الخميس 16 جانفي 2025 الموافق لـ 16 رجب 1446
Accueil Top Pub

سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت الذي أعقب الروائع القليلة التي فتحت الشهيّة على أدبٍ راقٍ وأبقت المتلقي على جوعٍ أبدي.

يمسكُ بك مالك، فتسكن لغته وتطمئن في بذخها غير عابئٍ بكلفة الإيجار، وكذلك يفعلُ الأدب الحقيقي، في أزمنة الحرب والسلم و في كلّ الأوقات.
أربعُ حركاتٍ يستعين بها السّرد المقطّر من الشّعر في مرافقة مصائر مُتأرجحة بين ولعٍ يقتضي الواجب نسف الجسر المؤدي إليه، و تطلّع يصدّه البرود وخيّانة هي الجواب غير العادل على الوفاء، و نقل الحياة إلى الأدب بوصفها ظاهرة أدبيّة، و الخضوع إلى محاكمة لا تمتحن الموقف فقط بل تُخضع الضّمير إلى حسابٍ عسيرٍ. أربع حركات في السّرد وأغانٍ قليلة وصخبٌ خارج النص.
سنوات قليلة كانت كافية لاستكمال "المشروع" إن جاز لنا أن نطلق هذه الكلمة التي لا شعريّة فيها على السّحر.
سكت مالك حداد، بعد الاستقلال، تاركًا باب التأويلات مفتوحا إلى الأبد: هل فقد الدافع؟ هل اتخذ موقفا من لغة الكتابة؟ هل جنت عليه المسؤوليات وهل جذبته السيّاسة إلى أرضها المخيفة، خصوصًا وأنّ الرجل ترشّح في الانتخابات التشريعية واختارت قسنطينة غيره لتمثيلها، فكانت الصدمة التي أيقظت السّرطان؟ هل خاب ظنّه؟ هل خاف؟ هل خانته الجرأة في أخذ القلم وإعلان الموقف في الجمهورية الفتيّة؟
لا تُجيب الشهادات الشّحيحة، عن هذه الأسئلة ولا تعطي أي مبرّر للصّمت، فالكثير ممن عاصروه لم يعاصروه حقا، فتجد من يصف جماله وإسرافه في التدخين وتشجيعه للشباب، لكنك لن تجد الشهادة العميقة عن حالة الضّياع التي انتهى إليها الكاتب. لا توثيق ولا حوار، مجرّد تخمينات ومشافهات وتقديس تعوزه المعرفة بالأثر وصاحبه.
لكنّ ذلك لم ينل من الحضور الطاغي لهذا الكاتب، فقد استمر بنصوصه القليلة، وبحضوره في غيره، و استمر في قسنطينته و استمرت قسنطينة من خلاله، فلم يكتبها أحدٌ، كما فعل هو، ولم تمنح نفسها لغيره، رغم المحاولات الكثيرة، لأنّه رفع السّقف ولأنّها اكتفت!
تمتلكُ النصوص العظيمة قوّة دفع ذاتي، ولا تحتاج إلى "شطارة" صاحبها وصراخه، هذا هو الدرس الذي يمكن استخلاصه من بقاء مالك طاغيًا في حياتنا، غير قابل للنسيان والتقادم.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com