سليم بوفنداسة
لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة والنّشر، حيث يقف القارئ على اختلاط في الأنواع ومعضلة في اللّغة في أعمال لا يكلفّ كتّابها وناشروها أنفسهم عناء تدقيقها أو إخراجها فنيًّا.
و لم تجد صرخاتُ نقادٍ بشأن استباحة فنّ الرواية، مثلًا، الصدى المرجو في الوسط الأدبيّ الذّي تسوده المجاملات والأحكام الشفويّة المعفاة من التزامات و مسؤوليّة التّدوين، ولا بين النّاشرين الذين يمنح كثيرٌ منهم ورقة العبور لطلّاب مجدٍ أدبي تعوزهم الموهبة والأدوات، من دون تنبيههم إلى مواطن الخلل في أعمالهم وتوجيههم التوجيه السليم، كما هو معمول به في تقاليد النّشر.
فمنذ سنواتٍ دأب النّاقد محمد الأمين بحري، على تقديم نماذج لمواضيع إنشائيّة وخواطر نُشرت في كتبٍ تحت مسمّى رواية، كما طرحت عدّة منابر، ومنها كرّاس الثّقافة، هذه الظاهرة الآخذة في الاستفحال سنة بعد سنة، والتي تعود بالأساس إلى تكاثر دور النشر التي ليس لها من هاجس سوى الهاجس التجاري مستغلّة الفراغات القانونيّة في التشريعات الناظمة لنشاط النّشر ومواثيق الشرف المهني، بل وحتى تقاليد هذه العمليّة التي تقتضي إلى جانب الكفاءة والدراية الثقافة الواسعة والمعرفة الدقيقة بطبيعة الأعمال المرشّحة للنّشر، ويكفي استعراض أسماء كبار النّاشرين في العالم لنعرف أنّ الأمر يتعلّق بمثقّفين، يستثمرون معارفهم ويوظفون كفاءات عاليّة لفحص وإنتاج الكتب الأدبيّة وإبراز الكتّاب الذين سيصبحون سفراء للدار وعنوان فخرها، وحتى وإن ازدهرت الكتب التجاريّة السطحيّة الموجّهة للجمهور الواسع والتي لها مجالها أيضا، فإنّها لن تؤثر على الكتب ذات القيمة الأدبيّة التي سينزلها النّقد منزلتها الحقيقيّة وكذلك الأمر بالنّسبة للكتب الفكريّة والعلميّة، وفي الحالتين فإنّنا لا نعثـر على كتب بأخطاء في اللّغة أو بغموض في الجنس، وهكذا يستطيع طالب الكتاب أخذ ما يريد في وضوح.
هذه المعاينة لن تكون مبرّرا لإغفال جهود النّاشرين المجتهدين والصّامدين في الساحة الوطنيّة، والذين كانوا من المتضرّرين من فوضى النّشر، وتضعنا أمام حتميّة فرز وضبط هذا النّشاط الذي لا يكفي الحصول على السّجل التّجاري لممارسته، مثلما لا تكفي النيّة الحسنة والرغبة الملحة لكتابة الأدب!