبٌ خارج النص.
سنوات قليلة كانت كافية لاستكمال "المشروع" إن جاز لنا أن نطلق هذه الكلمة التي لا شعريّة فيها على السّحر.
سكت مالك حداد، بعد الاستقلال، تاركًا باب التأويلات مفتوحا إلى الأبد: هل فقد الدافع؟ هل اتخذ موقفا من لغة الكتابة؟ هل جنت عليه المسؤوليات وهل جذبته السيّاسة إلى أرضها المخيفة، خصوصًا وأنّ الرجل ترشّح في الانتخابات التشريعية واختارت قسنطينة غيره لتمثيلها، فكانت الصدمة التي أيقظت السّرطان؟ هل خاب ظنّه؟ هل خاف؟ هل خانته الجرأة في أخذ القلم وإعلان الموقف في الجمهورية الفتيّة؟
لا تُجيب الشهادات الشّحيحة، عن هذه الأسئلة ولا تعطي أي مبرّر للصّمت، فالكثير ممن عاصروه لم يعاصروه حقا، فتجد من يصف جماله وإسرافه في التدخين وتشجيعه للشباب، لكنك لن تجد الشهادة العميقة عن حالة الضّياع التي انتهى إليها الكاتب. لا توثيق ولا حوار، مجرّد تخمينات ومشافهات وتقديس تعوزه المعرفة بالأثر وصاحبه.
لكنّ ذلك لم ينل من الحضور الطاغي لهذا الكاتب، فقد استمر بنصوصه القليلة، وبحضوره في غيره، و استمر في قسنطينته و استمرت قسنطينة من خلاله، فلم يكتبها أحدٌ، كما فعل هو، ولم تمنح نفسها لغيره، رغم المحاولات الكثيرة، لأنّه رفع السّقف ولأنّها اكتفت!
تمتلكُ النصوص العظيمة قوّة دفع ذاتي، ولا تحتاج إلى "شطارة" صاحبها وصراخه، هذا هو الدرس الذي يمكن استخلاصه من بقاء مالك طاغيًا في حياتنا، غير قابل للنسيان والتقادم.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
في وصف الشّر

تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح...

  • 04 ديسمبر 2023
سوط

تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن...

  • 20 نوفمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com